تونس.. مشهد جديد يتشكّل على وقع "الطوارئ"

تونس.. مشهد جديد يتشكّل على وقع "الطوارئ"

10 يوليو 2015
فرضت السلطة حالة الطوارئ بعد اعتداء سوسة (ياسين الجعايدي/الأناضول)
+ الخط -
تُشير مختلف المعطيات إلى بدء مرحلة جديدة من التغييرات التي تُعدّ "جوهرية" في المشهد التونسي، سياسياً واجتماعياً وأمنياً، ستكون كفيلة برسم معادلات جديدة. وفي وقتٍ كان يعتقد فيه التونسيون أن اعتداء باردو في 18 مارس/آذار الماضي، الذي أحدث دوياً دولياً سيؤرخ لتونس، باعتباره نقطة تحوّل جوهرية، جاء اعتداء سوسة في 26 يونيو/حزيران الماضي، ليُشكّل نقطة التحوّل الحقيقية على أكثر من صعيد، ويفرز مشهداً جديداً في الحكم والمعارضة.

وعلى الرغم من فداحة ما حصل في باردو، وسقوط ضحايا من جنسيات عدة، وما تلاها من تضامن دولي مع تونس، فإن اعتداء سوسة كان موجعاً أكثر لناحية ظهور الخوف المكتوم إلى العلن بين التونسيين، الذين كانوا يَرَوْن في الأحداث الإرهابية محطات بعيدة وعرضية وعابرة، سيتمّ القضاء عليها بشكل أو بآخر.

غير أن سوسة غيّرت المفاهيم بشكل جوهري، وبات المواطنون مسكونين بهواجس الاعتداءات المقبلة، رغم الإصرار الظاهري على المحافظة على نمط حياتهم اليومي. لكن الكثير من التونسيين يتحدثون اليوم عن "دخول الإرهاب إلى المدينة واقترابه من فضاءات حياتهم اليومية". ولعلّ سهولة عملية القتل التي تمت في سوسة، كانت سبباً جوهرياً في هذا التحوّل، وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة نفسه، الحبيب الصيد، حين قال بكل وضوح إن "على التونسيين الاستفاقة فهذه الحرب ليست حرب الجيش والشرطة وحدهما".

وبموازاة التغييرات الاجتماعية، بدأت تتضح ملامح التغيير الأمني أيضاً، من خلال تشديد الإجراءات وتكثيف عمليات الاعتقال وتتبّع المشتبه فيهم، وإغلاق المساجد الخارجة عن السيطرة، وحلّ جمعيات وإبعاد أئمة، وملاحقة الصفحات والمواقع المشبوهة، ودعوة احتياطيي الجيش، وبناء جدار على الحدود مع ليبيا على امتداد 168 كيلومتراً.

مع العلم أنه ربما قد تكون هناك إجراءات منتظرة أكثر صرامة في الأيام المقبلة، بالإضافة إلى محاولة ترميم البيت الأمني الداخلي وتعديل إستراتيجية التواصل الأمني، وتكثيف الحضور الأمني البارز في كل المدن، ورصد ميزانيات تكميلية للشرطة والجيش وتوفير العتاد اللازم بأقصى سرعة وجعله من أولويات الحكومة، وفرض حالة الطوارئ لنحو شهر، وفكّ الاعتصامات وإيقاف الإضرابات. وتعكس كل هذه الإجراءات تغيّراً سياسياً ملحوظاً من جانب الفريق الحاكم، يقابله بداية تشكل جبهة معارضة جديدة، تتباين بينهما الأهداف بشكل واضح. ويرى الفريق الحاكم أن "تونس مقبلة على خطر داهم سينسف التجربة التونسية برمتها، ويُشكّل تهديداً كبيراً للدولة ومؤسساتها واستقرارها الهشّ".

ويعتبر أنه "بناء عليه لا بدّ من إعادة ترتيب الأولويات، واستعادة قبضة الدولة القوية، ووضع حدٍّ لحالة التراخي والتسامح وانتظار أن تحلّ المشاكل تلقائياً مع مرور الوقت وارتفاع صوت المعارضة، وتعطّل مشاريعها بسبب تنامي الإضرابات".

اقرأ أيضاً: هجرة جماعية "جهادية" من رمادة التونسية

من جهتها، تعتبر المعارضة أن الفريق الحاكم يريد أن يضربها في الصميم من خلال رفض الإضرابات التي ترى فيها حقاً مشروعاً، والحدّ من الحريات عبر إعلان حالة الطوارئ، التي تعني كتم أنفاس معارضة لا صوت لها داخل مجلس النواب ولا تأثير لها في اتخاذ القرارات الهامة. وهو ما سيقود بالتالي إلى قتلها، عبر إقفال كل المسالك من أمامها، ما سيقود إلى تفرّد الائتلاف الحاكم.

وسيُساهم كل هذا في استيلاد وضع سياسي غير متوازن، مُشكّلاً مشهداً جديداً يعكس تخوفاً من حالة استبداد جديدة وإن كانت ديمقراطية، وربما يقود ذلك إلى خنق الحريات والتراجع عن الحقوق التي اكتسبها التونسيون بعد الثورة (2010). وهو ما تخوّفت منه الأحزاب المعارضة واتحاد الشغل وشخصيات سياسية عدة، ترى في الإجراءات الأخيرة للحكومة والرئاسة محاولة للتغطية على فشلها وهجانة ائتلافها السياسي، وهروباً إلى الأمام.

وفي ظلّ تباين الأهداف واختلاف تقييم الحالة التونسية من كل الأطراف، تُنبئ كل المعطيات أن صراعاً جديداً بدأ يظهر، مع شحذ كل فريق أسلحته استعداداً له. كما شرعت المعارضة في اختبار أحزاب الحكم من خلال بيانات قوية وتصريحات نارية، ستليها بالتأكيد اختبارات أخرى في الأيام المقبلة، كالإضرابات.

كذلك ستعمل الحكومة ومن ورائها أحزابها الداعمة، على اختبار صلابة المعارضة في الصمود أمام القانون، وستضعها في مواجهة حالة الخوف من تهديدات مسلّحة، عبر تحميلها المسؤولية أمام التونسيين، الذين تشير كل الاستطلاعات، إلى أن أولويتهم القصوى تتجلّى في "الأمن ومقاومة الاٍرهاب"، وأن نسبة كبيرة منهم يمنحون ثقتهم للمؤسستين العسكرية والأمنية.

اقرأ أيضاً: جبهة تونسية نقابية حزبية لمعارضة الطوارئ

المساهمون