هكذا ينظر كيري للأسد: جرائمه "أخطاء" وتوقيت رحيله مرن

هكذا ينظر كيري للأسد: جرائمه "أخطاء" وتوقيت رحيله مرن

18 ديسمبر 2015
أمل أميركي بإقناع روسيا وإيران بأهمية رحيل الأسد(أندرو بورتن/Getty)
+ الخط -
كشف كاتب السير الذاتية الأميركي البارز ديفيد ريمنيك، الذي تربطه بوزير الخارجية الأميركي جون كيري وبالرئيس باراك أوباما صداقة شخصية، أن إدارة أوباما تنظر إلى سورية كمحطة ثالثة للاختراق السياسي والنجاح الدبلوماسي المنشود بعد كوبا وإيران، متوقعاً أن ينجح رئيس الدبلوماسية الأميركية بما عُرف عنه من جَلد وإصرار بإبرام اتفاق خاص بسورية لوقف إطلاق النار والتوصل لتسوية سياسية تنقذ هذا البلد من التمزق.

وقال ريمنيك الذي يتولى رئاسة تحرير مجلة "ذي نيويوركر" منذ عام 1998، إن كيري قد نجح حتى الآن في إشراك إيران في المحادثات الدولية بشأن سورية من دون أن يخسر حلفاءه من دول الخليج العربية ذات الأغلبية السنية. لكن ريمينك، الذي صدر له عام 2010 كتاب سيرة حياة أوباما ولا يزال التواصل بينهما قائماً، أشار إلى أن الرئيس الأميركي أقل تفاؤلاً من وزير خارجيته في ما يتعلق بالمنطقة العربية، إذ يرى أوباما أن الاضطرابات الطائفية في المنطقة والمذابح الدائرة في سورية قد تمزق الدول الوطنية التي رسمت حدودها بريطانيا وفرنسا (في اتفاقية سايكس بيكو)، ويخشى أوباما أن تتمدد التهديدات إلى لبنان والأردن وربما المملكة العربية السعودية ذاتها.

وتسنى للكاتب مرافقة وزير الخارجية الأميركي في عدد من رحلاته الخارجية العديدة خلال الأشهر الأخيرة، فخرج منها بمجموعة واسعة من "الأسرار" التي دوّنها في "بروفايل" مطوّل عن شخصية كيري، أعده للنشر في عدد الحادي والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الحالي من "نيويوركر"، وساعده كذلك في الحصول على معلومات سياسية مهمة خلال جلساته العائلية العديدة مع كيري وزوجته، على موائد الطعام وزياراته الشخصية لهما في مقار إقامتهما واستماعه لآرائهما وحتى لمشاحناتهما العائلية، وآراء المقربين منهما حول كثير من القضايا التي لم تنشر عن كيري من قبل.

وقال الكاتب، في مقال له نشرته "ذي نيويوركر"، إن أوباما على الرغم من تشاؤمه فهو معجب بمثابرة كيري وصبره وتصميمه على التفاوض وسط العواصف والخروج بإنجازات غير متوقعة. وفي رأي الكاتب فإن كيري نجح في إقناع السعوديين بالحكمة من وراء إشراك إيران التي يعرف أنها تعمل مع الروس على إبقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة. وأبدى الكاتب استغرابه أنه بعد سقوط ما لا يقل عن مائتي ألف قتيل في سورية وتشريد أربعة ملايين سوري أصبحوا لاجئين خارج بلادهم ودخول روسيا في المعترك، فإن كيري يأمل بالنجاح، ملمّحاً إلى أن ثمن هذا النجاح قد يكون الموافقة على بقاء الأسد مؤقتاً لضمان عدم تعرض الطائفة العلوية لمذابح انتقامية خلال فترة انتقالية لم يتم الاتفاق على مدتها بعد، وعلى أمل أن يتمكن من إقناع روسيا وإيران بعد ذلك بأهمية رحيل الأسد للحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة الأراضي السورية.

وأشار الكاتب في معرض حديثه عن سورية ضمن موضوعات أخرى، إلى أن أوباما وكيري يدركان ما يتعرض له الرئيس الأميركي من انتقادات واتهامات بالضعف بسبب سورية، لكن أوباما يدرك في الوقت ذاته أن عواقب الإطاحة بالأسد من دون وجود خطة بديلة قد تكون أشد وقعاً عليه من مجرد الاتهام بالضعف. وأكد الكاتب القصة المعروفة من أن امتثال الأسد بالتخلي عن أسلحته الكيماوية لم يتم إلا بعد تصويب صواريخ أميركية من موقع ما باتجاه دمشق، لكنه أشار إلى أن روسيا هي التي أقنعت الأسد بالامتثال للرغبة الأميركية في ذلك الحين.

ونقل الكاتب عن مساعدين لأوباما قولهم إن المناقشات حول سورية تدور حتى الآن على تقدير تكلفة العمل مقابل تكلفة التقاعس عن العمل. وأكد ذلك لريمنيك نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض بن رودس، بقوله "لقد أمضى الرئيس أوقاتاً في النقاش بشأن سورية أكثر من أي قضية أخرى. ولكن المشكلة التي أرقت أوباما ولا تزال هي ألا أحد من مستشاريه ومساعديه كان قادراً على الإجابة عن السؤال الجوهري الذي يطرحه الرئيس الأميركي وهو ماذا يمكن أن يحصل في اليوم التالي للإطاحة بالأسد؟".

وقال الكاتب إن كيري أدى دوراً حاسماً في تفادي المواجهة مع نظام الأسد بما يحمله عن شخص الأسد من ذكريات لم تكن توحي بدموية الرجل. ويعتقد كيري أن ماهر الأسد شقيق بشار ووالدتهما، قاما بدور مهم في إجبار بشار الأسد على "ارتكاب أخطاء" فادحة لم يكن بشار يرغب بارتكابها. ولاحظ الكاتب أن كيري يطلق على جرائم بشار الأسد أخطاء ولا يصفها بالجرائم. واجتهد الكاتب في تفسير ذلك بأنه نابع من علم وزير الخارجية الأميركي بأنه سيضطر للتعامل المباشر أو غير المباشر مع بشار الأسد لاحقاً للتوصل إلى تسوية سلمية لأزمة بلاده.

الأسد توقّع الثورة ضده

ومن الأسرار التي كشفها كيري للكاتب، حسب ما ورد في البروفايل المعد للنشر في المجلة الأميركية، أن بشار الأسد تنبأ بثورة شعبية في بلاده قبل اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، وأنه، أي الأسد، صارح كيري بمخاوفه في أحد لقاءاته المتعددة به عام 2010.

فحسب ما رواه الكاتب في مادته الصحفية عن كيري التي تكاد تصل إلى حجم كتيب من 30 صفحة تقريباً، فإن كيري التقى في ذلك العام عدة مرات مع الأسد في دمشق، بناء على طلب أوباما. وأراد كيري جس نبض الأسد عن طبيعة الاتفاق السوري الإسرائيلي الذي يمكن أن يقبل به. فأعرب له الأسد عن عميق قلقه من أن العزلة الاقتصادية المفروضة على سورية، ونسبة البطالة العالية بين الشباب تشكل ضغطاً هائلاً عليه، وأن النظام على وشك أن يواجه تمرداً بقيادة الأصولية الإسلامية. كما ذكر كيري أن وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، قال له: "إذا لم ننجح في فك الحصار الاقتصادي المفروض علينا فعليك أن تأتي هنا بعد عشر سنوات للتفاوض مع الملا الأسد".

اقرأ أيضاً: فخاخ نيويورك السوري: مخاوف من تنازلات واشنطن ودي ميستورا

وفي أحد اللقاءات بين كيري والأسد في دمشق على طاولة العشاء بحضور زوجة كيري، تيريزا هاينز (سيدة الأعمال الثرية التي تملك مصانع منتجات هاينز الغذائية الشهيرة)، روى الأسد لكيري وزوجته أن والدته لم تعد قادرة على الذهاب إلى مسجد قريب بملابسها التي اعتادت ارتداءها، قائلاً إن الأصوليين نشروا ثقافة الحجاب على الرغم من أنه شخصياً يريد أن تظل سورية "دولة علمانية". وأكد الكاتب أن كلاً من كيري وزوجته سمعا من مصادر سورية رفيعة أن والدته وشقيقه ماهر هما من دفعاه لاتخاذ اجراءات قاسية ضد المتظاهرين خوفاً منهما على الأسرة والنظام العلوي.

ويعتقد كيري أن دموية الأسد كانت نتاجاً لأسرته وللبيئة السياسية التي وجد نفسه فيها، وتبددت توجهاته الإصلاحية عندما وجد نفسه يُضَم إلى قائمة الديكتاتوريين العرب والرؤساء المهددين بالخلع، فتصرف بوحشية كوالده الذي ارتكب مذبحة حماة عام 1982 وقتل فيها عشرين ألف شخص لإخماد انتفاضة "الإخوان المسلمين".

واستنتج الكاتب من خلال ما استمع إليه من كيري ومن آخرين، أن الموقف الأميركي بشأن الأسد لا يزال متمسكاً برحيله، ولكن من أجل الحفاظ على انخراط روسيا وإيران في المفاوضات وتعاونهما مع واشنطن، فإن أوباما وكيري مستعدان لتقديم تنازل يتعلق بتوقيت الرحيل، في تلميح إلى احتمال بقاء الأسد مؤقتاً خلال فترة انتقالية وفقاً لما تسفر عنه المفاوضات.

وأبدى كيري تفاؤلاً مختلطاً بالتشاؤم، عندما قال للكاتب: "أعتقد أن سورية يمكن أن تستعيد وحدتها". لكن كيري حسب قول الكاتب، حذر من أن هذه ستكون آخر محاولة لإعادة الاستقرار إلى سورية، وإذا لم تنجح فإن العاقبة ستكون ليس تفتيت سورية فقط بل ربما تفتيت العراق كذلك، مضيفاً: "قد نرى أموراً كثيرة تحدث".

وقال كيري إنه لا ينبغي السماح باستمرار تفاقم الأمور في سورية أو التقاعس عن إيجاد حل سلمي لأن ذلك معناه، من وجهة نظره، الدخول في حرب مستمرة لثلاثين عاماً مقبلة ويمكن أن تتطور إلى حريق طائفي شامل بين السنّة والشيعة في المنطقة العربية.

استعداد لاتفاق مع إسرائيل

أما بشأن الاتفاق مع إسرائيل، فمن الأسرار التي تخالف خطاب التشدد الذي عرف به النظام السوري، ما كشفه كيري لكاتب سيرته المهنية، من أن الأسد كان على استعداد تام لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل مقابل استعادة مرتفعات الجولان، ومساعدة بلاده اقتصادياً، في حين كان المطلب الأميركي منه هو التوقف عن نقل الأسلحة عبر سورية إلى "حزب الله" في لبنان، و"حماس" في غزة.

ونقلاً عن كيري، قال الكاتب: "لقد أوصلنا رسالة قوية جداً هي من الأفضل لك إيقاف ذلك وإلا...". وقال كيري للكاتب إنه لم يتحدث عن هذه النقطة علناً من قبل، ويقصد استعداد الأسد لإبرام اتفاق مع اسرائيل. وتأكيداً لكلامه، فقد أشار إلى وجود خطاب ما زال يحتفظ به وقّعه بشار الأسد كضمان خطي لاستعداده الاعتراف بإسرائيل وفتح سفارة سورية لديها مقابل إنقاذ بلاده اقتصادياً وانسحاب إسرائيل من المرتفعات السورية، لكن الكاتب حرص على القول إن الحكومة السورية نفت أن يكون الأسد قد كتب أو وقّع مثل هذا الخطاب، مثلما ينفي النظام السوري قمعه لشعبه. وكان النظام السوري يريد أيضاً، حسب ما نقله كيري للكاتب، المساعدة في مد خط أنابيب يربط بين سورية والعراق، وتقديم مساعدة تقنية في مجال الرعاية الصحية للمواطنين السوريين. ومن المفارقات أن الكاتب، الذي ينتمي ليهود أميركا الليبراليين، يكشف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الذي رفض السلام مع سورية، إذ قال الكاتب: "جاء بيبي (بنيامين) إلى واشنطن، وعندما طُرح عليه العرض السوري، كان أول ما تفوه به وهو في المكتب البيضاوي لا أستطيع أن أفعل هذا. لا أستطيع الموافقة".

وعلى الرغم من تفاؤل كيري وتصميمه على إحداث اختراق في الملف السوري، فإنه قال للكاتب: "نحن أمام طريق شبه مسدود. فالروس والإيرانيون لن يعترفوا بتهاوي نظام الأسد. وحتى نكون واقعيين، ما نسعى إليه في سورية هو انتقال سياسي، وليس تقويض النظام. لا أحد يريد للمؤسسة السياسية في سورية أن تنهار كما حدث في العراق. لا أحد يريد لنظام الأسد أن ينهار على غرار نظام صدام حسين".

اقرأ أيضاً: سفيرة أميركا لمجلس الأمن: لا حل دون ذهاب الأسد

المساهمون