الإخفاقات المتتالية تطيح بهيبة صناعات الفضاء الروسية

الإخفاقات المتتالية تطيح بهيبة صناعات الفضاء الروسية

19 مايو 2015
تحقيقات روسية لمحاولة معرفة سبب الإخفاقات المتكررة(Getty)
+ الخط -
على خلفية طموحات سياسية كبيرة لشغل المرتبة الأولى عالمياً في دراسة الفضاء واستثماره، تعاني صناعات الفضاء الروسية على أرض الواقع سلسلة إخفاقات تدفع المعنيين إلى البحث عن أسباب داخلية تتراوح بين ضعف الأجور وانعدام الشعور بالمسؤولية والفساد، وأخرى خارجية تلمّح إلى دور أميركي محتمل في الأمر. وأيّاً تكن الإجابات، فروسيا أمام مشكلة جدية تقتضي منها إعادة النظر في برامجها الفضائية، المدنية والعسكرية، قبل أن تفقد صناعتها مصداقيتها وتخسر زبائنها ورهاناتها.


صواريخ تسقط وأقمار تتعطل


آخر الصواريخ الذي تعطل وسقط، يوم السبت الماضي، كان "بروتون-إم". وقد أكدت وكالة "إنترفاكس" استناداً إلى مصدر في قطاع صناعة صواريخ الفضاء الروسية أن المرحلة الثالثة من الصاروخ الحامل "بروتون-إم" الذي كان في طريقه إلى وضع قمر الاتصالات المكسيكي على مداره سقط مع القمر في منطقة تشيتينسكايا (دائرة ما وراء البايكال)، بعيد إطلاق الصاروخ من قاعدة بايكانور.

إخفاق إيصال القمر المكسيكي إلى مداره، كان الحادث الثاني من نوعه الذي يعاني منه قطاع الفضاء الروسي في غضون ساعات عدة، فقبله كانت الكلفة أعظم. محركات التحام مركبة الشحن الفضائية "بروغريس إم-26 إم" لم تعمل في الوقت المحدد. وتم الفشل في تصحيح المدار، مما أدى إلى فقدان مركبة الشحن وما عليها من حمولة مخصصة للعاملين في محطة الفضاء الدولية.
وكان الصاروخ الناقل "سويوز-2.1 آ"، الذي انطلق مع الشاحنة "بروغريس" من المنصة 31 في قاعدة بايكانور، في الساعة العاشرة وتسع دقائق من صباح الثامن والعشرين من أبريل/نيسان الماضي، في طريقه إلى محطة الفضاء الدولية التي يعمل فيها ستة رواد فضاء، مع ما يزيد عن 2.5 طناً من الأغذية والوقود والأوكسيجين وأجهزة البحث العلمي، حين حدث العطل.
ومع أن الخسارة الناجمة عن هذه الحادثة قدّرت بحوالي 2.6 مليار روبل (52 مليون دولار). إلا أن الخسارة المعنوية أكبر من ذلك بكثير، عدا عن انعكاسات ذلك على عمل المحطة الدولية، بعدما أدت الحادثة إلى تأجيل إرسال ثلاثة رواد فضاء إليها، من 14 مايو/أيار كما كان مقرراً إلى موعد أولي لاحق في بداية يونيو/ حزيران، فيما لن يتم إرسال شحنة مواد إلى المحطة قبل يوليو/تموز المقبل، إذا سارت الأمور كما ينبغي.

اقرأ أيضاً: روسيا تحيي الحرب الباردة في عقيدتها العسكرية

وسبق ذلك تعطُّل قمرين صناعيين، مصري وجنوب أفريقي، وتكرر الفشل في إيصال أقمار منظومة "غلوناس" الروسية إلى مداراتها. فالقمر الأفريقي الجنوبي للاستشعار عن بعد الذي تم إطلاقه، إلى مداره في ديسمبر/كانون الأول الماضي، توقف عن العمل فجأة في أواسط أبريل/نيسان، كما تقول وكالة "إنترفاكس"، نقلاً عن مصدر مطّلع. ومعلوم أن القمر المصري "ايجيبت سات-2" كان، أيضاً، قد تعطل فجأة في الثاني عشر من أبريل. مما دفع بعضهم للشك في أيد خارجية تفعل ذلك. فالقمران قبل التوقف المفاجئ عن الاستجابة خضعا لاختبارات دقيقة وعملا بصورة طبيعية على مداريهما، فيما تساءل آخرون عن نوعية القطع الإلكترونية المستوردة الداخلة في صناعة صواريخ الفضاء الروسية. في المقابل، ترى أوساط قطاع الفضاء الروسية أنه من أجل قطع هذه السلسلة، ينبغي اتخاذ إجراءات عاجلة.

البحث عن الأسباب

يرجع الاختصاصيون في مؤسسة الفضاء الروسية أسباب الفشل المتكرر في إيصال الأجهزة الفضائية إلى مداراتها والتحكم بها إلى تراجع ملحوظ في نظام إنتاج تكنولوجيا الفضاء المحلية، ولا سيما الصاروخ الحامل "بروتون"، الذي كان في حينه عند أعلى مستويات الأمان والموثوقية. كما لا يغفلون أسباباً أخرى بينها عدم الاستقرار الذي تشهده هذه الصناعة، وانخفاض أجور العاملين فيها، وتؤدي إلى عيوب في تجميع الصواريخ الناقلة، والأجهزة الفضائية. ومنهم من يشكك في نوعية القطع الإلكترونية الأجنبية الداخلة في صناعة الصواريخ الروسية.
وفي السياق، نقلت صحيفة "كوميرسانت" عن رئيس معهد سياسة الفضاء، إيفان مويسييف، قوله إنه "من الصعب جداً تلافي مثل هذه الحوادث... ومن المؤسف أن يحصل ذلك على صواريخ تطير من ستينيات القرن الماضي، آمنة إلى حد بعيد". وأضاف "من المفهوم أن يحصل ذلك، حين تكون التكنولوجيا جديدة وتطير لأول مرة، أما أن تحصل لأجهزة تطير من عشرات السنوات، فذلك يعني تدهوراً في الصناعة وتقانات الإنتاج".
وريثما تنتهي اللجنة الفنية المشكلة لتقصي الأسباب من عملها، أُعلن عن تأجيل إطلاق صاروخ "بروتون" مع القمر "إينمار سات" الذي كان مقرراً في بداية يونيو/حزيران المقبل. كما سيؤجل إطلاق صاروخ آخر كان مقرراً أن يحمل القمر التركي "تورك سات" إلى مداره في الثلاثين من يونيو. أما موعد الإطلاق المحتمل، كما تقول وكالة "تاس"، فيرتبط بسرعة وصول لجنة التحقيق إلى أسباب الفشل.
كما انعكست الاخفاقات الأخيرة على برامج الفضاء العسكرية الروسية. فقد اقترحت مؤسسة الفضاء الروسية "روس كوسموس" على قوات الدفاع الجوي الفضائية التوقف عن الاستعداد لإطلاق قمر التجسس "كوبالت-إم" الذي كان ينبغي أن ينقله الصاروخ "سويوز-2.1 آ" إلى مداره، في الخامس عشر من مايو/أيار الجاري"، كما جاء في صحيفة "كوميرسانت".
وفي تلميح إلى دور أميركي محتمل في حوادث الفضاء الروسية، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن مجلة "بزنس إنسايدر"، أن المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة الأميركية، من جهة، وروسيا والصين، من جهة ثانية، دفعت القوات الجوية الأميركية إلى تخصيص 5 مليارات دولار إضافية لإنشاء منظومات فضاء هجومية ودفاعية لحماية الأقمار الصناعية. وأن سبب القلق الأميركي يعود إلى إطلاق روسيا ثلاثة أقمار، يمكن أن تتنقل بين مدارات عالية ومدارات أكثر انخفاضاً، ويمكن أن تقترب من الأقمار والأجهزة الفضائية الأخرى". كما نقلت عن وزيرة سلاح الجو الأميركية، ديبورا لي جيمس، قولها، إن "هذا القمر القاتل يمكن أن يعطّل منظومات الأجهزة المدارية الأخرى، ويمكن تحميله متفجرات، كما يمكن أن يؤدي هجمات انتحارية، على غرار الكاميكاز".
يذكر بأن المجلس العلمي التقني في "روس كوسموس"، صادق على مشروع برنامج الفضاء الفيدرالي، آخذاً بعين الاعتبار وضع البلاد الاقتصادي والموقف السياسي، ورفعه إلى الحكومة الروسية للنظر فيه في جلستها في العاشر من يونيو/حزيران المقبل.
وقد اقترح المجلس إياه تخصيص أكثر من ترليونين روبل (40 مليار دولار) لتطوير هذا القطاع حتى عام 2025. وطالما دار الحديث عن خطط لشغل المرتبة الأولى في العالم في مجال أبحاث الفضاء، بما في ذلك إرسال مركبة غير مأهولة إلى القمر سنة 2028 ومركبة مأهولة إلى المريخ بين العامين 2029-2030. لكن بعد الحوادث الأخيرة، فإن التساؤلات تتركز حول ما إذا ما كانت هذه المشاريع ستبقى على حالها، أم تتم إعادة النظر فيها على ضوء ما تقدم من إخفاقات.

اقرأ أيضاً: الصين وروسيا تعيدان إحياء الشراكة الاستراتيجيّة 

المساهمون