جدال الاتفاق النووي يشتدّ سخونة بالداخل الإيراني

جدال الاتفاق النووي يشتدّ سخونة بالداخل الإيراني

17 اغسطس 2015
أثناء زيارة ظريف الأخيرة إلى نيودلهي (getty)
+ الخط -
ما إن هدأت موجة التفاؤل التي أعقبت الإعلان عن التوصل لاتفاق نووي بين إيران ومجموعة دول 5+1 في الداخل الإيراني، حتى أصبح السياسيون في البلاد على مختلف انتماءاتهم ينظرون بواقعية أكبر لتفاصيل هذا الاتفاق؛ ففي الوقت الذي اعتبره البعض انتصاراً للدبلوماسية الإيرانية كون البلاد نالت اعترافاً دولياً بحقوقها النووية السلمية، رأى آخرون في القيود التي فرضت على إيران تنازلاً ورضوخاً للرغبة الغربية، التي تمكنت من كبح النشاط النووي الإيراني لسنوات عدّة قادمة. 

وفي وقت يرتقب فيه تمرير نص الاتفاق على اللجنة العليا للأمن القومي، يتعرض لانتقادات شديدة من قبل بعض المحافظين، وتحديداً من قبل مجلس الشورى الإسلامي، مع أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي كان واضحاً بدعم الوفد المفاوض، رغم تشكيكه بصدق الطرف الأميركي. وقرأ رئيس تحرير صحيفة "كيهان" الإيرانية، حسين شريعتمداري، المعارض لبنود الاتفاق، موقف المرشد بأنه عدم رضا، وكتب في افتتاحية صحيفته يوم السبت، بأن خامنئي يعرف أن لهذا الاتفاق نتائج وعقبات مفجعة، مضيفاً أنه "يستطيع القول وبكل جرأة إن المرشد غير راضٍ عن هذا الاتفاق".


اقرأ أيضاً: نص الاتفاق النووي أمام برلمان إيران "المتوجس"

واعتبر أنه يتعيّن على المسؤولين عن هذا الاتفاق تفحّصه بدقة، كما عليهم عدم الموافقة على أي بند وعدم تمرير أي نقطة إذا ما تعارضا مع النظام في إيران، حسب تعبيره. غير أنّ رأي شريعتمداري لا يلغي ثناء المرشد مراراً على جهود الوفد المفاوض. لكن في المقابل، فإنّ كلماته الجريئة هذه تشير إلى أن الاختلاف حول الاتفاق في الداخل بات أكثر حدة. مع العلم أن شريعتمداري ينتمي للدائرة المتشددة، ومن أشدّ منتقدي حكومة الاعتدال برئاسة حسن روحاني، ولطالما انتقد مسار المفاوضات النووية.
من جهة ثانية، رفض آخرون اعتبار ما قاله شريعتمداري بأنه يمثل المرشد. وقال رئيس تحرير صحيفة "آرمان" الإصلاحية، حسين عبد اللهي، إن ما جاء في افتتاحية الرجل وجهة نظر شخصية تحمل بين طياتها أهدافاً سياسية، مضيفاً أنه لا يمكن اعتبار هذه الآراء موقفاً رسمياً ما لم تصدر عن المرشد نفسه أو ما لم يؤيدها مكتبه الرسمي. ورأى عبد اللهي في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصريحات شريعتمداري سياسية بحتة، ولم تصدر لقلقه على البلاد، مشيراً إلى أن المرشد شكر الوفد المفاوض، وكان مطلعاً على تفاصيل المفاوضات، وتحدث علانية في صلاة عيد الفطر الماضي، أي بعد التوصل للاتفاق النووي، عن أن هذا الاتفاق لن يغيّر قواعد إيران الرئيسية، في إشارة منه إلى رفض توطيد العلاقات الثنائية مع أميركا أو الحوار معها حول قضايا غير نووية.

وذكر عبد اللهي أن الحكومة ووزير خارجيتها ورؤساء السلطات الثلاث، فضلاً عن أعضاء اللجنة العليا للأمن القومي، أشادوا بالاتفاق وبجهود الوفد المفاوض، قائلاً إن الانتقاد والخلاف طبيعي، ولكن يجب أن يساعد هذا بتوضيح البنود غير الدقيقة في الاتفاق، لا أن تتحول الانتقادات بالمقابل لخلافات واضحة تستغلها الأطراف المقابلة لطهران مستقبلاً كي تخلَّ بتعهداتها بموجب الاتفاق نفسه.

ولا يعتبر الاتفاق النووي معاهدة دولية يجب أن تمرر عبر البرلمان، وفق الدستور الإيراني، وبالتالي لا يحق للنواب المحافظين بغالبيتهم صدّ هذا الاتفاق. ما يعني أن الانتقادات لنص الاتفاق لن تعني القدرة على الضغط لرفضه برلمانياً، ولكن تبقى وظيفة البرلمان هي مراقبة التنفيذ والتدقيق في التقارير الحكومية التي ستقدم للنواب مرة كل ثلاثة أشهر بموجب قانون "حفظ المنجزات النووية".

اقرأ أيضاً: طلاب إيرانيون يدعون إلى التدقيق في "الاتفاق النووي"

يقول النائب في البرلمان إيرج عبدي، خلال كلمة علنية ألقاها أمام النواب يوم الأحد، إن عدم تمرير الاتفاق برلمانياً لا يخالف الدستور، مضيفاً أن المرشد هو من رفع شعار "ليونة الشجعان"، ما يعني أن الدبلوماسية وتغيير المواقف في بعض القضايا أمر مقبول، فضلاً عن أنه طرح شعار ضرورة تحقيق الوحدة الداخلية. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) عن عبدي قوله بأن خامنئي هو من وصف الوفد المفاوض بالأمين، بالتالي لا يحق لأحد تخوين أعضائه. وأضاف أنه يجب ألا يصر البعض على استبدال النقد البنّاء بالعداوة والتخريب، وإلا سيصبح من داعمي وجهة نظر "المحتل الصهيوني".
وفي ظل التباين الداخلي حول الاتفاق، يعمل نواب البرلمان على تشكيل لجنة مراقبة الاتفاق، وهي اللجنة التي تتكوّن من 15 عضواً، خمسة منهم من جبهة أتباع الولاية وخمسة من جبهة الأصوليين والخمسة المتبقين يختارهم أعضاء هاتين الجبهتين بالتوافق، لتعرض الأسماء على تصويت بقية النواب. ولما كانت هذه اللجنة محافظة بالكامل، بحكم سيطرة أبناء هذا التيار على المجلس، فمن المتوقع أن يتعرّض المفاوضون النوويون لرقابة شديدة على تطبيق الاتفاق. لكن يستبعد أن يتحول هذا الانتقاد لحجر عثرة يعطل عملية تشريع الاتفاق.