الاقتصاد الأردني في عهد السلام: التبعية لإسرائيل قدر

الاقتصاد الأردني في عهد السلام: التبعية لإسرائيل قدر

20 أكتوبر 2014
احتجاجات بسبب الأوضاع الاقتصادية في الأردن (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

صُوّرت معاهدة السلام يوم وقّعها الأردن مع إسرائيل قبل عشرين عاماً، على اعتبارها المنقذة للأوضاع الاقتصادية التي تعيشها المملكة، المحاصرة بمديونية تعجز عن سدادها، مغرية المواطنين لتقبل المعاهدة بالمشاريع الضخمة التي تنتظرهم لتستوعب البطالة، وبأسواق عالمية ستفتح أمام منتجاتهم، وهي الصورة التي رُسمت بناءً على الوعود التي قطعتها الدولة الراعية للسلام، أي الولايات المتحدة.

أول تحفيز جاء عام 1996، عندما قرر الرئيس الأميركي آنذاك، بيل كلينتون، الراعي الرسمي لـ"وادي عربة" (معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية)، إعفاء البضائع المنتجة في المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن من أي رسوم جمركية عند دخولها إلى بلاده من دون تحديد كميتها، شرط أن تكون السلع المنتجة فيها، مشتركة بين الأردن وإسرائيل، وهو القرار الذي أعقبه في العام 1997 توقيع الأردن اتفاقية مع إسرائيل تُحوّل مدينة الحسين الصناعية شمالي الأردن، إلى منطقة اقتصادية مؤهلة، ما سمح بدخول منتجاتها إلى الأسواق الأميركية عبر اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

يقول الخبير الاقتصادي الأردني مازن مرجي إن "أول تحفيز اقتصادي تنفيذاً لمتطلبات السلام رسّخ تبعية الاقتصاد الأردني لإسرائيل".

ويشير مرجي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى الدور الذي أدّته الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية لإنشاء المناطق المؤهلة التي بلغ عددها 13 منطقة، في إضعاف الاقتصاد الأردني وتبعيته لإسرائيل، عندما فرضت الاتفاقية ما نسبته 11,7 في المائة، من مدخلات الإنتاج (الموارد) من المناطق الصناعية، مقابل 8 في المائة مدخلات إسرائيل، و15,3 في المائة مدخلات الأردن أو إسرائيل أو أي منطقة صناعة مؤهلة أخرى، فيما منحت الاتفاقية الـ65 في المائة المتبقية لأي مكان في العالم، وهي النسبة التي حازها الشرق آسويين.

ورغم ارتفاع صادرات المناطق المؤهلة إلى السوق الأميركي، والتي سجلت أكبر رقم لها عام 2009 بواقع مليار و749 مليون دولار، مقارنة بثلاثة ملايين دولار في العام 1999، إلا أن ذلك لم ينعكس على الاقتصاد الأردني، كما يحلل مرجي.

ويشير مرجي إلى أن زيادة الصادرات الأردنية، ضمن الحصة المحددة لها في مدخلات الإنتاج، في المناطق المؤهلة، انعكس فقط على الميزان التجاري الأردني، من دون أن ينعكس على مؤشرات الاقتصاد الكلي والتنمية، نتيجة الإعفاءات من الضرائب والرسوم، والمعاملة التفصيلة للمستثمرين، في تلك المناطق، بما يحرم الاقتصاد الوطني من العائدات.

وحول ما يُروَّج عن استيعاب المناطق المؤهلة للعمالة الأردنية، تكشف أرقام النقابة العامة للعاملين في الغزل والنسيج، السلعة الوحيدة التي تنتجها المناطق التي تضم 97 شركة، ضآلة العمالة الأردنية مقارنة بالوافدة.

ووفقاً لأرقام النقابة للعام 2014 بلغ مجموع العمالة في جميع المناطق المؤهلة، 540 ألفاً و137 عاملاً وعاملة، كانت حصة الأردنيين 14 ألفاً و453 عاملاً وعاملة فقط.

محدودية العمالية الأردنية يعزوه مرجي إلى النسبة المحددة للأردن في مدخلات إنتاج المناطق المؤهلة، والتي حالت من دون تشغيل الأردنيين، ما يعني برأيه انتفاء أحد أهم الأسباب التي أقيمت من أجلها تلك المناطق على اعتبارها فرصة للقضاء على البطالة.

من جهته، يضيف رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، في حديث لـ"العربي الجديد"، سبباً آخر لعزوف الأردنيين عن العمل في المناطق المؤهلة، ألا وهو ارتباط رواتبها بالحد الأدنى للأجور المحدد في الأردن بـ190 ديناراً، (نحو 267 دولاراً)، وهو الذي كان عندما بدأت المناطق عملها 85 ديناراً (نحو 120 دولاراً).

وفشلت المناطق الصناعية المؤهلة، نتيجة لارتفاع كلفة المنتج الإسرائيلي الداخل في الصناعات، وفقاً لدراسة أصدرتها وزارة الصناعة الأردنية عام 2005، إضافة إلى فقدان منتجاتها ميزة بالدخول إلى الأسواق الأميركية بعد أن فُتح المجال اعتباراً من العام 2005 أمام صادرات نسيج مماثلة، وهو ما دفع الإسرائيليين لتصفية استثماراتهم، حين باع آخر إسرائيلي يمتلك استثمارات هناك حصته منتصف عام 2013، إلا أن هذا الخروج لم يغير حصة الأردن من عملية الإنتاج التي بقيت ثابتة، بعد أن استحوذ المستثمرون على الحصة الإسرائيلية.

اليوم، في الذكرى العشرين لمعاهدة السلام، تمضي الحكومة الأردنية في خططها لتوقيع صفقة لشراء الغاز من إسرائيل لمدة 15 عاماً، لينتقل الاقتصاد الأردني من التبعية لإسرائيل، إلى الاعتماد الكامل عليها، كما يرى أستاذ الاقتصاد سليمان الشياب، في حديث لـ"العربي الجديد"، وذلك من خلال رهن جزء كبير من ملف الطاقة الذي يشكل عصب الاقتصاد بمزوّد واحد.

ولا تُلقي الحكومة الأردنية في مسعاها بالاً لحملة المقاطعة التي انطلقت رفضاً للصفقة، تماماً كما لم تهتم في وقت سابق للحملات واللجان التي تأسست للترويج للمقاطعة والضغط على الحكومة لوقف استيراد المنتجات الإسرائيلية التي غزت الأسواق الأردنية، بل عمدت إلى محاربتها من خلال تشجيع التبادل التجاري مع إسرائيل، كما يتهمها القائمون على لجان مقاومة التطبيع، لتصبح التبعية والاعتماد الاقتصادي الأردني على إسرائيل قدراً، كما هي المعاهدة.

المساهمون