تسريبات صالح المخادعة تشوّش على "نصائح" السعودية للحوثي

تسريبات صالح المخادعة تشوّش على "نصائح" السعودية للحوثي

01 ابريل 2015
صالح يخشى أن يفلت الحوثي من يديه (فرانس برس)
+ الخط -

تزايدت خلال اليومين الأخيرين التسريبات المضللة التي تعج بها المنابر الإعلامية التابعة للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح وصفحات الموالين له في وسائل التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع رسائل وإشارات سياسية سعودية واضحة موجّهة لكل اليمنيين لكنها تهم بالدرجة الأولى زعيم حركة "أنصار الله" (الحوثيين) عبدالملك الحوثي الذي لا يريده صالح أن يفهم معاني تلك الرسائل التي قد يكون الحوثي أكبر المستفيدين منها فيما لو تمعّن فيها.

وقد أجمل الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، النصائح السعودية في كلمة موجزة وجّهها الاثنين للقوى السياسية اليمنية، وأكد فيها أن "المملكة تفتح أبوابها لجميع الأطياف السياسية اليمنية الراغبة في المحافظة على أمن اليمن واستقراره للاجتماع تحت مظلة مجلس التعاون في إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها وبما يكفل عودة الدولة لبسط سلطتها على كافة الأراضي اليمنية وإعادة الأسلحة إلى الدولة وعدم تهديد أمن الدول المجاورة".

ويُستنتج من كلمة الملك السعودي أن الخاسر الأكبر من هذه الإشارات السعودية هو صالح الذي تتجاهله الرسائل السعودية الإيجابية تماماً، ربما لثبوت عدم رغبته في الحفاظ على أمن واستقرار بلاده. وأصبح في حكم المؤكد أن "عاصفة الحزم" لن تنهي دوره السياسي فقط بل ستنهي كذلك طموح نجله الأكبر أحمد في استعادة عرش أبيه الرئاسي مستقبلاً.

أما بالنسبة لزعيم الحوثيين، فإن الخطاب السعودي لا يزال يترك أمامه فرصة ذهبية لسلوك إحدى الطريقين: طريق صالح إلى التهلكة، أو طريق القيادات السياسية الأخرى التي يهمها أمن واستقرار بلادها. وتحمل الرسائل السعودية إشارات غير مباشرة للحركة الحوثية في اليمن بأن السعودية لا تهدف من غاراتها الجوية للقضاء على الحركة أو إقصائها من الحياة السياسية، بل تهدف فقط إلى إعادتها إلى جادة الصواب والقبول باستئناف الحوار اليمني من أجل استكمال العملية السياسية بمشاركة كافة الأطياف اليمنية (باسثناء صالح ونجله) وتحت إشراف القيادة الشرعية للبلاد.

ولأن براعة صالح وخبرته على مدى أربعة عقود انحصرت في القدرة على نسج الأكاذيب وخداع الحلفاء والخصوم في آن واحد، فإن معظم التسريبات الخبرية الكاذبة التي يُشتبه أن مطبخ الرئيس المخلوع الإعلامي يقف وراءها، تُعتبر بمثابة محاولة أخيرة منه لإجهاض جهود إعادة الاستقرار إلى اليمن.

تسريبات تخترق القنوات

ويبرع صالح كذلك في اختراق المنابر والقنوات التابعة للخصوم عن طريق تسريب أنباء ضده في ظاهرها لكنها تخدم ألاعيبه في جوهرها، مثلما فعل باستغفاله لأحد المذيعين في قناة عربية إخبارية مروجاً "لاستشهاد" أحد أبنائه وإصابة آخر، بغرض استعطاف الشعب والخارج بوقائع غير صحيحة، إذ إن نجليه يتنقلان من قارة إلى أخرى ولم يصبهما أي أذى.

ومن بين الأكاذيب التي يروّجها إعلام الرئيس المخلوع على سبيل المثال، الحديث عن وساطات سياسية وخلافات وانشقاقات وتحالفات، وعن بطولات، وإسقاط طائرات، وعن قدرات وهمية لا مجال لحصرها. ويردّد أنصار الحوثي في منابرهم أكاذيب صالح بلا وعي ظناً منهم أنها مفيدة لهم في إطار الحرب النفسية على خصومهم، لكن صالح لا يريد من هذه الأكاذيب إرباك الخصوم فقط، بل على الأرجح يريد أولاً إرباك حلفائه وتضليلهم وتقديمهم ضحايا نيابة عنه.

ويخشى صالح على ما يبدو أن يفلت الحوثي من يديه في حال استيعابه للرسائل والإشارات التي وجّهتها السعودية للقوى السياسية اليمنية، ليعود الحوثي وحركته إلى الشراكة مع باقي القوى السياسية في بناء اليمن، ويصبح صالح هو الوحيد المرفوض من شعبه ومن حزبه.

ويعتقد الرئيس المخلوع أنه عن طريق بث المعلومات المخادعة سيتمكن من إرباك الجيران الذي اكتشفوا حقيقته، ظناً منه أن ما عجز عن تحقيقه معهم بالتضليل المباشر يمكن إنجازه معهم بالخداع غير المباشر.

لكن الرسائل السعودية تجاهلت صالح وألاعيبه التي أصبحت مفضوحة، واستمر السعوديون في مخاطبة العقلاء من القوى السياسية اليمنية، على أمل أن يلتقط الحوثي الإشارات السعودية وينضم إلى معسكر العقلاء الذين يريدون ببلادهم خيراً، ويحافظ على حركته من الفناء.

اقرأ أيضاً: غارات "عاصفة الحزم" متواصلة والفيصل يؤكد استمرارها

وقبل الكلمة التي وجّهها الملك السعودي لليمنيين، كان مسؤولون سعوديون على مختلف المستويات المدنية والعسكرية منذ اليوم الأول لبدء غارات "عاصفة الحزم"، قد وجّهوا نداءات للقوى السياسية اليمنية تحمل المعنى نفسه الذي أراده الملك بعبارات متنوعة. ومن أبرز من عبّروا عن الموقف السعودي بوضوح ودقة، السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير.

فعندما سأل المحاور الأميركي الشهير في محطة "سي بي إس" بوب شيفر، السفير السعودي عما هي الأهداف السعودية من شن غارات "عاصفة الحزم" في اليمن، أجاب السفير بلهجة هادئة: "هدفنا هو الدفاع عن الحكومة الشرعية في اليمن، وفتح الطريق أمام محادثات سياسية لاستكمال مهام الفترة الانتقالية".

وفُهم على الفور من إجابة الجبير أن السعودية وإن كانت ترفض هيمنة الحركة الحوثية على اليمن، إلا أنها لا ترى مانعاً من الشراكة بين الأطراف السياسية اليمنية المختلفة بما في ذلك حركة الحوثي، بل تعتبر هذه الشراكة عاملاً من عوامل الاستقرار في جنوب الجزيرة العربية. ولهذا فإن مطالبة الحوثيين بالعودة إلى طاولة الحوار والتخلي عن خططهم في السيطرة على البلاد بالقوة، كانت بمثابة رسالة إيجابية قد تستوعبها قيادتهم وقد لا تفعل، ولكن الرسالة قد وصلت إلى باقي اليمنيين.

وعلى الرغم من أن العمليات العسكرية تؤدي في العادة إلى خلق شرخ كبير في الثقة بين الأطراف المتنازعة، إلا أن قادة الحركة الحوثية لا بد أنهم باتوا يدركون حالياً حجم الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبوه بتحالفهم مع صالح لإقصاء رفاق الثورة ضده. ومن هنا فإن مبدأ القبول بالآخر هو ما يبدو أن السعوديين يريدونه لليمن، وهو الحل الأمثل إن لم يكن الوحيد للأزمة اليمنية، ويمكن أن يستفيد منه الحوثيون وخصومهم في آن واحد، ولا يمكن أن يعترض عليه إلا من لديه أهداف غير معلنة أو كفلاء غير مرئيين.

شكوك مزدوجة

ووفقاً لما يردده سياسيون يمنيون محايدون لا يعارضون الغارات الجوية على الحوثي ولا يقرّونها، فإن ما يقف حجر عثرة أمام العودة إلى طاولة الحوار وتطبيق مبدأ التعايش والشراكة في الوطن الواحد هي الشكوك المتعلقة بالحركة الحوثية والشكوك التي تراود الحركة ذاتها.

وفي هذا السياق، يرى رئيس حزب "التجمع الوطني الوحدوي" أحمد كلز، أن "الحركة الحوثية أمام امتحان صعب ستكون نتيجته إما تأكيد شكوك الجميع في الحركة بأنها مجرد أداة طيعة بيد الكفيل الإيراني وأن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي محق في اتهامه لها بأنها تنفذ ما يملى عليها من طهران، وإما أنها على الأقل تتمتع بهامش مقبول من الحرية بما يكفي للانخراط في العملية السياسية والقبول بشركاء الوطن".

أما الشكوك التي تراود الحركة الحوثية فإنها تتضح من خلال ما يطرحه بعض قادتها في الغرف المغلقة، بل ما يطرحه بعض اليمنيين المستقلين الذين لا يربطهم بالحوثي أي رابط، وتتمحور هذه الشكوك حول الهدف النهائي للسعودية من الغارات التي تشنها على قواعد الحركة وحلفائها في اليمن. وفي هذا الشأن يتساءل الصحفي اليمني المستقل رضوان الهمداني عن "سبب سكوت السعودية على دخول الحوثيين إلى صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي بالمقارنة مع رد الفعل السعودي العاصف الذي لم يتوقعه الحوثيون عند محاولتهم اقتحام عدن عاصمة الجنوب".

وكانت تصريحات أخرى أدلى بها الجبير لبرنامج "واجه الأمة" في قناة "سي بي إس" الأحد الماضي قد رسّخت مثل هذه الشكوك، عند قوله بأن قرار شن الغارات الجوية على الحوثي وحلفائه اتخذ عندما حاول الحوثيون دخول مدينة عدن وقصفوا مقر هادي.

ويتساءل الهمداني في حديث مع "العربي الجديد": "ألم يكن هادي رئيساً في صنعاء مثلما هو رئيس في عدن؟ فلماذا تحجم السعودية عن حمايته في صنعاء وتسارع لإنقاذه في عدن؟".

ويتضح من هذه التساؤلات أن الخوف على الوحدة اليمنية هو هاجس كثير من اليمنيين، ولهذا وجدت مليشيات الحوثي مقاومة قوية في مناطق يمنية شمالية ذات غالبية سنّية مثل مأرب والبيضاء وغيرها، بينما فُتحت الطريق أمامها في المناطق الشمالية الأخرى المؤدية إلى عدن، ظناً من بعض القوى الشمالية بأن سيطرة الحوثي على عدن ضمان لاستمرار الوحدة اليمنية مع تأجيل مقاومة مليشياته إلى ما بعد استكماله تنظيف البلاد من العابثين بمقدرات اليمن على حد تعبير المتعاطفين مع الحوثي. ويتناسى هؤلاء أن الحوثي الذي يجاهر برغبته في تطهير البلاد من العبث والفساد، ارتبط بتحالف قوي مع أكبر عابث في تاريخ اليمن إن لم يكن الأخطر في التاريخ الإنساني كله، حسب وصف الأديب الراحل عبدالله البردوني، لصالح.

وعن اختلاف رد فعل السعودية عند اقتحام الحوثي للعاصمة اليمنية صنعاء (في سبتمبر/أيلول 2014) عن رد فعلها عند محاولة اقتحام عدن (في مارس/آذار 2015)، فإن السبب، وفقاً لرؤية الشيخ صادق جرعون، أحد أعيان منطقة رداع في محافظة البيضاء، أن "الحدث الأول وقع في الأسابيع الأخيرة من عهد الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، والحدث الثاني بعد وفاته".

ويرى جرعون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "طاقم المستشارين المحيطين بالملك الراحل كانت أولوياتهم مواجهة ما كان يوصف حينها بخطر "الإخوان المسلمين" وثورات الربيع العربي، بينما أعادت القيادة الجديدة للسعودية بزعامة الملك سلمان بن عبدالعزيز ترتيب الأولويات بفضل تمدد الحركة الحوثية في اليمن، وهو التمدد الذي ساعد مع عوامل أخرى على إعادة ترميم العلاقة بين جماعة "الإخوان" والسلطات السعودية. ولهذا عندما جاءت محاولة اقتحام ثاني أكبر المدن اليمنية عدن، تحركت السعودية مستشعرة الخطر، وكان رد الفعل المختلف عائداً إلى وجود قائد مختلف وظرف مختلف".

هذا التفسير لا يمكن أن يغيّب عن أذهان الكثير من اليمنيين أن السعوديين أنفسهم هم المعنيون بإزالة شكوك أشقائهم القلقين على وحدة بلادهم، وقد جاءت كلمة الملك سلمان في السياق الصحيح.

المساهمون