موسكو تعزّز حضورها العسكري في حديقة واشنطن الخلفية

موسكو تعزّز حضورها العسكري في حديقة واشنطن الخلفية

17 فبراير 2015
موسكو تردّ على تمدّد واشنطن قرب حدودها (سيفا كاراكان/الأناضول)
+ الخط -
في إطار سعي روسيا إلى تعزيز وجودها في أميركا اللاتينية على مقربة من خصمها الجيوسياسي الولايات المتحدة الأميركية، وتحقيق حضور عسكري هناك يحمي مصالحها ومصالح شريكتها الصين، قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بجولة على دول أميركية لاتينية، شملت فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، ووقع جملة اتفاقيات تتيح للسفن الحربية الروسية حرية أكبر، وتكفل مهام الجيش الروسي بحماية قناة نيكاراغوا التي يزعج بناؤها واشنطن.

رجل المهمات الصعبة
بين الحادي عشر والثالث عشر من فبراير/شباط الجاري، زار وزير الدفاع الروسي الذي سبق أن عمل وزيراً للطوارئ في بلد كان على وشك الانهيار، فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، في مهمة ليست طارئة، ولكنها تحتاج إلى الدقة والصمت والتفكير البعيد المدى.

وفي كل من البلدان الثلاثة، أجرى الجنرال شويغو مفاوضات. وعلى الرغم من عدم إتاحة التفاصيل للإعلام، غير أن ما تم التصريح عنه يغني عن كثير من التفاصيل. ففي إطار جولته في أميركا اللاتينية، وقع الوزير الروسي عدداً من اتفاقيات التعاون العسكري التقني الجديدة. وتم الاتفاق مع فنزويلا على إجراء مناورات عسكرية مشتركة، ومع نيكاراغوا على تبسيط إجراءات دخول قطع الأسطول البحري الروسي إلى موانئ البلاد. وفي كوبا، تمت مناقشة التعاون العسكري البحري والاتفاق على إعداد الكوادر العسكرية الكوبية في روسيا.

الاتفاق الذي تم توقيعه مع نيكاراغوا يسمح للسفن الحربية الروسية بدخول موانئ البلاد العسكرية وفق "نظام الإخطار"، أي من دون إذن مسبق. وعلى وجه التحديد، فإن الحديث يدور عن ميناءي كورينتو وبولفيلدس على المحيط الأطلسي. وبموجب الاتفاق، فإن السفن الروسية تستطيع دخول الميناءين تلقائياً بمجرد إخطارها الجهات النيكاراغوية. علماً أن لدى روسيا مثل هذه الاتفاقات مع سورية وفيتنام. وتم نفي ما تداولته وسائل الإعلام في أن يكون قد جرى الحديث عن بناء قواعد عسكرية بحرية روسية في نيكاراغوا.

وعلى الرغم من أهمية الاتفاق، غير أنه أقل أهمية بكثير من مهمة القوات الروسية المديدة، بل الاستراتيجية في نيكاراغوا. فالتفاصيل التي قد تتكشف مستقبلاً عن عديد وعتاد القوات وكيفية ضمان أمن المشروع الذي يزعج أميركا، ستبين قيمة الوجود الروسي العسكري والأمني الفعلية في أميركا اللاتينية.

قناة بحماية روسية
الأهم بالنسبة إلى روسيا والصين، هو قناة نيكاراغوا التي تنافس قناة بنما الخاضعة للهيمنة الأميركية. ومن الجدير ذكره أنّ هناك اتفاقاً بين روسيا ونيكاراغوا تأخذ الأولى بموجبه على عاتقها ضمان أمن منطقة القناة وحمايتها. مع العلم أنّ الشركة الصينية (HKND) بدأت بأعمال إنشاء هذه القناة منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014، وسوف يبلغ طول القناة المذكورة التي تربط المحيطين الهادي والأطلسي، 278 كيلومتراً. وهي أطول من قناة بنما، وستكون أعرض وأعمق منها، وبالتالي ستكون قدرتها على المنافسة أكبر. فكيف تنظر أوساط الخبرة الروسية المطلعة إلى آفاق هذا المشروع وآفاق الحضور الروسي فيه، بصرف النظر عن الأبعاد الرمزية التي يركو عليها بعضهم؟
نقلت وكالة "تاس" عن مدير مركز "الظروف الاستراتيجية"، إيفان كونوفالوف، قوله إنّ "مهمتنا على خلفية ما يجري على الساحة الدولية، توسيع وجودنا العسكري في أميركا اللاتينية". وأفاد بأنّ بناء قناة نيكاراغوا المنوط بها أن تصبح بديلاً عن قناة بنما، أمر استراتيجي مهم بالنسبة إلى روسيا، وأضاف "بالمعنى الاقتصادي والاستراتيجي، نحن بحاجة إلى علاقات صداقة متينة مع البلاد التي ستكون فيها هذه القناة الاستراتيجية، خصوصاً أنها بلاد تنتهج سياسة موالية لنا على الرغم من كل الأزمات".

كما نقلت "تاس" عن رئيس المركز الدولي للتحليل الجيوسياسي والمدير السابق لإدارة التعاون العسكري في وزارة الدفاع الروسية، ليونيد إيفاشوف، تعليقه التالي: "هذه الخطوة بمثابة ردّ على موقفهم منا (الأميركيين) واقترابهم من حدودنا. لقد نشروا ست غرف عمليات، أربع منها على حدودنا. وبالتالي فالهدف المركزي من زيارة شويغو هو أن نريهم أنكم ما دمتم تفعلون ذلك فنحن أيضاً سنجعل أراضيكم تحت مرمى نيراننا". وأضاف "هذا عملياً تجسيد لعامل الردع غير النووي الوارد في العقيدة الروسية العسكرية التي تم إقرارها في 26 ديسمبر/كانون الأول 2014".
وترى النخب الروسية القريبة من الكرملين، أفقاً واعداً ومهماً في تعاون روسيا مع نيكاراغوا التي تبني قناة تربط المحيطين الهادي والأطلسي، ملغية بذلك احتكار واشنطن لهذا الطريق عبر السيطرة على قناة بنما. فهنا سيفتح طريقاً جديداً منافساً لعبور السفن التجارية والعسكرية. وسيكون لروسيا التي وفق الاتفاقيات ستقوم بحماية القناة والصين التي تبنيها حضور مواز لحضور الولايات المتحدة وتأثيرها في قناة بنما. وفي هذا السياق، أكد إيفاشوف أنّ "الأميركيين مستاؤون جداً من هذا المشروع. ولذلك فهم سيحيكون مختلف المؤامرات لإفشاله".

في سياق متصل، نقل موقع "إس في بريسا.رو" عن الباحث العلمي في "معهد مسائل الأمن الدولي" التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكسي فينينكو، تأكيده أن الاتفاقيات الروسية الجديدة مع بلدان أميركا اللاتينية تأتي بمثابة رد روسي على ما يفعله الأميركيون قرب الحدود الروسية وضمن دول رابطة الدول المستقلة. وقال "لاحظوا، ما إن بدأت الولايات المتحدة بتفعيل نشاطها هنا حتى اتجهنا إلى أميركا اللاتينية". وأضاف "أذكّر هنا بأنه مباشرة بعد حرب الأيام الخمسة مع جورجيا، في ديسمبر/كانون الأول 2008، بدأت مناقشة تطوير التعاون في مجال الفضاء مع نيكاراغوا ومضاعفة تزويد بلدان أميركا اللاتينية بصواريخ أرض جو روسية".

غير أن فينيكو لفت إلى أن واشنطن لا تأخذ ما تفعله روسيا في أميركا اللاتينية على محمل الجد، فالأميركيون من وجهة نظره يرون في روسيا لاعباً خطيراً بالاتجاه الأوروبي والآسيوي فقط، وأن روسيا من دون أسطول حربي عابر للمحيطات لن تستطيع ترسيخ مواقعها في أميركا اللاتينية، وبالتالي فهي لا يمكن أن تشكل خطراً يقلق واشنطن هناك.

لكن الواقع يقول إن روسيا تعمل وفق سياسة "خطوة خطوة" فتحتل المواقع التي تسمح قوتها وتحالفاتها وشراكاتها والظروف الإقليمية والدولية باحتلالها، مهما تكن هذه المواقع صغيرة وتبدو هامشية، بانتظار أن يفعل قانون الجدل فعله فيتحول الكم إلى نوع، فتجد واشنطن نفسها وقد خسرت كثيراً من المواقع ولم تعد بقوتها وسيطرتها السابقة على العالم، وذلك كله يساهم في تقويض الهيمنة الأميركية ونظام القطب الواحد.