القضاء التونسي ينتصر لفلسطين: قرار بمنع التطبيع مع الاحتلال

القضاء التونسي ينتصر لفلسطين: قرار بمنع التطبيع مع الاحتلال

16 مارس 2015
القرار يُشكّل منطلقاً للبناء عليه مستقبلاً (الأناضول)
+ الخط -

سجّل القضاء التونسي قراراً تاريخياً يُشكّل لأول مرة تجريماً للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي قضائياً. فقد أصدرت المحكمة الابتدائية في منطقة سوسة التونسية، حكماً قضى بإلغاء رحلتين سياحيتين إلى القدس المحتلة، كانت وكالة سفريات تنوي تنظيمهما، وأذنت للسلطات المختصة بإيقاف إجراءات السفر التي كانت مقررة إلى القدس المحتلة عبر جسر الملك حسين الأردني خلال شهر مارس/آذار الحالي.

قرار تاريخي تجاوز السقف الذي يضعه الدستور الجديد حول الاحتلال الإسرائيلي والتضامن مع القضية الفلسطينية، والذي يقتصر على توطئة الدستور التي تنص على ما حرفيته: "بناء على منزلة الإنسان كائناً مكرماً، وتوثيقاً للانتماء الثقافي والحضاري للأمة، انطلاقاً من الوحدة الوطنية القائمة على المواطنة والأخّوة والتكافل الاجتماعي، وعملاً على إقامة الوحدة المغاربية خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية ونحو التكامل مع الشعوب الإسلامية والشعوب الأفريقية والتعاون مع شعوب العالم، وانتصاراً للمظلومين في كل مكان ولحق الشعوب في تقرير مصيرها ولحركات التحرر العادلة وعلى رأسها حركة التحرر الفلسطيني".

وكانت الجمعية العربية التونسية لمقاومة الامبريالية والصهيونية "قاوم"، رفعت، نهاية الشهر الماضي، دعوى قضائية ضد وكالة سفريات تتهمها بمحاولة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وذلك بقيامها برحلات إلى القدس المحتلة بالتنسيق مع الكيان الصهيوني، ومعتبرة أن الوكالة تخالف الدستور الذي ينص في فقرته الرابعة على "الانتصار لحركة التحرير الفلسطينية ومناهضة كل أشكال الاحتلال والعنصرية".

وقالت الجمعية في نص دعواها إن إحدى وكالات السفريات في مدينة سوسة، تعتزم تنظيم رحلتين تطبيعيتين مع العدو الصهيوني في فلسطين العربية المحتلة بعد أقل من عام على ارتكاب هذا الكيان السرطاني مجزرته الأخيرة في قطاع غزة، إبان حربه العدوانية الإرهابية لأكثر من 50 يوماً وما خلّفته من شهداء وجرحى ومشردين ودمار، وبالتالي تعميم التطبيع مع الكيان الصهيوني وبصورة رسمية الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً وعناوين مختلفة من بينها التطبيع السياحي، وبالخصوص السياحة الدينية والمعرفية، والتطبيع بالتبادل التجاري المباشر وغير المباشر، وغيره.

وأكدت الجمعية أنه في هاتين الرحلتين اللتين تنظمهما الوكالة، يتجلى بوضوح استغلال المشاعر الدينية للترغيب بالمشاركة فيهما، ولتمرير التطبيع من خلال برمجة زيارات إلى مواقع ومقامات دينية إسلامية ومسيحية. وهي خطوة تُعبّر، بالوعي أو من دونه، عن سلوك انهزامي وتفريطي في الحقوق التاريخية المشاعة للأمة العربية في فلسطين وفي بقية الأراضي المغتصبة، مضيفة "نحن وفلسطين حالة واحدة، نعيشها من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي".

وعلى هذا الأساس، رفعت المحامية نادية الورغي، باسم جمعية "قاوم"، الدعوى ضد وكالة السفريات لإلغاء الرحلتين اللتين كانت تعتزم تنظيمهما إلى القدس المحتلة خلال شهر مارس/آذار الحالي. وجاء قرار المحكمة تاريخياً، كما أكدت الورغي في حديث مع "العربي الجديد".

اقرأ أيضاً: نجل السبسي يزيد أزمة "نداء تونس" تعقيداً

الورغي التي كانت سعيدة وفخورة بالحكم، قالت لـ"العربي الجديد" إن مصدر سعادتها يعود إلى حيثيات الحكم في تعليل المحكمة للقرار الذي صدر لأول مرة في تاريخ القضاء التونسي، إذ ذكّرت المحكمة بانتهاكات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين على مرّ التاريخ، وقتل الفلسطينيين وتشريدهم وبناء الجدار العازل ومخالفتها للقرارات الأممية، ما يُثبت أن إسرائيل دولة احتلال تُمارس العنصرية، وبالتالي فتنظيم الرحلة إلى القدس التي ترزح تحت الاحتلال مع عدم وجود اعتراف أو علاقة بين الدولة التونسية وإسرائيل، يُعتبر خروجاً عن نص الدستور وروحه، لتعارضها مع مبدأ دعم حركة التحرر الفلسطيني ومناهضة كل أشكال الاحتلال والعنصرية.

وقالت المحكمة أيضاً إن "إعلان الرحلة المذكورة لم يتضمن التفاصيل المتعلّقة بأماكن الإقامة والجهات المسؤولة عن تنظيم التنقل والزيارات للمدن والمواقع الخاضعة لإسرائيل والجهة التي تم الاتصال بها للحصول على التأشيرات والتراخيص وهوية الأدلاء السياحيين الذين سيرافقون المجموعة في رحلتهم، وإن كانوا من الفلسطينيين أو الإسرائيليين".

وأكدت الورغي أنها تقدمت أيضاً بشكوى إلى الأمن التونسي، للبحث في تفاصيل تنظيم هذه الرحلة، لافتة إلى رمزية تزامن تاريخ الذهاب والعودة من الرحلة، إذ سيكون إقلاعها يوم الانتخابات الإسرائيلية وعودتها يوم الأرض، مشيرة إلى أنها لا تشكك في حسن نوايا المنظمين، وربما تكون غايتهم الربح المادي فقط.

وعن أهمية هذا الحكم في تشكيل أرضية قانونية لتجريم التطبيع، أشارت الورغي إلى أن بعض زملائها القانونيين لفتوا عند تقديم القضية إلى عدم وجود نص قانوني يُجرّم التطبيع، ولكنها أكدت أنها ستعتمد على توطئة الدستور وفقرته الرابعة التي هي جزء منه بنص الدستور نفسه، ومشددة على أن هذا الحكم يُمثّل أول تطبيق لدستور الجمهورية الثانية من القضاء التونسي.

ورأت أن هذا الحكم سيُشكّل منطلقاً للبناء عليه في قضايا أخرى، وهو يفتح مجالاً للحقوقيين للبحث والتأسيس عليه لأهميته التاريخية والقانونية.

وشددت الورغي على "ضرورة تجاوز حالة العجز، وحالة الاكتفاء بمجرد البكاء على أطفالنا وهم يُقتلون في فلسطين"، معتبرة أنه "لا بد من التحرك لتقديم شيء ملموس"، معربة عن قناعتها بأن "الإسرائيليين والموساد قد تابعوا تفاصيل القضية، ولكن القضاء التونسي كان حاسماً في حكمه".