التحفظ على أموال "إخوان" مصر: مكاسب لا تراعي القانون

التحفظ على أموال "إخوان" مصر: مكاسب لا تراعي القانون

19 يناير 2017
القضاء يعتبر قرارات لجنة أموال "الإخوان" قرارات إدارية(أحمد رمضان/الأناضول)
+ الخط -
شهدت الأيام الأخيرة محاولات حثيثة من النظام المصري لمنع إصدار أي حكم من المحكمة الدستورية العليا لصالح المواطنين الذين جرى التحفظ على أموالهم بقرارات من لجنة إدارة أموال جماعة "الإخوان المسلمين" والمنتمين لها. بلغت هذه المحاولات حد استصدار حكم سري في ظروف غامضة من دون إبلاغ ذوي الشأن بإدراج نحو 1500 شخص ممن تم التحفظ على أموالهم على قائمة الإرهابيين المنصوص عليها في قانون الكيانات الإرهابية، رقم 8 لسنة 2015، بالمخالفة لنصوص هذا القانون ذاته، وبدون إجراء تحقيقات مع أي منهم في أي واقعة. وكان النظام يتوقع أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكماً يوم السبت الماضي، في 3 دعاوى تنظرها حالياً لفض التنازع بين أحكام القضاء الإداري ببطلان التحفظ على أموال المواطنين، بحجة انتمائهم لجماعة "الإخوان"، وبين أحكام محكمة الأمور المستعجلة. وكانت هيئة مفوضي المحكمة الدستورية قد أوصت ببطلان أحكام الأمور المستعجلة وبالاستمرار في تنفيذ أحكام القضاء الإداري، واعتبار القرارات الصادرة من لجنة أموال "الإخوان" قرارات إدارية يمكن الطعن بها أمام مجلس الدولة، وليس قرارات قضائية.

وللالتفاف على أي حكم محتمل من المحكمة الدستورية، اتخذ البنك المركزي المصري قراراً مفاجئاً بالتنازل عن دعوى التنازع التي كان قد أقامها، وهي واحدة من الدعاوى الثلاث المذكورة سلفاً، على الرغم من صدور تقرير المفوضين الخاص بها. وأدى ذلك إلى كف يد المحكمة الدستورية عن الدعوى الخاصة به، وبالتالي لن تستطيع هذه المحكمة الفصل في موضوعها، وسيصدر الحكم فيها بإثبات ترك البنك المركزي للخصومة.

وقال مصدر مصرفي لـ"العربي الجديد" مساء السبت الماضي، إن "القرار صدر بناء على تعليمات عليا من الدائرة الاستخباراتية-الرقابية الخاصة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، لقطع الطريق أمام إصدار حكم لصالح الأشخاص المجمدة أموالهم"، أخذاً بالاعتبار أن البنك المركزي هو المعني الأول بتنفيذ هذه الأحكام لأنه القائم على عمليات تجميد الأموال والإفراج عنها. أما الدعويان الأخريان المقامتان من مواطنين تم التحفظ على أموالهما بزعم انتمائهما لجماعة "الإخوان"، فقد اتخذت المحكمة الدستورية قراراً مفاجئاً أيضاً بإعادتهما لهيئة مفوضي المحكمة لاستيفاء المستندات الخاصة بهما. وهذا الأمر سيمنع إصدار أحكام بشأنهما لثلاثة أشهر على الأقل، بحسب محامين متابعين للقضية، مما قد يمكن الحكومة من إيجاد وسائل أخرى للالتفاف على أي حكم محتمل لصالح الأشخاص المتحفظ على أموالهم.


وذكر مصدر في وزارة العدل التي تتبعها لجنة "أموال الإخوان" أن "هناك قراراً سياسياً بعدم الإفراج عن الأموال التي تم التحفظ عليها أياً كانت النتائج، وباستمرار وضع يد الدولة على المدارس والمصانع والمستشفيات والمتاجر التي تم التحفظ عليها وإسناد إدارتها لشركات حكومية أو لوزارات، مع استمرار التحفظ على الأموال السائلة بالبنوك أيضاً، مما يتطلب عدم تنفيذ أي حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري لصالح الأشخاص المتحفظ على أموالهم"، وفق المصدر. وأوضح أنه بناءً على هذا القرار فإن "لجنة أموال الإخوان اصطنعت بلاغاً عاماً" ضد جميع المواطنين الذين تحفظت على أموالهم منذ يناير/كانون الثاني 2014، وقدمته لنيابة أمن الدولة العليا للتحقيق فيه، وليكون سنداً مستقبلياً لاتخاذ قرارات ضدهم في حال صدور أحكام نهائية وباتة ببطلان التحفظ، مشيراً إلى أنه على أساس هذا البلاغ، طلبت النيابة من محكمة جنايات القاهرة إدراج جميع المتحفظ على أموالهم، على قائمة الإرهابيين المنصوص عليها في قانون الكيانات الإرهابية، بحسب تأكيد المصدر. وأضاف المصدر نفسه أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة التحفظ على أموالهم، لأن القانون يشترط إثبات أن تكون هذه الأموال قد استخدمت لتنفيذ أغراض إرهابية، وهو ما لم يتم إثباته، لأن النيابة لم تتمكن من أن تنسب وقائع إرهاب أو دعم للإرهاب لأكثر من 1500 شخص تم التحفظ على أموالهم بقرارات أمنية منذ تم تأسيس اللجنة. ولفت إلى أن "خطورة الوضع الحالي تتمثل في أن الدولة لم تعد تريد الإفراج عن الأموال والمصالح التي تحفظت عليها بسبب ضعف الموارد الاقتصادية للدولة، وتحقيقها مكاسب من هذه الأموال، وهو ما يهدد بأزمة قانونية، لأن القواعد القانونية الأصلية في القانون المدني "تقتضي أن ترد الدولة الأموال للشخص الذي تحفظت عليه بعد انتهاء مدة التحفظ مطهرة من الديون ومصحوبة بالأرباح المحققة"، وفق قوله.

وأوضح المصدر أن "المعلومات المتوافرة تؤكد أن رؤوس المال التي تم التحفظ عليها بعضها حقق أرباحاً لا تريد الدولة التخلي عنها، والبعض الآخر حقق خسائر فادحة، مما قد يفتح الباب إلى لجوء الأشخاص لمقاضاة الحكومة مرة أخرى للحصول على تعويضات مالية ضخمة نتيجة ما حل بأموالهم من خسائر، فضلاً عن التحفظ عليها بصورة غير شرعية، بحسب ما تصفها أحكام القضاء الإداري"، كما أفاد المصدر.

وفي السياق ذاته، كشف مصدر في مجلس الوزراء المصري، أن لجنة قانونية من وزارتي العدل والمالية تعكف على إعداد مشروع قانون جديد لتحصين تصرفات الحكومة في الأموال المتحفظ عليها، وحمايتها من أحكام البطلان. وأضاف أن ذلك يأتي بعدما رفض مجلس الدولة ثم مجلس النواب مشروع القانون الذي أعدته وزارة العدل في سبتمبر/أيلول الماضي لتحويل لجنة الأموال القائمة حالياً إلى لجنة قضائية وإبعاد مجلس الدولة عن الرقابة عليها وإسنادها لمحكمة الأمور المستعجلة المعروفة بأحكامها المساندة للحكومة.

وبيّن المصدر أن الحكومة ترغب في إقرار هذا المشروع بسرعة قبل أن تصدر المحكمة الدستورية أي حكم في القضية، وكذلك قبل أن تتعرض محكمة النقض لمسألة إدراج المواطنين المتحفظ على أموالهم في قائمة الإرهابيين، نظراً لارتفاع احتمالات صدور هذه الأحكام ضد الحكومة، مما قد يكلفها غالياً عند إعادة الأموال والممتلكات لأصحابها أو تعويضهم عما لحقهم من أضرار، على حد تأكيده.