السبسي في القاهرة: العلاقات الثنائية أولاً ووساطة مؤجّلة مصريّاً

السبسي في القاهرة: العلاقات الثنائية أولاً ووساطة مؤجّلة مصريّاً

04 أكتوبر 2015
أفكار السبسي مصرياً لا ترتقي إلى المبادرة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تحمل زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، إلى القاهرة اليوم الأحد بدعوة من نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، أهمية كبرى، خصوصاً على الصعيد السياسي، وقد تُشكّل فرصة لانطلاقة جديدة للعلاقات التونسية المصرية التي سادها الكثير من التوتر في السنوات الأخيرة، وتظل تسودها خلافات جوهرية حتى الآن، سيكون من المستبعد أن يلغيها هذا اللقاء بشكل كامل أو على الأقل بسرعة كبيرة، على الرغم من تفاؤل البعض بذلك.

ويعود السبب الرئيسي للخلاف بين تونس ومصر إلى زمن "الترويكا"، عندما كانت حركة "النهضة" تقود الحكومة، وكان الرئيس السابق منصف المرزوقي يشرف على السياسة الخارجية لتونس بحكم الدستور المؤقت أو القانون المنظم للسلطات، وكان المرزوقي والحكومة يعتبران في الوقت نفسه أن ما حدث في مصر انقلاب على الشرعية بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، غير أنه لم يكن رأي الحكم فقط في تونس وإنما كان أيضاً رأي جزء من المعارضة الديمقراطية فيها.

ولكن الجميع في تونس سلّم سياسياً بالأمر الواقع، وتمترست المواقف التونسية وراء تقاليدها الحقوقية خصوصاً بعد تكرر أحكام الإعدام، وصدرت عن الجهات الرسمية وقتها، والأحزاب والمنظمات المدنية التونسية، بيانات كثيرة تدعو إلى إيقاف هذه الأحكام وإلى عدم مصادرة حرية التعبير ووقف ملاحقة الصحفيين، وهو ما سبب انزعاجاً مصرياً كبيراً وتوتراً في العلاقات أدى إلى تبادل التهم وحتى الشتائم في وسائل الإعلام بين البلدين.

غير أن السبسي لا ينظر إلى الموضوع من الزاوية نفسها، وخصوصاً أن اختلافات جوهرية تطبع وجهات النظر بين البلدين في العديد من القضايا المشتركة، ومن بينها الملف الليبي والتوازنات السياسية الداخلية في مصر وفي تونس. وفي حين سلكت تونس نهج التوافق مع حركة "النهضة" الإسلامية، اعتمدت القاهرة طريق المواجهة مع "الإخوان"، وهو تباين ليس بالسهل. وتريد تونس، بل السبسي بالذات، إقناع الرئيس المصري بأنه لا خيار إلا التوافق والجلوس على طاولة الحوار.

ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإن هذا السعي انطلق منذ مدة في محادثات جمعت الرئيسين هاتفياً، وربما يكون هذا اللقاء فرصة حقيقية قد يتمكن خلالها السبسي من إقناع نظيره المصري ببداية التفكير في هذا الأمر، خصوصاً أن أطرافاً دولية على رأسها الولايات المتحدة منزعجة من الوضع غير المستقر في مصر، وهو ما عبّرت عنه مساعدة وزير الخارجية الأميركية آن باترسون في لقاءات مغلقة إبان زيارتها الأخيرة إلى تونس، مشيرة إلى أنها تسعى لإقناع أطراف خليجية بالتدخّل للتأثير نحو فرصة ممكنة للحوار.

وتدرك تونس أنها قادرة أكثر من غيرها على القيام بدور ما في هذا الحوار المصري المصري، فتقارُب السبسي ورئيس "النهضة" راشد الغنوشي بإمكانه أن يجعل منهما وسيطَين فاعلين في إقناع النظام المصري وجماعة "الإخوان المسلمين" بجدوى الحوار، لقرب السبسي من السيسي ولإمكانية تأدية "النهضة" دور مع "الإخوان"، وهو ما طُلب منها دولياً من العديد من الجهات التي زارت تونس، ولكن هذا يبقى في رأي قياديّي "النهضة" مرتبطاً باستعداد النظام المصري لذلك.

وعلى الرغم من أن هذه الوساطة تبدو مستبعدة في ظل الظروف الحالية، إلا أنها تتعزز مع المرونة التي أبدتها قيادات "النهضة" وعلى رأسها الغنوشي في التصريحات الأخيرة، إذ تراجعت مواقف الإدانة لصالح ترجيح الحوار في مصر، وأعرب الغنوشي مراراً عن استعداده القيام بأي دور من أجل حقن الدماء المصرية، معتبراً أن "حقن قطرة دم واحدة لمصري تستحق أن يُسافر لها إلى أقصى الدنيا". وأضاف في تصريحات صحفية "أنه إذا قدّرت الأطراف المعنية بالشأن المصري أننا يمكن أن نقوم بدور للمصالحة فإننا سنكون سعداء بذلك".

اقرأ أيضاً: الغنوشي:يمكننا القيام بدور للمصالحة في مصر متوقعاً وساطة سعودية

ويأتي هذا الموقف بناءً على فلسفة "النهضة"، التي أكدت جدواها التجربة التونسية، من أنه لا يمكن لطرف في أي مجتمع أن يقصي الآخر مهما كان ميزان القوى، ولذلك قال الغنوشي: "واهمٌ من يظن أن الجيش سينسحب من السياسة جملة واحدة، وواهمٌ من يظن أن الأرض ستنشقّ عن الإخوان وتبتلعهم، ولا أرى حلاً سوى بتصالح الجيش والإخوان والأقباط والليبراليين، فهذه هي مصر الحقيقية".

تجربة التقارب مع الإسلاميين في تونس التي تحوّلت إلى تشاركٍ في الحكم، وأدت إلى نزع فتيل المواجهة وإلى مراجعات كبيرة في فكر الحركة الإسلامية وبحثها عن جذور إصلاحية لتتمكن من الاستمرار في مجتمعات مفتوحة ومتطورة، تبدو قادرة على زحزحة الموقف المصري، وربما يبذل السبسي جهداً كبيراً في هذا الاتجاه لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجه، على الرغم من أن هناك ما قد يدعو إلى التفاؤل نسبياً في هذا الخصوص.

فالملف الليبي كان من أبرز نقاط الخلاف بين تونس والقاهرة، ولكن تونس ومعها الجزائر تمكنتا من تقليص الحماسة المصرية المفرطة إلى التدخل العسكري في ليبيا. وسعت القاهرة في بداية الأزمة بعد قتل عدد من المصريين في ليبيا، إلى البحث عن غطاء دولي وعربي من أجل هذا التدخّل، ولكن الجزائر وتونس رفضتا بشكل مطلق أي تدخّل عسكري في ليبيا تحت أي مسمى، إيماناً بأن الحوار هو الحل الوحيد في ليبيا، وتبنّت مصر بدورها هذا الخطاب في الفترة الأخيرة على الرغم من أن المصالح تبقى متضاربة وشكل الحل النهائي في ليبيا ما بعد الحوار يبقى أيضاً محل خلاف، ففي حين تذهب تونس إلى موقف الحياد من الأطراف المتصارعة، تميل القاهرة إلى دعم جهة على أخرى. غير أن مصلحة البلدين تضررت كثيراً من الوضع الليبي، فمئات آلاف العمالة التونسية والمصرية وجدت نفسها على الحدود منذ انطلاق الأزمة، ما يعني أن من مصلحتهما معاً العمل على دفع الجهود من أجل عودة الاستقرار سريعاً إلى البلد الذي يتوسطهما.

ويبدو أن كل هذه المواضيع ستوضع على طاولة البحث بين الرئيسين المصري والتونسي اليوم، وهو ما أكده المساعد السابق لوزير الخارجية المصري ناجي الغطريفي، الذي أعلن أن زيارة السبسي إلى القاهرة، لها أهمية كبرى، في إطار دعم العلاقات الثنائية بين البلدين، مضيفاً أن هناك عدداً من الموضوعات سيتم التباحث بشأنها بين الرئيسين المصري والتونسي، وفي مقدمتها قضية الأمن، والتي سيكون لها أولوية في ظل الخروقات التي تتعرض لها تونس من الجنوب والخارج.

وعن الجانب السياسي، أشار إلى أن اللقاء سوف يتضمن تبادل وجهات النظر في ما يتعلق بـ"الإسلام السياسي" وكيفية التعامل معه، موضحاً أن تونس تعاملت مع جماعة "الإخوان" بطريقة مختلفة عن مصر، بالتالي لا بد من بحث أوجه الاختلاف في مواجهة تونس للقضية والتي اتسمت بالسلمية، على عكس تعقّد الموقف في مصر. ولفت إلى أن الرئيسين سيتطرقان إلى مشاكل الصيادين المحتجزين لاختراقهم المياه الإقليمية التونسية، بالإضافة إلى التباحث حول مجمل الأوضاع العربية، والعلاقات مع أوروبا، مؤكداً أن الملف الليبي سيحتل الصدارة في مباحثات الرئيسين بوصف بلديهما من دول الجوار الليبي، ومن ثم التطرق إلى تأمين الحدود.

اقرأ أيضاً: المرزوقي: الثورة المضادة في مصر تغذي ثورة جديدة