تحديات آباء النصر في عدن

تحديات آباء النصر في عدن

21 يوليو 2015
أدوار تكاملية بين "المقاومة" والشرعية والتحالف في عدن(فرانس برس)
+ الخط -
يفرض انتصار عدن وعودة ممثلي المؤسسات الشرعية للعمل من داخل البلاد تحديات عدة، وخصوصاً على الحكومة، بينها الوضع الإنساني والأمني والخدمي والسياسي والعسكري. لكن التحدي الأبرز هو التعاطي مع مطالب الجنوبيين بالانفصال، وخصوصاً بعد أن شهدت الأيام الماضية التي أعقبت تقدم "المقاومة الشعبية الجنوبية" والجيش الموالي للشرعية في عدن، تحركات من أطراف فاعلة في الحراك الجنوبي، التيار الأبرز المنادي بفك الارتباك بين الشمال والجنوب، تهدف لإعادة مطلب الانفصال إلى الواجهة، وسط تباين في الشارع الجنوبي حول طرح الأمر في الوقت الراهن.
ويعتبر البعض أن هذه التحركات "مغامرة خطرة" قد تطيح بما حققته "المقاومة الجنوبية" طوال الفترة الماضية، في ظل عدم وجود رؤية واضحة وحاسمة لسير الأوضاع، فضلاً عن عدم تأمين الوضع العسكري بشكل كامل بعد في عدن وجوارها. ويضاف إلى ذلك محاولات مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع العودة والانتقام من المدنيين بشكل خاص، على غرار ما فعلته يوم الأحد الماضي، عندما أدى قصفها على منطقة دار سعد القريبة من مدينة عدن الساحلية إلى مقتل نحو 100 شخص، بينهم 80 مدنياً، فضلاً عن جرح 200، بحسب ما صرح رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن حسن بوسنين. وهو ما أكدته أيضاً مصادر متعددة لـ "العربي الجديد".

اقرأ أيضاً تحرير عدن: فصول من اجتياح المليشيات وانتفاضة "المقاومة" والجيش

وكان تحرير عدن من مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع قد أعاد موضوع الانفصال إلى الواجهة، ولا سيما بعد أن تحولت عدن مجدداً إلى مقر وعاصمة مؤقتة لمسؤولي الشرعية الذين عاد بعضهم في الأيام الماضية إليها، للإشراف بشكل مباشر على إدارة مؤسسات الدولة، وتحرير باقي المناطق في البلاد انطلاقاً منها. الأمر الذي أزعج بعض الأطراف المنادية بالانفصال، معتبرين أن من حرر عدن هم الجنوبيون.
وهو ما انعكس في بدء حملة هجوم على الحكومة الشرعية التي كانت قد سارعت إلى الإعلان عن تحرير عدن. وتضمنت الحملة دعوات من قبل أطراف من الحراك الجنوبي إلى منع دخول مسؤولي الحكومة الشرعية إلى عدن، فيما طالب البعض بمنع أي مسؤول من الحكومة ينتمي إلى الشمال من التواجد في المدينة، فضلاً عن دعوات لـ "المقاومة الجنوبية" بفرض سيطرتها وإعلان الانفصال، وهي دعوات شعبية.
كما أنّ البعض طالب دول التحالف بدعم الانفصال، وهو أمر تؤكد مصادر سياسية يمنية لـ "العربي الجديد" أنه "أزعج دول التحالف واعتبره مقربون من حكومات هذه الدول رد جميل سيئ، وعرقلة للأهداف التي انطلقت من أجلها عاصفة الحزم، ثم إعادة الأمل على اعتبار أن التحالف في الأصل انطلق من أجل الأوضاع في اليمن ككل وليس فقط الجنوب". ووفقاً للمصادر، فإن دول التحالف تعتبر أن "منع عودة الشرعية يعرقل أهداف التحالف ويخدم الحوثيين والمخلوع، فضلاً عن أن شرعية وجود وبقاء المقاومة مرتبطة بشرعية هذه الحكومة. وهي الشرعية نفسها التي كانت السبب في تدخل التحالف لتحرير عدن والجنوب واليمن كامل، ولولا ذلك ما كان لهذا النصر أن يكتمل". وهو الموقف الذي انعكس بشكل واضح في الكلام الذي تردد على لسان محللين وخبراء منتمين لدول التحالف في وسائل الإعلام العربية، بالرغم من تأكيدهم على مظلومية الجنوبيين.
وفي محاولة لاحتواء الموقف، سارعت شخصيات سياسية وقيادات جنوبية إلى التخفيف من حدة الخطاب المناهض للحكومة الشرعية، والترحيب بعودتها وتطهير عدن وباقي محافظات الجنوب، وصولاً إلى تحرير كل اليمن. كما برزت دعوات تطالب الشارع الجنوبي بعدم الانجرار إلى عرقلة مساعي التحالف العشري مع التأكيد على التمسك بمطالب الجنوبيين بحقهم في تقرير مصيرهم. ويظل التخوف سيد الموقف وسط حرص شديد على تلافي أي إشكالية قد تنشب لخطورتها على الوضع في الجنوب بشكل عام.
ويعتبر البعض أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، تمكن عبر شرعيته من إعطاء "المقاومة الجنوبية" غطاءً شرعياً، بما فيها "المقاومة" التابعة للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال. وهو أيضاً من استدعى بشرعيته التحالف العشري، مما ساعد الجنوبيين في الدفاع عن مناطقهم وعدم السيطرة عليها من قبل المليشيات. كما أمّن هادي لـ "المقاومة الجنوبية" الدعم؛ ما مكنها من طرد كل معسكرات الموالية للرئيس المخلوع والحوثيين من الجنوب، وتشكيل نواة جيش وطني، كتلته الأولى جنوبية ساهمت في تحرير عدن وتمهيد الطريق أمام تحرير مناطق الجنوب الأخرى.
لكن على الرغم من ذلك، فإن هادي، وفقاً لهؤلاء "لم ولن يلجم موضوع الانفصال، لكونه يعرف إلى جانب طاقم حكمه بل والتحالف، أن عدن تمثل بداية لتطهير اليمن وتحقيق أهداف التحالف".
وعلى الرغم من اعتبار البعض أن الشرعية، وهادي تحديداً، يحاول "سرقة انتصارات الجنوبيين"، وخصوصاً في ظل التحذيرات من ذلك داخل الحراك الجنوبي، لكن يرى كثيرون أن "هناك تكاملاً بين الطرفين. فهناك من أعطى الشرعية والدعم وهناك من قدم المقاتلين".
وتجزم مصادر سياسية رفيعة لـ "العربي الجديد" أن الوضع المرتبط باستمرار الوحدة بات معقداً، على الرغم من أنّ هناك أطرافاً جنوبية، لها وجهة نظر ضد الانفصال لكنها شاركت في المقاومة وتحرير عدن.
وتظهر المعطيات على الأرض، أن الجنوب بات "منفصلاً بحكم الأمر الواقع" بفعل وجود "المقاومة" ودورها، فضلاً عن ضرورة عدم تجاهل الغضب المتنامي في أوساط الجنوبيين، بعد الدمار والقتل الذي مورس من قبل مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح، وانحصار المقاومة في الشمال في محافظات محدودة في الوسط والشرق والغرب. وهو ما أفضى إلى زيادة شعبية مطلب الانفصال.
وفيما تتخوف بعض أطراف الحراك الجنوبي من محاولة تجيير الانتصار في عدن لصالح أطراف دوناً عن أخرى كانت فاعلة، لكن مصدر قيادي في الحراك الجنوبي يقول لـ "العربي الجديد" إن "محاولة سرقة الانتصار باتت أبعد من عين الشمس، بعد أن شاهد العالم مقاومة الجنوبيين". ويوضح المصدر أنّ "الجنوبيين ضمن التحالف العربي، وبالتالي مع أهدافه، لكنْ في نفس الوقت متمسكون بمطلبنا باستعادة دولتنا الجنوبية ولن نقف بوجه شرعية هادي، إلا إذا تجاوزت حقوقنا".
وتزداد المخاوف من مساع لخلط الأوراق في الجنوب، عبر دخول بعض الجماعات المتطرفة التي لها علاقة بالرئيس المخلوع على الخط، على غرار ما كان يجري سابقاً.
وتتشارك القوى المؤيدة للشرعية مع التحالف العشري وأطراف في الحراك الجنوبي في هذا الهاجس، وسط محاولات لضمان استمرار التعاون، عبر اختيار شخصيات متوافق عليها من قبل الجميع في الجنوب.
ويأتي تكليف رئيس مجلس المقاومة في عدن ووكيل محافظة عدن السابق نائف البكري محافظاً لعدن ضمن هذا السياق. واتخذ القرار بعد استقالة البكري قبل أسابيع من حزب الإصلاح، وبعد توصية الوفد الحكومي الذي وصل إلى المدينة.
ولاقى قرار تعيينه ترحيباً من جميع الأطراف، بما في ذلك من داخل الحراك الجنوبي، ولا سيما أن البكري قاد المقاومة في عدن ويحظى باحترام الجميع، من دون أن يمنع ذلك وجود حذر لدى بعض الأطراف.
وعلى الرغم من أنه كان ينتمي إلى حزب الإصلاح الذي يوجد بينه وبين الحراك الجنوبي وأطراف أخرى عمليات شد وجذب سياسية، لكن البكري يوصف بأنه لا يتحرك حزبياً، بقدر ما يتحرك وطنياً عدنياً بحتاً.
إلى ذلك، يبقى الدور غير المسبوق الذي أدته الإمارات في عملية تحرير عدن، فضلاً عن المهام الجديدة التي ستتولاها، إذ يتوقع وصول وفد إماراتي جديد لتشغيل مطار عدن، مثيراً للانقسام.
وبينما يذهب البعض إلى الثناء على هذا الدور، بوصفه ساهم بشكل كبير في طرد مليشيات الحوثيين وصالح، ويرى أنه جزء من دور التحالف العشري الذي تنضوي في إطاره الإمارات، لا يتردد آخرون في إبداء هواجسهم لأسباب متعددة. ويذكر هؤلاء بأنّ علاقة الإمارات بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح قوية، وترجمت باستضافة أسرته على أراضيها، ويتساءلون عن الأهداف الإمارتية من أداء هذا الدور. كما يذكّر هؤلاء بالأزمة التي اندلعت في الأعوام الماضية بين السلطات اليمنية وشركة موانئ دبي العالمية الإماراتية حول ميناء عدن الذي كانت الأخيرة تتولى تشغيله، ووجهت إليها اتهامات بتعمد خفض قدرته التشغيلية.

اقرأ أيضاً عدن ما بعد التحرير: تأمين المنطقة وإعادة الحياة إليها 

المساهمون