توزيع أراضي غزّة... حلّ معيشي للموظفين يعمّق الانقسام الفلسطيني

توزيع أراضي غزّة... حلّ معيشي للموظفين يعمّق الانقسام الفلسطيني

21 نوفمبر 2015
لا يتقاضى معظم موظفي الحكومة كامل رواتبهم(سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أشهر من النظر في توزيع أراضٍ حكومية لموظفي حكومة غزة السابقة، الذين لا يتلقّون إلّا أجزاء قليلة من رواتبهم، قررت الحكومة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القطاع، البدء خلال الأسابيع القليلة المقبلة في توزيع أراضٍ حكومية، بدلاً من مستحقات موظفيها التي تزايدت بشكل كبير، مع تسلّم حكومة الوفاق الوطني مهامها، وإهمالها غزة.

وجاء الإعلان على لسان عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، زياد الظاظا، في ندوة حول رواتب موظفي غزة، يوم الجمعة، إذ أعلن المسؤول السياسي والمالي في الحركة الإسلامية، أنه سيتم توزيع مستحقات الموظفين عن طريق توزيع الأراضي وتصفير حسابات الموظفين من ديون البلديات والكهرباء.

ويؤكدّ الظاظا، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنّ "حماس" تتعامل مع الأمور بواقعية، وأنّها قدمت لهم (للسلطة) الحكومة القائمة، ليقوموا بالتزاماتهم جميعاً، لكنهم (حكومة الوفاق) لم يقوموا بشيء، وتركوا الأمور لتصبح فوضى عارمة في غزة. ويشير الظاظا إلى أنّ توزيع أراضٍ حكومية سيتم عبر جمعيات إسكان للموظفين من ذوي الدخل المحدود، حفاظاً على الأرض، وتوزيعاً لمواقع إسكانية جديدة متناسبة ولازمة، فضلاً عن توفير السكن للموظفين من الدخل المحدود.

ويوضح أنّ حكومة رامي الحمدلله لم تقم بالتزاماتها تجاه غزة، وأنّ حركة "حماس" مرجعية سياسية لإدارة الشأن الفلسطيني في غزة، داعياً السلطة والرئيس الفلسطيني محمود عباس لتنفيذ الاتفاق الموقّع بين جميع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، وتطبيقه على أرض الواقع، لإنهاء الانقسام والأزمات. ويبيّن أنّ الحكومة في رام الله مطالبة بأن تقوم بواجباتها الاقتصادية والإدارية والأمنية تجاه الشعب الفلسطيني، والموظفون جزء لا يتجزأ من هذه الالتزامات، وهي (الحكومة) من دون ذلك، تتخلى عن مسؤولياتها، فضلاً عن أنها تعمل بشكل أو بآخر على ترسيخ الحصار في غزة.

في المقابل، يشير المتحدّث باسم حركة "فتح"، فايز أبو عيطة، إلى أنّ قرارات "حماس" الأحادية، ستعمل على تعزيز الانقسام الفلسطيني، وستجعل فرص إنهائه ضئيلة للغاية، بسبب ما سمّاه "تنكّرها" لحكومة الوفاق الوطني، وعدم تمكينها من العمل في غزة. ويقول أبو عيطة لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه القرارات تعبّر عن موقف حركة "حماس" من المصالحة، وعدم رغبتها في إتمامها، وتنصّلها من اتفاق الشاطئ الذي وُقّع بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية، والذي بموجبه شُكّلت حكومة الوفاق الوطني.

ويلفت أبو عيطة إلى أنّ هذه الخطوات تعني بشكل واضح عدم اعتراف حركة "حماس" التي تدير شؤون القطاع بحكومة التوافق، مشيراً إلى أنّ قراراتها ستؤدي لتعميق الانقسام بشكل أكبر، وستُعقّد الموقف على الساحة السياسية المحلية، بدلاً من أن تساهم في حل الموقف. ويطالب المتحدّث باسم "فتح"، حركة "حماس"، بالتراجع عن القرار والتعاون بشكل أكبر مع حكومة الوفاق والرئاسة الفلسطينية من أجل حلّ كافة الملفات العالقة، والتوصل لحلول تحقق المصالحة الوطنية، وتُمكِّن حكومة التوافق من العمل بشكل كبير في غزة.

اقرأ أيضاً: "حماس" ستوزع أراضي حكومية لموظفيها بدل مستحقاتهم

ويلفت أبو عيطة إلى أمر قانوني، إذ يتعارض قرار "حماس" الجديد مع القانون الفلسطيني، كونه لم يصدر عن مؤسسات السلطة الفلسطينية، داعياً إلى العمل من أجل التوصل لحلول تُنهي الأزمة الحالية، وفقاً لما تم التوافق عليه في اتفاقات المصالحة الموقّعة بين الأطراف.

وفي السياق، يبيّن الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ القرار الأخير خطورته في بُعده الاستراتيجي، إذ إنّ الأراضي الحكومية هي وديعة لدى الحكومات للأجيال اللاحقة، لبناء مستشفيات ومدارس، مبيّناً أنّ القرار يعزّز الانقسام، ويجعل الكثير من الفلسطينيين غاضبين، سواء السلطة أو الشعب، "عندما تصادر أملاكاً عامة، أنت بذلك تمسّ كل مواطن"، متمنّياً أن يكون القرار الجديد ضغطاً من "حماس" على السلطة والحكومة لدفعهما لفتح حوار جدي لحل أزمة الموظفين ورواتبهم، مستدركاً أنه "لا يجب في لحظة ضغط لحكومة حماس، أن تفرّط بمستقبل أجيال مقبلة، فلا يجب أن نفك أزمة آنية بأزمة استراتيجية"، معبّراً عن خشيته من إقدام الحكومة في غزة على تنفيذ قرارها الجديد.

من جانبه، يصف مدير مركز "أبحاث المستقبل" في غزة، إبراهيم المدهون، القرارات الأخيرة لحركة "حماس" في غزة بـ"الاضطرارية"، بسبب ما يسميه "تنصُّل السلطة الفلسطينية والحكومة من نحو 50 ألف موظف في غزة، وعدم دمجهم ضمن مؤسسات السلطة الرسمية". ويوضح المدهون لـ"العربي الجديد"، أنّ الساحة السياسية الفلسطينية ستعيش مرحلة معقّدة بفعل هذه القرارات، وستعمل على تعكير الأجواء بشكل أكبر بين حركتي "حماس" و"فتح"، وهو الأمر الذي سيسهم في تعطيل ملف المصالحة في المرحلة المقبلة.

ويشير المدهون إلى أنّ "حماس" ذهبت لهذه القرارات بعدما فقدت الأمل في إمكانية التوصل لاتفاق مصالحة حقيقي مع حركة "فتح" والرئيس عباس، بفعل رفضهم إيجاد حلول تنهي أزمة موظفي غزة المتفاقمة منذ أكثر من عام ونصف.

ويرجح أن "تعمل هذه القرارات على فرض واقع جديد ستتحمل حركة حماس أعباءه في المرحلة المقبلة، وسيؤدي إلى تعقيدات كبيرة على الساحة السياسية، بفعل المواقف الأحادية التي أقرتها الحركة لحل أزمة مستحقات الموظفين المتراكمة"، لافتاً إلى أنّ "حماس" ستُسخِّر دعم الأطراف الإقليمية المؤيدة لها، والتي دفعتها نحو ترك الحكم في غزة، لدعم موقفها تجاه حكومة الوفاق، التي تنصلت من أداء دورها في غزة، ورفضت الاعتراف بالموظفين الذين عيّنتهم الحركة بعد سيطرتها على القطاع منتصف عام 2007".

اقرأ أيضاً: "حماس" ترفض "ضمنياً" اتفاق السلطة ومصر حول معبر رفح