جنوب السودان إلى الصدام مع الأمم المتحدة

جنوب السودان إلى الصدام مع الأمم المتحدة

04 أكتوبر 2015
طالب بان فريقي النزاع بـ"عدم خيانة الاتفاق" (فرانس برس)
+ الخط -
بدأت تلوح في الأفق بوادر مواجهة جديدة بين دولة جنوب السودان والمجتمع الدولي، بعد اعتذار الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت، عن المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاجتماع الخاص بسلام جنوب السودان، الذي عُقد على هامش أعمال الجمعية بنيويورك، احتجاجاً على ما اعتبرته جوبا "استخفافاً بها".

ووجّه النظام في دولة جنوب السودان انتقادات لاذعة للأمم المتحدة، مؤكداً أنها "تُعامل الرئيس سلفاكير كصبي في المدرسة". كما احتج بقوة، على دعوة زعيم المتمردين رياك مشار، إلى نيويورك قبل سلفاكير بثلاثة أيام. وتعتبر جوبا أنه "يُمكن إدراج ذلك في إطار الاستفسارات". وعلمت "العربي الجديد" من مصادر موثوقة، أن "سلفاكير واجه ضغوطاً داخلية للاعتذار عن المشاركة في اجتماعات نيويورك، كما تمّ ترهيبه بخطط المجتمع الدولي في تقديم مشار بديلاً له".

لكن أتينج ويك، السكرتير الإعلامي لسلفاكير، يؤكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الاهتمامات الداخلية للرئيس، كانت أهم من المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة، لذا أوفد نائبه (جيمس واني ايغا) بدلاً عنه".
وينتقد ويك في الوقت نفسه بشدة، دعوة الأمم المتحدة لمشار، ويعتبرها "خطوة غريبة من نوعها أن يحضر زعيم متمردين أعمال الجمعية العمومية". لكنه يشدد على أن "لا ممانعة بدعوة المتمردين، إذا كانت تصبّ في صالح السلام"، ملمّحاً إلى "إمكانية استغلالها في تغذية طموحات مشار نحو السلطة". ويوضح ويك أنه "إذا مُنِحَ مشار شرعية بهذه الدعوة، فإنها تُشكّل سابقة خطيرة، خصوصاً أن هنالك دولاً تحاول تغيير النظام الحالي". وأقرّ ويك بتوتر علاقة جنوب السودان مع المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن "الوضع موروث عن السودان الموحّد". ويشدد على أن "التوتر هو مع دول بعينها، وليس كل المجتمع الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة".

اقرأ أيضاً: ازدياد حالات سوء التغذية في جنوب السودان

بدوره، يوجّه نائب رئيس دولة جنوب السودان جيمس واني ايغا، انتقاداته للأمم المتحدة، مشيراً إلى أنه "عومل كمسافر عادي عند وصوله نيويورك". ويشير إيغا إلى أنه "تمّ تجاهل مراسم وبروتوكول المنظمة الدولية في استقباله، أسوة بقادة الدول الأخرى وكبار المدعوين. الأمر الذي عُدّ فيه عدم احترام لحكومة وشعب جنوب السودان".

ويرى مراقبون أن "تزامن الدعوة مع العقوبات التي حاولت واشنطن تمريرها ضد قادة كبار في حكومة جنوب السودان، بينهم الذراع الأيمن للرئيس سلفاكير، رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي بول ملونق، فضلاً عن الصراع الداخلي بين تيارين، أحدهما يؤيد السلام والآخر ضده مؤيداً الحسم ضد المتمردين، قاد لغياب سلفاكير عن اجتماعات نيويورك، على الرغم من أهميتها".

ويرى مدير مركز "دراسات السلام والتنمية" في جامعة جوبا، لوكا بيونق، أن "الحرب وتقارير المنظمات الدولية عنها فيما يتصل بالانتهاكات، أدت إلى توتر العلاقات بين جوبا والأمم المتحدة أخيراً". ويلفت بيونق في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إلى أن "استمرار التوتر مرتبط بتنفيذ اتفاقية السلام، فإذا وجد المجتمع الدولي إرادة سياسية لتطبيق الاتفاقية، قد يتغير الوضع جذرياً". ويضيف أن "أي فشل في التطبيق، من شأنه أن يُعقّد الموقف أكثر".

وكانت العلاقة بين جوبا والأمم المتحدة قد تردت بعد اندلاع الحرب في جنوب السودان، بفعل اتهام الجنوب سودانيين لبعثة الأمم المتحدة في جوبا بمساعدة المتمردين. كما أقدمت جوبا في مايو/أيار الماضي، على طرد منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة توبي لانزر، باعتباره "شخصاً غير مرغوب فيه"، وتبعه قرار من حاكم ولاية الوحدة في جنوب السودان، يقضي بطرد رئيس بعثة الأمم المتحدة في الولاية ماري كامينز، على خلفية تقارير بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان. الأمر الذي أثار حفيظة الأمم المتحدة، واعتبرته دليلاً على "عدم مبالاة الحكومة بالبؤس الذي يعيشه شعب جنوب السودان".

وسبق أن اشتكى سلفاكير العام الماضي للأمم المتحدة من البعثة الأممية في جوبا، مؤكداً أنها "لم تعد تساعد السلطات في الجنوب على بناء القدرات وبناء السلام". وطالب بـ"إعادة النظر في قرارات الأمم المتحدة بالتمديد للبعثة مع منحها الحق في استخدام القدرة والموارد المتاحة لديها لحماية المدنيين". وفي خطابه، يوم الثلاثاء، طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، كلاً من سلفاكير ومشار بـ"عدم خيانة المنظمة الدولية"، في إشارة للالتزام بتنفيذ اتفاقية السلام.

وواجهت اتفاقية السلام في جنوب السودان، التي وقّعها الطرفان في أغسطس/آب الماضي، عثرات كثيرة بينها تجدّد العمليات القتالية بصورة متفرقة، وفشل اجتماعات أديس أبابا الخاصة بمناقشة بند الترتيبات الأمنية ووضع خارطة للتنفيذ، بعد اتفاق الطرفين على خمسة نقاط واختلفا حول أعداد قواتهما واخلاء العاصمة من الجيش، كما طالب المتمردين بنزع سلاح الأمن، الأمر الذي رفضته جوبا باعتبار ذلك "خطّاً أحمر ويمسّ بالسيادة".

ويلفت المحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "توتّر العلاقة مع الأمم المتحدة، مرتبط بالضغط الذي مارسته الأخيرة للتوقيع على الاتفاقية والتلويح بالعقوبات. الأمر الذي غذّى التوتر الموجود أساساً". ويضيف "من الواضح أن سلفاكير يسير نحو معاداة المجتمع الدولي، ظنّاً منه أن هناك شيئاً يُطبخ ضده، غير أنه من المرجّح أن يكون الوضع الصحي للرئيس دفعه للاعتذار، باعتبارها رحلة طويلة".

ويلفت أبو إدريس، إلى أن "التوتر سيستمر إلى حين تشكيل الحكومة الانتقالية، باعتبارها ستخلق واقعا مختلفا بوجود شركاء متعددين"، معتبراً أن "غياب سلفاكير أفقده ثقله كرئيس حكومة، وفتح الفرصة أمام منافسيه وأضاع عليه فرص عقد اجتماعاته برؤساء ومسؤولين لشرح وجهة نظره".

اقرأ أيضاً: السودان: المعارضة ترفض "المحفّزات التكتيكيّة" للحوار

المساهمون