قانون الإرهاب المصري... إعلان غير رسمي للطوارئ

قانون الإرهاب المصري... إعلان غير رسمي للطوارئ

17 اغسطس 2015
تجاهلت الحكومة بيانات المنظمات الحقوقية المعارضة للقانون(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

انتصر الجناح المتشدد من نظام عبدالفتاح السيسي في مصر، على مروجي التهدئة والمصالحة المجتمعية، بعد إصدار قانون مكافحة الإرهاب الذي تضمن للمرة الأولى إجراءات شرطية وقضائية وعقابية غير مسبوقة بحجة تجفيف منابع الإرهاب والسيطرة على تمويله. ويتيح القانون إحكام القبضة الأمنية على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح الآن من الوارد والجائز قانوناً إصدار قرارات بحجبها بحجة المشاركة في "الترويج للعمليات الإرهابية".

ونجحت مساعي الفريق الذي يتزعمه وزير العدل أحمد الزند، في تمرير المادة التي أثارت غضب الصحافيين المصريين بنجاح لم يكن الزند نفسه يتوقعه. فبينما انصبت معارضة الصحافيين على توقيع عقوبة الحبس القصير الأجل لكل صحافي أو مواطن نشر بأية وسيلة معلومات أو بيانات متناقضة مع ما تنشره جهات الدولة الرسمية حول العمليات الإرهابية، جاء النص الجديد ليصبح على الصحافي المدان بهذه التهمة سداد مبلغ مالي ضخم بين 200 ألف جنيه ونصف مليون جنيه، بالإضافة إلى احتمال وقفه عن العمل لمدة سنة، واشتراك الصحيفة أو القناة ورئيسها الفعلي في الجريمة والعقوبة التي ستقررها المحكمة.

اقرأ أيضاً:  السياسة التركية ثابتة تجاه مصر والانقلاب

وبحسب القانون الجديد، فإن الرئيس الذي لا يمكنه إعلان حالة الطوارئ بموجب الدستور لأكثر من 3 أشهر ويكون ملزماً بأخذ موافقة ثلثي أعضاء البرلمان بعدها لمد الحالة فترة أخرى، يمكنه الآن وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب، تطبيق حالة طوارئ غير معلنة لمدة 6 أشهر في غياب البرلمان، الذي لم يتحدد حتى الآن موعد انتخابه أو حتى فتح باب الترشح له.

وعمد السيسي إلى إصدار هذا القانون المعيب دستورياً، والذي يمسّ بدقائق حريات المواطنين، على الرغم من أن سلفه المؤقت عدلي منصور تخوف من إصداره في عهده، فوجه في مارس/ آذار 2014 بطرحه على النقاش المجتمعي، وهو ما لم يحدث أبداً. كما تجاهلت الحكومة بيانات المنظمات الحقوقية المعارضة للقانون والتي اعتبرته إعلاناً غير رسمي لحالة الطوارئ في البلاد، وتحكماً صريحاً في وسائل الإعلام وعصفاً بحريتها في تداول المعلومات، ولا سيما مع استخدام صياغات مطاطية تخلط بين نشر الأخبار والمعلومات والترويج والتخطيط والحثّ على ارتكاب الأعمال الإرهابية. وهو ما يوسع رقعة تحرك الشرطة ضد المعارضين بخاصة التيارات الإسلامية والثورية الأخرى، تحت ستار القضاء على العمليات الإرهابية وتمويلها والضربات الاستباقية للجماعات.

وعلى الرغم من وجود نصوص صريحة لشرح وتجريم الأعمال الإرهابية في قانون العقوبات، فإن السيسي أصرّ على إصدار القانون الجديد لتتكامل العقوبات المشددة الواردة فيه، والتي توقع الإعدام على جميع خطوات ارتكاب الجريمة والتحضير لها، مع نظام جمع الاستدلالات والتقاضي الاستثنائي المقرر في هذا القانون.

غير أن السيسي لم يستطع أن يضرب بعرض الحائط اعتراضات مجلس القضاء الأعلى على المشروع المبدئي لهذا القانون، فتراجع عن اختصار فترة الطعن أمام محكمة النقض على أحكام الجنايات في قضايا الإرهاب. كذلك ألغى فكرة تصدي محكمة النقض مباشرة للقضية إذا قبلت الطعن فيها، وأبقى الوضع الحالي الذي تعيد فيه محكمة النقض القضية إلى دائرة أخرى بمحكمة الجنايات غير التي أصدرت حكم أول درجة.

وهذه الفروق في التعامل مع اعتراضات الصحافيين ومآخذ القضاة تكشف استهانة النظام بالإعلاميين الذين ينتمون لدولة 3 يوليو/ تموز 2013 على الرغم من الدور الذي أدوه في الترويج لنظام السيسي، في مقابل الحاجة لتهدئة القضاة وعدم استعدائهم قبل إجراء الانتخابات البرلمانية التي سيتولون الإشراف عليها.

ويأتي إصدار هذا القانون المشدد في هذا التوقيت اتساقاً مع سياسة النظام في توجيه الضربات الاستباقية للجماعات الإسلامية والقوى الثورية، والميل إلى أسلوب التصفية والضرب بشكل مباشر على طريقة وزير الداخلية الأسبق، زكي بدر، بدلاً من شغل الرأي العام بقضايا ومحاكمات تعطل النظام وتدخله في معارك داخلية وإقليمية وتكلفه مبالغ طائلة في عمليات التأمين والمتابعة.

وقالت مصادر حكومية إن السيسي أبقى مشروع القانون في مكتبه لمدة شهر تقريباً، ولم يرغب في إصداره قبل زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة إلى القاهرة، حتى لا يتحول إلى نقطة لإثارة الجدل والخلافات خلال لقائهما الثنائي. وأشارت المصادر نفسها إلى أن السيسي مطمئن لتأييد دول مثل روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا لإصدار هذا القانون في إطار ترويج صورة مصر حالياً "كحائط صدّ أمام القوى الإرهابية في سيناء وليبيا"، وعلى أنها المعاون الأبرز لدول أوروبا ضد تدفق الهجرة غير الشرعية، التي تعد حكومة السيسي قانوناً لتنظيم تعقبها أيضاً.

وتوقعت المصادر أن تقتصر معارضة هذا القانون على المنظمات الحقوقية والتيارات الإسلامية واليسارية فقط، من دون الأحزاب الرسمية المعترفة بشرعية 3 يوليو/ تموز 2013، وذلك خوفاً من تصنيف أي معارض كمساند للإرهاب.

ورجحت المصادر أيضاً أنّ تبدأ الدوائر الجديدة التي يخصصها القانون لنظر القضايا الخاصة بالإرهاب، عملها ابتداءً من الأسبوع المقبل، وأن تعلن جهة أمنية عن ضبط مجموعة أو أكثر من المقبوض عليهم تطبق عليها قانون الإرهاب الجديد خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ليكون إعلاناً رسمياً من الدولة ببدء تطبيق القانون، الذي لن يسري على القضايا المتهم فيها قياديي جماعة الإخوان المسلمين المحبوسين حالياً.

اقرأ أيضاً: قانون السيسي للإرهاب: الإعدام و"الإبعاد" والعودة لـ "الطوارئ"