3 أسباب ترجّح تحول سرت ملاذاً لـ"داعش"

3 أسباب ترجّح تحول سرت ملاذاً لـ"داعش"

04 ديسمبر 2015
"داعش" قد يجذب الكثير من المقاتلين لصفوفه(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

أدى تزايد الضربات الجويّة على مناطق نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق، وخصوصاً على مدينة الرقّة السورية، وتحقيق بعض الفصائل المعارضة وقوات النظام السوري تقدّماً على الأرض، إلى دفع بعض قيادات "داعش" إلى الهجرة برفقة عائلاتهم نحو مدينة الموصل العراقيّة. غير أنّ مدينة الموصل صارت هي الأخرى محلّ حصار وتحضير لهجوم شامل من قِبل الجيش العراقي بغطاء جوّي أميركي. وفي ظلّ هذا الوضع تلوح الجبهة الليبيّة، وتحديداً مدينة سرت، كبديل لتنظيم "داعش" في حالة سقوط الرقة السورية والموصل العراقية.

وذكرت تقارير صحافية أخيراً، أنه تمت ملاحظة حركة هجرة لقيادات وعناصر من تنظيم "داعش" من العراق وسورية نحو ليبيا عبر البحر في الفترة الأخيرة، وتحديداً نحو مدينة سرت الليبية التي سيطر عليها التنظيم، وهناك ترجيحات بإمكانية توجّه زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي إلى سرت هرباً من الحرب التي تشهدها سورية والعراق بعد التدخّل الفرنسي والروسي. وكان لافتاً قدوم القيادي في التنظيم أبو نبيل الأنباري إلى مدينة درنة الليبية، والذي كانت الإدارة الأميركية قد أعلنت أنها اغتالته في غارة جوية الشهر الماضي. وذكرت تقارير أخرى أن البغدادي قد أوفد أيضاً السعودي أبو حبيب الجزراوي لأخذ "الولاء والبيعة". وتبرز قيمة أبو نبيل الأنباري كونه أحد عناصر الجيش العراقي المنحل والذي كان له دور حاسم في معارك الفلوجة وصلاح الدين والموصل، وإيفاده نحو ليبيا يثبت أنّ "داعش" يراهن كثيراً على مستقبله في المغرب العربي، فلماذا سرت بالذّات؟

عدة أسباب جعلت تنظيم "داعش" يختار مدينة سرت، أولها أنها تقع في الوسط الساحلي الليبي، وتشرف على كل السواحل الليبيّة وتمتد قرب العمق الأفريقي في اتجاه مصر، وفي العمق المغاربي في اتجاه الجزائر عبر تونس، وبالتالي ستصبح كابوساً عسكرياً وأمنياً لدول الجوار. وسرت الآن هي خارج سيطرة الحكومتين المتنازعتين في ليبيا، وبالتالي قد يكون من الصعب حصارها، ما سيعطي للتنظيم زمام المبادرة في التوسّع شرقاً وغرباً، وهذا التوسّع ربّما يدفع بعض التنظيمات الموالية لـ"القاعدة" إلى مراجعة حساباتها وولائها، مثل جماعة "حركة الشباب المجاهدين" الصومالية أو تنظيم "المرابطين"، أو حتى تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي".

اقتصادياً، تمتلك سرت وما حولها من صبراتة غرباً حتى النوفلية شرقاً، مخزوناً نفطيّاً كبيراً، وتسمح هذه المنطقة الساحلية لـ"داعش" بتوظيف الموانئ لتصدير النفط خارج الأطر الشرعية عبر التهريب. كما أن لسرت مقدّرات زراعية تمنح التنظيم نوعاً من الاكتفاء الذاتي.

اقرأ أيضاً: سرت عاصمة احتياطية لـ"داعش" لتعويض خسارة الرقة والموصل؟

أما عسكريّاً، فيسيطر على سرت قرابة 5 آلاف مقاتل من تنظيم "داعش"، وهم خليط من ليبيين وتونسيين وسودانيين ويمنيين وأفارقة، يتشكّلون من الهاربين من تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي، وبعض الجماعة الليبية المقاتلة، ووافدين من بقايا تنظيم "القاعدة" من السودان والصومال وقبائل الطوارق. هؤلاء المقاتلون وجدوا في سرت، موطن العقيد الليبي الراحل معمّر القذافي، خبرات عسكريّة وأمنيّة واستخباراتية، كما وجدوا ترسانة من الأسلحة الكبيرة والمخازن التي خلّفتها حرب إسقاط نظام القذافي.

وبالتالي فإن جغرافية سرت، والمخزون المالي والبشري فيها، كلها عوامل قد تسمح لـ"داعش" بتحويل سرت إلى عاصمة بديلة عن الرقة السورية، ولذلك خفتت هجرة المقاتلين من المغرب العربي في اتجاه سورية لتصير ليبيا وجهتهم الحالية، وبدأ المقاتلون الذين يسيطرون على سرت في تطبيق النظم العقائديّة للتنظيم على المواطنين الليبيين في مشهد مشابه لما تعيشه المدن التي وقعت تحت سيطرة "داعش".

لكنّ تحوّل مركزيّة تنظيم "داعش" من الشرق إلى الغرب، سيدفع نحو توسيع دائرة الصّراع إلى مجال جغرافي أوسع، ليتدخّل فيه لاعبون إقليميون جدد. ففي المشرق يبدو أن لإيران وتركيا دوراً محورياً في الصراع مع التنظيم، أما في المغرب فستجد مصر والجزائر نفسيهما في مواجهة مباشرة مع خطر هذا التحوّل، إذ إن نجاح "داعش" في جعل سرت عاصمة بديلة له وقاعدة لحركته ستكون له انعكاسات عدّة. فحضور التنظيم في سرت سيكون نقطة جذب للكثير من القوات التي ترى في "داعش" مجابهاً حقيقيّاً لقوات خليفة حفتر، كما ستكون مدينة سرت قوة جذب للمُطارَدين أمنياً في تونس ومصر والجزائر والمغرب.

كما أن سرت وليبيا عموماً، ستكون قاعدة لضرب الدول المجاورة وزعزعة استقرار هو هش من أصله في مصر، وفي الجزائر مع عجز هرم السلطة، وفي تونس التي تعيش هشاشة الانتقال الديمقراطي وتواجه تحديات أمنية. كذلك توفّر سرت لتنظيم "داعش" ما لم توفّره الرقة أو الموصل، وهو القرب من أوروبا، وبالتالي خلق المزيد من الخوف الغربي، الأمر الذي قد يستفيد منه الأوروبيون للتدخّل في ليبيا ودفع الفرقاء السياسيين في طبرق وطرابلس نحو تسوية خلافاتهم وتوحيد منظومة الحكم، وترافق ذلك ضربات عسكرية جويّة تساعد الليبيين على السيطرة على الأرض.

اقرأ أيضاً: فالس يحذر من تمدد "داعش" في ليبيا