التجسس ينخر العراق... والحكومة عاجزة

التجسس ينخر العراق... والحكومة عاجزة

22 فبراير 2015
الفقر أبرز الأسباب التي تدفع الشباب للعمل جواسيس (Getty)
+ الخط -
في بيئة عراقية منقسمة بين أراضٍ خاضعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وأخرى لسيطرة الحكومة العراقية، ومثلها للمليشيات وجزء شمالي معزول للأكراد، وفي ظل ارتفاع معدل البطالة إلى 41 في المائة، ونسبة الفقر إلى 39 في المائة، وجدت 16 دولة غربية أبرزها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وآسيوية وواحدة أفريقية، المكان المناسب للعمل بحرية وتحقيق اختراقات.
وتحت غطاء "الحرب على الإرهاب" وكشف مصادر التمويل ومواقع القيادة العسكرية لتنظيم "داعش"، وجدت هذه الدول باباً للدخول إلى صفوف الشباب والرجال وحتى النساء في العراق، لتجنيدهم مقابل مبالغ مالية شهرية لتزويدهم بالمعلومات اليومية، مهما كان نوعها أو دقتها وأهميتها.
ويكشف مسؤول عراقي رفيع في حكومة حيدر العبادي، لـ "العربي الجديد"، معلومات وصفها بالاستخبارية حول رصد الحكومة لنشاط استخباري واسع في مختلف المدن العراقية، سواء تلك الخاضعة لسيطرة الدولة أو الخارجة عن سيطرتها، لمصلحة ست عشرة دولة أجنبية، ليس بينها أي دولة عربية.
ويضيف المسؤول الذي يشغل منصباً وزارياً، أن تلك الدول جنّدت العشرات من الشبان العراقيين للعمل معها في جلب المعلومات، وتم تزويدهم بهواتف محمولة وأجهزة اتصال فضائية (من نوع ثريا) لتوفير معلومات يومية حول ما يحصل في مناطقهم وحتى الشائعات التي يتداولها الناس، فضلاً عن تفاصيل تقوم تلك الدول بطلبها بين الحين والآخر.
ويشير إلى أن تلك المعلومات لا تتعلق بتنظيم "داعش" فحسب، بل بجوانب أخرى تتعلق بالمليشيات وإيران وسورية ومنظمات إنسانية دولية وعربية تعمل في العراق، وصولاً إلى قطاع الاقتصاد والطاقة ومسوحات تتعلق بالمجتمع العراقي وتركيبته.
ويكشف الوزير الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "تلك الدولة تدفع شهريا لعملائها الذين يتم تجنيدهم، مبالغ تتراوح بين ألفي إلى ثلاثة آلاف دولار، بحسب المنطقة التي يعملون فيها، وجميعهم يتلقون مرتباتهم الشهرية عبر شركة تحويل عالمية ومعروفة، لها فروع في أغلب دول العالم، إضافة إلى المصارف الأهلية العراقية"، مشيراً إلى أن "هؤلاء العملاء يتصلون مباشرة بمترجمين يعملون في تلك الدول أو عراقيين يبدو أنهم عملاء قدماء عند أجهزة الاستخبارات تلك ويقيمون في بلدانها".
ويلفت إلى أن "صحافيين عراقيين متورطون في تلك العمليات التجسسية، وتم رصد ثلاثة منهم يعملون في وكالة أنباء عالمية مهمة، تتخذ من إحدى الدول الأوروبية التي تعرضت لهجوم إرهابي أخيراً مقراً لها".
ويوضح الوزير أن "الجواسيس العراقيين ينقسمون إلى عدة أقسام، وكل منهم يؤدي دوره، حتى بات العراق مكشوفاً أمام تلك الدول، فقد تصل المعلومات الاستخبارية إلى تلك الدول قبل أن تصل إلى الحكومة في بغداد، فيما نحن عاجزون عن وضع حد لهذا الموضوع، وحتى إذا قررنا معالجته، فلن نستطيع الآن".

اقرأ أيضاً: العثور على سجن تابع لـ"داعش" شمالي العراق

دكاكين للتجسس وبأسعار رخيصة

المعلومات التي كشفها الوزير العراقي لـ "العربي الجديد"، يؤكدها مسؤول رفيع آخر في وزارة الدفاع العراقية، إذ يقول لـ "العربي الجديد"، إنها "ليست محطات استخبارية، بل تحولت إلى دكاكين علنية، وكل دولة تريد أن تدخل وتتجسس، عليها أن تدفع وتحصل على ما تريد، فبتنا مكشوفين للجميع".

ويضيف "لا تجد أجهزة الاستخبارات عناءً في تجنيد عملاء أو إقناع الشخص المستهدف، وحتى إسرائيل بات لها ما يكفي من العناصر، وكل ذلك تحت عنوان مكافحة الإرهاب والمساعدة على التخلص من داعش، لكنها في الحقيقة تؤسس للمستقبل، والمستقبل البعيد أيضاً".
ويكشف المسؤول العسكري الذي يشغل منصباً رفيعاً في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي لـ "العربي الجديد"، أن "الحكومة منعت في الثاني والعشرين من الشهر الماضي عمليات التصوير في المناطق العامة أو القتالية من دون ترخيص، وفرضت رقابة على الإنترنت العام، وكذلك فعل داعش وهو يقطع منذ أيام الاتصالات والإنترنت عن أهالي الأنبار والموصل وتكريت، ويمكن القول أننا تحولنا إلى ساحة نشاط استخباري، هي الأكبر من نوعها".
ويضيف "أن تقوم وكالة أخبار بتعيين ثلاثة مراسلين لها في بلدة صغيرة، لا تتجاوز مساحتها 20 كيلومتراً، فهذا الأمر يجب أن يكون محط اهتمام، كما أن شركاء التحالف الدولي يطلعوننا على معلومات مهمة وأحداث تحصل في بلدنا، ونحن لا نعلم بها، وهذا أمر مضحك ومبكٍ في الوقت نفسه"، معتبراً أن "العيب والخلل الأول يتمثل في الفقر والجوع، وفي أجهزة الاستخبارات العراقية التي بُنيت على أساس محاصصة طائفية".
ويلفت المسؤول العراقي إلى أن "بعض تلك الدول لها وجود ونشاط عسكري واقتصادي في العراق، لكنها تعمد إلى تجنيد الشبان، كون موظفيها مقيدي الحركة ويمكن رصدهم، لكن وضع شخص من داخل الوسط أو المجتمع سيكون مفيداً للغاية لها"، مشيراً إلى أن "الكثير من أجهزة تلك الدول نجحت في اختراق داعش، في الوقت الذي عجزنا نحن فيه عن ذلك".
الشاب حسين علاوي، الذي فضّل إطلاق هذا الاسم عليه، هو أحد الشباب الذين يتعاملون مع شخص يدعى "أبو آرام"، يروي لـ "العربي الجديد" أنه يعمل على منحهم المعلومات المتعلقة بـ "داعش" وباقي الجماعات المسلّحة الموجودة في إحدى ضواحي بغداد.
ويكشف أنه "يتعامل منذ عدة أشهر مع "أبو آرام" وهو عراقي مقيم في العراق، ولا أعرف اسمه الحقيقي، لكنني أعطيه ما أرى أو أسمع بتقرير يومي مسائي وصباحي، وفي حال كانت هناك صور أقوم بإرسالها على بريده الإلكتروني". ولا يعتبر علاوي أن ما يقوم به خيانة، "فمن خان هي قيادات العراق التي سلّمت كل شيء وتركتنا في جوع، ولم يبقَ من الوطن سوى أطلال، وما دُمت أشاركهم بعدو مشترك واحد وهو داعش، فهي ليست خيانة بل وطنية ووفاء".
ويكشف أنه يستغل شبكة علاقاته الاجتماعية، كأصدقائه في سلك الشرطة والجيش والمعلومات التي يسمعها من مقربين منه وينقلها مقابل ألفي دولار شهرياً.

مهنة من لا مهنة له
حول هذا الموضوع، يقول رئيس مركز الدراسات العراقية الاستراتيجية محمد المعيني لـ "العربي الجديد"، إن "الحديث عن التجسس من قِبل الدول على العراق ليس بجديد، لكنه شاع وانتشر وبات يُمثّل قطاعاً ومورداً اقتصادياً للشباب"، مضيفاً "لا تُعد صدمة إن قلنا إنهم يجندون أيضاً مديرين عامين في مؤسسات عراقية وضباطاً كبار، وأنا لا أستغرب إن سمعت في يوم ما أن وزيراً أو حتى رئيس الوزراء متورط في عمليات تجسس على العراق لمصلحة تلك الدول".
ويرى أن "العراق وكما هو مخترق السيادة على أرضه من قِبل داعش وإيران والولايات المتحدة، فمن الطبيعي أن يكون مخترقاً استخبارياً، لكن علينا أن نؤمن أن آثار التجسس الاستخباري على العراق لن تزول لعشرات السنين المقبلة".

اقرأ أيضاً: "الأويغور" يثأرون من بكين في سورية

المساهمون