"الاستقالات التكتيكية" تهدد شرعية منظمة التحرير

"الاستقالات التكتيكية" تهدد شرعية منظمة التحرير

24 اغسطس 2015
يرغب عباس بهندسة "المنظمة" لتكون أكثر طوعاً له(فرانس برس)
+ الخط -
لم تفاجئ استقالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إلى جانب تسعة أعضاء آخرين، أحداً في الشارع الفلسطيني، والذي يعلم تماماً أن هذه الاستقالات لم تأت بهدف تدوير السلطة في المنظمة، بل لإعادة هندستها، وفق ما يرى عباس.
وفي ما يبدو التحايل اللغوي سيد الموقف وممهداً لتحايل سياسي مقبل، اكتفى أمين سر اللجنة التنفيذية، صائب عريقات، بوصف الاستقالات في تصريحات إذاعية، أمس الأحد، بـ"الأمور التقنية". وقال عريقات "لقد بادر عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية إلى تقديم استقالاتهم لتهيئة الجوّ للدعوة إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الفلسطيني لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير"، مؤكداً أنّ هذه الاستقالات "لا تقدَّم إلا في المجلس الوطني".

وما يراه عريقات أمراً "تقنياً"، يعتبره محللون وفصائل سياسية أنّه "رغبة عباس في إعادة هندسة منظمة التحرير، لتكون أكثر طوعاً له من جهة، وحلّاً لأزمته الشخصية في مؤتمر فتح نهاية العام الحالي، عبر توزيع جزء من كعكة المنظمة لاسترضاء بعض أقطاب القوى في فتح، لتمرير المؤتمر كما يريد، من جهة أخرى".

ولم يلق عباس معارضة كبيرة حين قرّر خلق مبررات "حالة القوة القاهرة"، وهي الحالة التي نصّ عليها قانون "منظمة التحرير" عبر الفقرة "ج" تحديداً، والتي بموجبها "تتم الدعوة إلى اجتماع غير عادي للمجلس الوطني، سيكون فيه الحضور مصغراً جداً وقابلاً للتطويع كمّاً ونوعاً". كذلك سيقتصر الحضور، بحسب المادة المذكورة، على "اللجنة التنفيذية ومكتب المجلس ومن يستطيع الحضور من أعضاء المجلس وذلك في مجلس مشترك يتم لهذا الغرض ويكون اختيار الأعضاء الجدد بأغلبية أصوات الحاضرين". وتجسدت "الحالة القاهرة" بإعلان الموافقة على عشر استقالات لشلّ اللجنة التنفيذية.

ويلخّص محللون سياسيون المخاطر السياسية من انعقاد جلسة غير عادية للمجلس الوطني، بإعادة هندسة المنظمة بحسب رؤية عباس، وتعميق الانقسام عبر عدم مشاركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وتفتيت اليسار الفلسطيني عبر إقصاء جزء منه واسترضاء جزء آخر، معتبرين أنّ هذه الأمور ستفضي حتماً إلى نزع الشرعية عن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، لأنها ستكون تحت مظلّة وقرار حزب واحد وهو حركة "فتح"، ما سيفقدها الشرعية أمام أصدقائها قبل أعدائها.

وفي حين علّقت حركة "حماس" على موجة الاستقالات، من خلال المتحدث باسم "الحركة"، سامي أبو زهري، أمس الأحد، معتبراً أنّ دعوة المجلس الوطني وإعادة تشكيل اللجنة التنفيذية بهذه الطريقة دليل على استمرار حالة التفرد والتنكر للتوافق، ومشيراً إلى عدم وجود أي نوايا حقيقية لتحقيق المصالحة"، التزم أعضاء اليسار في اللجنة التنفيذية الصمت، من دون صدور أي بيان رسمي عنهم حتى الآن.

من جهته، يقول المحلل السياسي، هاني المصري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عباس يريد خروجاً آمناً، ويريد ترتيب المنظمة قبل أن يغادر، وكان الأجدر به أن يدعو إلى دورة توحيدية للمجلس الوطني، حتى يسجّل التاريخ أنّه وحّد الفلسطينيين واستقال، لكنّه بعقده دورة غير عادية يعمّق الانقسام أكثر وأكثر".

اقرأ أيضاً: عباس يستقيل "تكتيكياً" من "تنفيذية المنظمة" لإعادة تشكيلها

ومن المخاطر الأخرى التي تترتب على عقد جلسة استثنائية أنّ مثل هذه الجلسة لن تناقش الوضع السياسي ولن تستطيع تغيير البرنامج السياسي، أو دعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى عرض تقرير لمعرفة إيجابيات وسلبيات ما قامت به في العقدين الماضيين، بحسب المصري. ويؤكد أنّ "جلسة غير عادية تعني أنها لن تستطيع تغيير البرنامج السياسي، وبدل أن تكون هذه الجلسة لوضع خطط للتخلص من الأزمات السياسية ووضع حلول لها، ستكون جلسة لتخليص حسابات وإقصاء شخصيات لدواعي مصلحة شخصية وليست عامة".

في المقابل، يتوافق كل من عضو اللجنة التنفيذية، غسان الشكعة، والأمين العام للمبادرة الوطنية، مصطفى البرغوثي، في حديث إلى "العربي الجديد"، على اعتبار أن الهدف من الدعوة إلى دورة استثنائية يكمن في "مواجهة التحديات الكبيرة، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي التي تتطلب تنفيذ بعض قرارات تحديات جدية ووجود لجنة تنفيذية قوية".

وفيما يحتدم الجدل القانوني حول الاستقالات التكتيكية لشلّ اللجنة التنفيذية، يحرص خبراء القانون على توضيح ما يجري، على الرغم من إدراكهم أنّ القرار سياسي، وأن هناك طاقماً قانونياً سيخرج في أي لحظة بتبرير قانوني بأمر من الرئيس لتسويغ الاستقالات. ويقول وزير العدل الأسبق، رئيس لجنة صياغة الدستور الفلسطيني، أحمد الخالدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاستقالات تبدو غير قانونية. عادة عندما يستقيل المرء لا يفعل ذلك لإعادة انتخابه"، موضحاً أنّنا "أمام استقالات مرسومة مدبّرة لإعادة انتخابهم كأعضاء لجنة تنفيذية جديدة، وللتحايل على عقد دورة للمجلس الوطني".

ويلفت إلى أنّ "الاستقالات لم تُؤكّد بعد، ويريدون التأكد أن رئيس المجلس الوطني، سليم الزعنون، سيدعو المجلس إلى دورة استثنائية. وحتى الآن، لم يصدر عن الزعنون أي شيء بالإيجاب أو النفي، ما يجعل هذه الاستقالات معلّقة، وهي في خانة مشروع استقالة وليست استقالة جدية، معتبراً أنّها "تأتي لجعل المجلس ينعقد، ومن باب المبررات أن هذه الحالة قاهرة، وفي حال وافق الزعنون عليها سيدعو إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني".

ويرى سياسيون أنّه نظراً لأن الدعوة إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني تأتي لإعادة هندسة اللجنة التنفيذية بحسب ما يريد عباس، ولحلّ أزمته الفتحاوية، فإنّ هناك العديد من الحلول السياسية والقانونية، إلّا في حال تم تصميم تبرير قانوني لعقده يعتمد على نص فضفاض أو تفسير يلوي عنق القانون.

وفي السياق، يرى الخالدي "أنّ من حق أعضاء المجلس الوطني وأمناء وأعضاء الفصائل وأعضاء اللجنة التنفيذية اللجوء إلى الطعن أمام المجلس الوطني في صحة انعقاده بشكل استثنائي"، موضحاً أن الطعن يقتصر على الأعضاء، أي أنّ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لن يستطيعا ذلك.

وفي هذا السياق، اعتبر القيادي في حركة "حماس" في الضفة الغربية، حسن يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أمس الأحد، أنّ "ما تم من استقالات يوم السبت، بمثابة انقلاب على مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية"، مؤكداً أنّ "المدخل الصحيح لتصويب الوضع الفلسطيني هو عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يجمع كل القوى الفلسطينية بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي". ويشدّد يوسف على أنّه "حين لا تشارك حماس في المجلس الوطني، فهي غير معنية بنتائج تتمخّض عنه، ومن يتحمل المسؤولية عن ذلك ليست حماس، وإنما الرئاسة وفتح والسلطة"، داعياً إلى تنفيذ بنود اتفاق الشاطئ حزمة واحدة.

اقرأ أيضاً "حماس": ندرس خياراتنا لمواجهة سياسة التفرد من قبل السلطة

وبعيداً عن الحلول القانونية التي لم يعتد عليها النظام السياسي الفلسطيني، هناك حلول أخرى تتمثل بسحب النصاب السياسي من الدورة. وفي السياق، يرى المصري أنّه "إذا أعلنت فصائل الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب و"فدا"، عدم مشاركتها في الدورة الاستثنائية، فضلاً عن مقاطعة حماس والجهاد الإسلامي، فهذا من شأنه أن يضع الداعي إلى هذه الدورة في عزلة سياسية، وسيرغمه على العودة وبذل الجهود لعقد دورة عادية، أو في حال رفض رئيس المجلس الوطني عقد هذه الدورة".

لكن اليسار الذي يعوّل عليه الكثيرون للخروج من هيمنة عباس على اللجنة التنفيذية للمنظمة، كان ضعيفاً وبات أكثر ضعفاً وتفتيتاً، لا سيما أن حزب الشعب شارك في الاستقالات عبر تقديم حنا عميرة استقالته. ومن غير المتوقع أن يأخذ عميرة موقفاً جذرياً عبر رفع النصاب السياسي عن الدورة ووضع "فتح" في الزاوية. وتقول مصادر في "الجبهة الشعبية"، طلبت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حزب الشعب فتّت موقف اليسار بقبوله تقديم الاستقالة انصياعاً لأمر عباس".

ويرجّح عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية"، جميل مزهر لـ"العربي الجديد"، "عدم مشاركة الجبهة الشعبية في اجتماع المجلس الوطني، والقرار النهائي سيخرج قريباً لأنه قيد البحث، والعمل جارٍ على تشكيل ائتلاف من فصائل الشعبية والديمقراطية وفدا لمقاطعة المجلس الوطني".

وفيما يؤكد عضو المكتب السياسي لـ"حزب الشعب"، سهيل السلمان، تقديم عميرة استقالته، مساء السبت، يشدد على أنّ "عدم التطابق وتقديم الاستقالة لا يعني أنّ حزب الشعب فتّت اليسار، لأن هدف الاستقالة يكمن في الضغط لعقد دورة عادية وليس استثنائية". ويرجّح السلمان لـ"العربي الجديد"، "عدم مشاركة حزب الشعب في الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني، إلّا إذا استنفدت كل الجهود لعقد دورة عادية وفشلت هذه الجهود".

أما الجبهة الديمقراطية، فتؤكد، على لسان عضو المكتب السياسي، محمد سلامة لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحديث عن تقديم طعن أو رفع النصاب سابق لأوانه، وأن الجبهة تعكف حالياً على نقاش داخلي وحوار مع عدد من القوى والفصائل لبناء موقف واضح معها".

اقرأ أيضاً: عباس يسعى لاستثنائية "مجلس وطني" يقصي فيها ياسر وتيسير

المساهمون