الصين وروسيا تعيدان إحياء الشراكة الاستراتيجيّة

الصين وروسيا تعيدان إحياء الشراكة الاستراتيجيّة

14 مايو 2015
وقّعا اتفاقات تجعل البلدين شريكين حقيقيين اقتصادياً(أ ف ب)
+ الخط -

بدأت بكين تخرج من سياستها الغامضة الباردة إلى سياسة أكثر وضوحاً وسخونة. لا يخفى دور روسيا في شدّ الصين صاحبة الاقتصاد القوي والفائض المالي الكبير والتقنيات المتطورة في بعض المجالات إلى صفّها، عبر ربطها بشبكة مصالح أقوى من الأيديولوجيا. فإغراءات السوق الروسية وطبيعة التحديات المشتركة، أميركياً بالدرجة الأولى، والتعاون في منظمة "شنغهاي" ومجموعة "بريكس" و"آسيا- المحيط الهادئ"، يوقع الصين في شبكة المصالح الروسية.

موسكو كانت حتى خطاب بوتين في ميونيخ عام 2007، ترى أفقها في شراكتها مع الغرب أولاً. وحتى بعد ذلك بثلاث سنوات، دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عام 2010، إلى برنامج تنمية مشتركة مع أوروبا من خمس نقاط: "منطقة تجارة حرة مشتركة، برامج مشتركة لتحديث الصناعة، مجمع طاقة موحد، توحيد التعليم وبرامج مشتركة للتطوير العلمي، إلغاء التأشيرات بين روسيا والاتحاد الأوروبي". ثم دعا إلى أعلى درجات التكامل بين الاتحاد الأوراسي والاتحاد الأوروبي نحو فضاء اقتصادي مشترك يمتد "من برشلونة إلى فلاديفوستوك". لكنّ أسباباً مختلفة، ليس أخيريْها التبعية الأوروبية لأميركا وتأزم الملف الأوكراني حالا دون تحقيق ذلك، بل راحت العلاقة بين موسكو وبروكسل تتدهور.

بالتوازي مع ذلك، راح منظّرو الكرملين يدفعون نحو مزيد من التعاون مع بكين، وكان لهم ذلك، خصوصاً بعد أن فقدت الصين امتيازات ومصالح كبيرة في أوكرانيا مع سقوط حكومة فيكتور يانوكوفيتش. وهكذا، عوضاً عن مشروع "من برشلونة إلى فلاديفوستوك"، طُرح مشروع التكامل بين "طريق الحرير الصيني" و"الاتحاد الأوراسي".

اقرأ أيضاً الصين وروسيا: موعد على طريق الحرير

في هذا الإطار، أبرمت حزمة هامة من الاتفاقات أثناء زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الأخيرة إلى موسكو للمشاركة في احتفالات الذكرى السبعين للنصر على النازية. فقد وقّع الجانبان مجموعة اتفاقات تجعل البلدين شريكين حقيقيين اقتصادياً، وبالتالي سياسياً، وربما عسكرياً، للدفاع عن الروابط الاقتصادية التي في الإخلال بها، ضرر للجانبين وإضعاف لهما. ففي كلمته الموجهة للشعب الروسي، قال الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إنّ "الشعبين الصيني والروسي عظيمان، وقد تعزّزت صداقتنا الراسخة بالدم في سنوات المآسي والصعاب. واليوم، ستدافع شعوب روسيا والصين، يداً بيد وكتفاً إلى كتف، عن السلام".

إلى ذلك، ، شاركت مجموعة سفن صينية حربية في 9 مايو/ أيار الجاري، في الاستعراض العسكري الخاص بيوم النصر مع الأسطول الروسي في نوفوروسيسك بالبحر الأسود، قبيل انتقالها في الحادي عشر منه إلى البحر الأبيض المتوسط للمشاركة في مناورات صينية روسية مشتركة.

وفي تناغم بين البلدين، أكّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مشاركته في احتفالات النصر بانتهاء الحرب العالمية الثانية التي ستجري في الصين، في 3 سبتمبر/ أيلول المقبل، وقال بوتين في هذا الشأن: "في هذه الحرب تعرّض بلدانا للخسائر الأكبر. ولذلك، نحن نقف بمنهجية ضد أي محاولات لإعادة الاعتبار للنازية والنزعة العسكرية (اليابانية) وضد تزوير التاريخ".

اقرأ أيضاً: الصين تعد بتعزيز التعاون مع روسيا

أكثر من تعاون

بالعودة إلى نتائج زيارة الرئيس الصيني لموسكو، ففي 8 مايو/أيار الجاري، وقّعت موسكو وبكين أكثر من ثلاثين اتفاقاً في مختلف مجالات التعاون، بدءاً من مشاريع الطاقة، وانتهاءً بدراسة الفضاء البعيد. ووُصف هذا الإنجاز بأنّه الأكبر في العلاقات بين البلدين في السنوات الخمسة عشرة الأخيرة. فقد تم توقيع اتفاقات تعاون كبيرة مع شركة الخطوط الحديدية الروسية وشركة سوخوي لصناعة الطائرات، وتمّ الإعلان عن إنشاء بنك استثمار روسي صيني مشترك، وصندوق زراعي، وتوسيع تعاون الصين مع الاتحاد الأوراسي الاقتصادي.

وفي هذا السياق، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "نرى أنّ مشاريع التكامل الأوراسي وطريق الحرير الاقتصادي يمكن أن يتكاملا". ففي الجوهر، يدور الحديث عن الخروج إلى أفق جديد من الشراكة، وهذا يعني فضاء اقتصادياً مشتركاً في القارة الأوراسية برمتها". وأفاد الناطق الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأنّه سوف يتم، على أساس من وثيقة التكامل بين الاتحاد الأوراسي وطريق الحرير الاقتصادي، بناء تفاهمات حول كثير من المشاريع، ومن بينها بناء سكة حديد سريعة بين موسكو وقازان، باستخدام تقنيات صينية متطورة واستثمار رؤوس أموال صينية في هذا المشروع الباهظ الكلفة، والذي من المتوقع أن يتم إنجازه بالكامل مع حلول عام 2020، ليختصر زمن الطريق من 11 ساعة إلى 3 ساعات ونصف ساعة. والأهم من ذلك، تأسيس اتحاد شركات مع الصين على أرضية هذا المشروع لتنفيذ مشاريع مشابهة.

اقرأ أيضاً: إنشاء صندوق نقدي لدول "البريكس" بقيمة 100 مليار دولار

من المعروف، أنّ المشاريع الاقتصادية المشتركة المديدة، تقتضي سياسات مشتركة لحمايتها. فإلى جانب ما تمّ ذكره، هناك المشروع المشترك الذي تم الاتفاق عليه، في العام الماضي، لبناء أنابيب نقل الغاز وعقد توريده إلى الصين لمدة ثلاثين عاماً، ومشاريع التنمية الزراعية المشتركة في الأقاليم الصينية المتاخمة للشرق الأقصى الروسي، وتغطية المنتجات الزراعية من هذه المشاريع لحاجات سكان الشرق الأقصى وسيبيريا. وسوف يتم إنشاء صندوق للاستثمار الزراعي المشترك، ومشاريع أخرى ذات طابع استراتيجي. ومن المشاريع الكبيرة التي أثمرت عنها زيارة الرئيس، شي جين بينغ، إلى موسكو، عقد بتوريد 100 طائرة ركاب من طراز "سوخوي سوبرجت-100" إلى الصين، خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وفي المجال العسكري، يتوقع البنتاغون إتمام صفقة شراء الصين لطائرات مقاتلة روسية من نمط سوخوي- 35، ويرى أن بكين قد تحصل عليها سنة 2017.

وفي إطار سعي روسيا والصين المشترك للتحرر من الهيمنة الأميركية، يستمر البحث في إمكانية الاستغناء عن الدولار والانتقال نحو مزيد من اعتماد الروبل واليوان في العلاقات الاقتصادية التجارية بينهما. وثمة إنجاز وإن يكن متواضعاً في هذا الإطار، عبّر عنه الرئيس، بوتين: "ننوي تقوية التعاون في المجال المالي، بما في ذلك استخدام أوسع للروبل واليوان في الحسابات البينية. وفقط خلال الشهرين الأولين من هذا العام، تجاوزت حصة العملتين المحليتين في العقود بين البلدين 7 في المائة".

اقرأ أيضاً: الصين تهزم ألمانيا وفرنسا وتصبح ثالث أكبر مصدر للأسلحة

إلى ذلك، فقد نقلت وكالة "إنترفاكس" أنّ سبيربانك روسيا وبنك التنمية الحكومي الصيني وقّعا اتفاقاً لتأمين خط إقراض بقيمة 6 مليارات يوان (حوالي 961 مليون دولار). وأفيد عن خطة لإنشاء بنك روسي صيني للاستثمار، من شأنه أن يساعد على دخول الشركات الروسية إلى السوق المالية الصينية.

وإلى جانب أن المشاريع السابقة ومثيلاتها تعمق المصالح المشتركة وتدفع تلقائياً إلى تنسيق السياسات بين البلدين، فإن روسيا تفيد، بالمعنى المباشر، من المال الصيني والتقنيات الإلكترونية المتطورة، وليس لديها بديل عن بكين في الظرف الراهن لفك الحصار عن نفسها. فقد علّق نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، على نتائج المباحثات: "إن العقوبات ضد الصناعة الإلكترونية الروسية فقدت معناها بعد بدء التعاون بين روسيا والصين في هذا المجال". أمّا الصين، فينتظر أن تعبّر عن نفسها بوضوح أكبر في السياسة الدولية بحكم مصالحها مع روسيا الصاخبة دولياً. فهل بات القطب الجديد جاهزاً وإن لم يعلن عنه؟