"رابطة المستقلين السوريين".. كسر "ثنائية الاحتكار" الكردية

"رابطة المستقلين السوريين".. كسر "ثنائية الاحتكار" الكردية

13 يونيو 2016
تأسيس الرابطة يثير استياء بعض الأكراد (فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن المشهد السياسي السوري الكردي مرتبكاً ومتشظياً كما هو عليه اليوم، إذ تتبادل أطرافه، وتياراته، وأحزابه تهم "التخوين" وسط حالة من تضارب المصالح الحزبية الضيقة تشير إلى "كباش سياسي"، لن ينتهي في المدى المنظور مع اتجاه الملف السوري برمته إلى مزيد من التعقيد، والتشابك الذي يدفع المدنيون السوريون من كل مكوناتهم ثمنه الباهظ.

وشرع مجموعة من المعارضين الكرد المستقلين في محاولة لكسر "ثنائية الاحتكار" السياسي للحالة الكردية السورية والمتمثلة بـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" بزعامة صالح مسلم، وأحزاب متحالفة معه، وبين المجلس الوطني الكردي من خلال تشكيل كيان سياسي رأى النور منذ أيام.

وأعلنت مجموعة من المعارضين السوريين الكرد تأسيس "رابطة المستقلين الكرد السوريين" في مدينة أورفا في جنوب تركيا السبت الماضي لـ"إيصال الصوت الكردي المستقل إلى مختلف المنابر المحلية والاقليمية والدولية"، وفق بيان تأسيس الرابطة. وقال رديف مصطفى وهو نائب رئيس الرابطة، إنها "تجمع كردي وطني مستقل ينشط في الحقل السياسي، والاجتماعي، والتنموي، وتضم الكرد المؤمنين بالثورة، وأهدافها ومبادءها"، مشيراً إلى أنها "إحدى مكونات الثورة السورية، وتعمل لإنهاء الاستبداد في سورية ومحاكمة القتلة، وبناء دولة الحرية، والعدالة".


وحضر ممثل عن الائتلاف الوطني السوري، وممثلون عن المجلس الوطني الكردي السوري، وقوى الثورة في الداخل السوري مؤتمر إطلاق الرابطة الذي تمخض عن مجلس إدارة مؤلف من 31 عضواً يرأسه عبد العزيز التمو. وأكد مصطفى في حديث مع "العربي الجديد" أن الرابطة الوليدة "ليست حزباً سياسياً، ولكنْ لدينا موقف سياسي واضح"، مشيراً إلى أن "حزب الاتحاد الديمقراطي"، والمعروف اختصاراً بـPYD و"تفريخاته" هم "الخصوم السياسيون للرابطة"، موضحاً أنها تتلقى الدعم من "رجال أعمال كرد، وطنيين، ونبلاء"، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن الرابطة تضم أعضاء من جبل الأكراد بالساحل السوري، وصولاً إلى مدينة ديريك في محافظة الحسكة (أقصى شمال شرق سورية)، لافتاً إلى أن هناك تنظيماً "سرياً" يتبع الرابطة في الداخل السوري.


وحول العلاقة مع تركيا، أشار مصطفى إلى أنه "لا توجد إلى الآن أية مواقف تركية رسمية اتجاه الرابطة"، مضيفاً "ولكن سماحهم لنا بعقد المؤتمر على الأراضي التركية، وتسهيل دخول القادمين من أوروبا لحضور المؤتمر كان إيجابياً"، لافتاً إلى أن أعضاء الرابطة يعملون على الشأن السوري "ولا نتدخل بالشأن التركي". ولكن هذه الخطوة لم تجد ترحيباً من "حزب الاتحاد الديمقراطي" بل شن عليها الأخير حملة إعلامية للتقليل من شأنها، بحيث اعتبرها مستشار الرئاسة المشتركة للحزب سيهانوك ديبو "طبخة بحص على جرة غاز تركية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الشعب يهمه النتائج، ولا يلتفت إلى هذه الطبخات".


وتشهد الساحة السياسية السورية الكردية حالة انقسام حاد منذ بدء الثورة السورية في منتصف مارس/آذار من عام 2011، كرّسها، وفق مراقبين، "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي يعد الجناح السوري لـ"حزب العمال الكردستاني" والساعي إلى الاستحواذ على المشهد السوري الكردي برمته بـ "القوة" من خلال ذراعه العسكرية وهي الوحدات الكردية التي تسيطر على مساحات كبيرة في شمال سورية بالتوافق مع النظام، وتُتهم بالتنسيق المباشر معه في عملياتها العسكرية ضد المعارضة المسلحة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

كما اتهمت منظمات دولية منها منظمة العفو الدولية هذه الوحدات بممارسة عمليات تهجير وتطهير بحق عرب، وتركمان في شمال سورية إثر انتزاعها السيطرة على مدن، وبلدات، وقرى، من تنظيم "الدولة الإسلامية"، كما حدث العام الفائت في مدينة تل أبيض وريفها، وفي مناطق في محافظة الحسكة التي تتشاطر السيطرة عليها مع قوات النظام. ولكن سيهانوك ديبو ينفي وجود حالة انقسام كردي في سورية، مضيفاً "يوجد كتلة تضم عشرات الأحزاب الكردية ومن ضمنها حزبنا، تقوم بواجبها وأثر غيابها عن المشهد السوري المتعلق بالمفاوضات في جنيف وأدى إلى الفشل، وهناك تكتل لا تفيده محاولة التجديد المدعومة من تركيا، ودول أخرى أساءت إلى القضية السورية عامة، وقضية الشعب الكردي في سورية على وجه الخصوص"، معرباً عن اعتقاده أن هذا التكتل "أشبه بمن ينفخ في قربة مقطوعة"، على حدّ قوله.


من جهته، يرى المحلل السياسي السوري الكردي إدريس نعسان أن ولادة "رابطة المستقلين الكرد السوريين" في تركيا التي اعتبرها "دولة تحارب الأحلام والطموحات الكردية" يظهر بوضوح أنها ليست إلا للإضرار بمكتسبات الشعب الكردي في "روج آفا" (التسمية المعتمدة لدى حزب الاتحاد الديمقراطي لشمال شرق سورية، وتعني غرب كردستان)، وفق قوله. وأشار نعسان، وهو مقرب مما يسمى بـ "الإدارة الذاتية" في شمال وشمال شرق سورية والتابعة لعدة أحزاب كردية، إلى أن "المساعي التركية وسياستها المعارضة للكرد باتت تسجل إخفاقات مستمرة، وبات الموقف التركي سلبيا وضعيفا في المحافل الدولية، ولذلك تحاول تركيا وحليفاتها من المعارضة السورية المستضافة لديها استخدام الكرد ضد بعضهم بعضاً، ليحققوا ما عجزوا عن تحقيقه بالموافقة المباشرة".

ودعا نعسان كل الأطراف والأحزاب الكردية إلى الانضمام إلى "الإدارة الذاتية"، والتي "تشتمل على مكونات مختلفة"، وفق قوله، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن هناك جهوداً وصفها بـ"الحثيثة" لتشكيل فيدرالية في شمال سورية، مضيفاً "كل من يريد أن يعمل لقضيته، ومصالح شعبه يمكنه الانضمام إليها، ولعب دوره الفاعل فيها، خصوصاً أن الكرد على مختلف توجهاتهم راهنوا على الصيغة الفيدرالية كحل للأزمة السورية والقضية الكردية"، وفق نعسان.

بدوره، شن رديف مصطفى، وهو من المؤسسين للرابطة، ونائب رئيسها هجوما على حزب العمال الكردستاني "وبجميع أسمائه المستعارة، والاتحاد الديمقراطي يعتبر جزءا منه". وقال في حديث مع "العربي الجديد": "هذا الحزب لا يحترم العلاقة البينية الكردية، فالآخر الكردي المختلف بالنسبة له هو مشروع للاحتواء، أو للهيمنة، أوالمحو".



وقال مصطفى إن حزب PYD اتخذ موقفاً معادياً للثورة السورية منذ بداياتها، مؤكداً أنه حزب "مقرب للنظام، وملالي طهران"، مضيفاً: "لذلك هو يعتبر إطلاق صوت كردي وطني ثوري، يطالب بإسقاط النظام، ويدين العدوان الإيراني والروسي على سورية، وله موقف واحد من كافة قوى الإرهاب، يعتبره خطراً سياسياً على إيديولوجيته الشمولية التي تؤمن بالحزب الواحد، والقائد الواحد، والقوة العسكرية الواحدة، والتي جرت أكراد سورية إلى مواقع غير طبيعية نتيجة سياسة حافة الهاوية التي يعتمدها هذا الحزب".

وأشار مصطفى إلى أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم "شنّ حملة هجوم" وصفها بـ"الشرسة" على الرابطة "عبر اختلاق مجموعة من الأكاذيب بلغة غير أخلاقية، تنتمي لثقافة الشتم والتخوين التي تنتمي إلى الاستبداد"، وفق تعبير مصطفى. وكان القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونائب رئيس الائتلاف الوطني السوري عبد الحكيم بشار صرّح منذ أيام بأن "جسد حزب الاتحاد الديمقراطي كردي، ولكن رأسه إيراني"، مشيراً إلى أن إيران تتحكم بإدارة هذا الحزب، وتستخدمه كما تشاء، وأن النظام السوري استخدم PYD بُغية منع الكرد من المشاركة في الثورة السورية، وفق بشار.

ويرى مراقبون أن تشكيل رابطة للكرد السوريين المستقلين خطوة واسعة باتجاه تصحيح بعض المسارات في المشهد الكردي في سورية، ومحاولة لإعادة التأكيد على أن الكرد في سورية هم جزء من ثورتها، إذ أعادت الرابطة إلى الأذهان الدور الكبير الذي قام به أبرز معارضي النظام من الكرد، وهو مشعل التمو الذي اغتيل في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011، وكان يعد واحداً من أبرز رجالات الثورة السورية، والمدافع عن حقوق السوريين، عربهم وكردهم في التخلص من الاستبداد.

المساهمون