يوميات التقهقر الحوثي في شبوة اليمنية: الوضع غير مستقرّ

يوميات التقهقر الحوثي في شبوة اليمنية: الوضع غير مستقرّ

10 يناير 2022
قوات موالية للحكومة في بيحان بمحافظة شبوة (عبدالله القادري/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال محافظة شبوة اليمنية تتصدر المشهد السياسي والعسكري منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقد تركزت الأنظار عليها، خصوصاً بعد استكمال طرد الحوثيين من المديريات الثلاث التي كانوا يسيطرون عليها في المحافظة، وهي بيجان وعسيلان وعين، التي أعلن عن إخراج الحوثيين منها أمس الأحد.

وجاءت هذه التطورات العسكرية بعد تحولات سياسية أفضت إلى تعيين البرلماني عوض محمد العولقي محافظاً لشبوة، عقب ضغوط قادتها السعودية والإمارات على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في هذا الإطار، وسط مخاوف اليوم بشأن ما إذا كانت المحافظة ستتمتع فعلاً بالاستقرار، خصوصاً في ظل الخلافات الكامنة بين المكونات الموجودة فيها.

ومنذ مطلع العام الحالي، بدأ التحالف الذي تقوده السعودية بالتحضير لعملية عسكرية واسعة لتحرير مديريات عسيلان وبيحان وعين التي سقطت في قبضة الحوثيين مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، بعد الدفع بألوية العمالقة السلفية القادمة من الساحل الغربي.

وبالفعل، أثمرت المعركة عن استعادة المديريات الثلاث، خلال زمن قياسي، حيث نجحت قوات مشتركة من ألوية العمالقة والجيش اليمني والمقاومة الشعبية، بطرد الحوثيين من هذه المديريات الغربية، وإجبارهم على الفرار صوب محافظتي البيضاء ومأرب.

حظيت معركة شبوة بإسناد غير مسبوق من مقاتلات التحالف التي شنت نحو 50 غارة جوية يومية على تجمعات وأرتال الحوثيين، منذ مطلع العام الحالي، كما ساهم التفوق البشري في حسم المعركة.

حظيت معركة شبوة بإسناد غير مسبوق من مقاتلات التحالف

ووفقاً لمصادر عسكرية ومحلية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فقد شاركت في المعركة 8 ألوية من قوات العمالقة السلفية التي يبلغ قوامها الكلي 15 لواء يرابطون في الساحل الغربي، فضلاً عن عدة ألوية في محور عتق التابع للقوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً، ومجاميع من المقاومة الشعبية.

كيف سارت المعركة ضد الحوثيين في شبوة؟

في الأول من يناير/كانون الثاني الحالي، أعلن محافظ شبوة عوض محمد العولقي، عن بدء عملية تحرير عسيلان، وسريان حالة الطوارئ في مديريات بيحان وعسيلان والعين، واعتبار هذه المناطق مسرحاً للعمليات العسكرية والمعارك الحربية.

انطلقت المعركة بعد خمسة أيام من دخول قوات العمالقة القادمة بأمر رئاسي من الساحل الغربي لتحرير المديريات الثلاث، وبعد يومين فقط من قرار إقالة المحافظ السابق، محمد صالح بن عديو في 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي. لكن الحوثيين قاموا برد استباقي على أي تهديد يشكل خطراً على وجودهم في مديريات شبوة النفطية.

وأطلق الحوثيون، صاروخاً بالستياً على مطار عتق، مركز شبوة، في 28 ديسمبر الماضي، في اليوم ذاته الذي قدمت فيه ألوية العمالقة، ثم استمرت الجماعة بإرسال الصواريخ لمعسكر "خمومة" في مديرية مرخة، وهو معسكر تابع للتحالف العربي، وسقط نتيجة لذلك العديد من القتلى والجرحى.

ومع بدء المعركة بشكل رسمي، بإسناد لافت من مقاتلات التحالف التي استهدفت خطوط الإمداد الحوثية، شنت القوات الموالية للحكومة هجمات من عدة محاور وضعت فيها الحوثيين في مواجهة مباشرة.

وعلى الرغم من نجاح الضربات الجوية في تفتيت قوة الحوثيين، إلا أن بعضها استهدف منازل المواطنين وأراضيهم الزراعية، ما أثار الاستغراب بين الأهالي بشأن دقة هذه الضربات، التي تزامنت أيضاً مع قصف صاروخي للحوثيين على أحياء سكنية.

وبعد تحرير مديرية عسيلان، كانت ألوية العمالقة تحرز مكاسب جديدة، إذ أعلنت، مساء يوم الجمعة الماضي، تحرير مديرية بيحان، قبل أن يتم الإعلان أمس الأحد، عن تحرير مديرية عين، والتي كانت تعد آخر معاقل الجماعة في محافظة شبوة النفطية.

وكان يعتقد بأن جماعة الحوثيين لن تفرط في مديرية عين بسهولة، نظراً لكونها خط الدفاع الرئيسي عن مديريات مأرب الجنوبية، ولذلك، لجأت ألوية العمالقة إلى عملية التفاف لخنق المليشيات الحوثية وطردها من المديرية من دون خسائر مكلفة.

وتقدمت ألوية العمالقة إلى مركز مديرية نعمان ومنطقة عقبة القنذع (عبارة عن سلسلة جبلية تطل بشكل مباشر على مركز مديرية نعمان، وعلى مناطق عدة في مديرية بيحان)، التي تربط بيحان بمحافظ البيضاء بهدف تأمين بيحان، وذلك لتطويق الحوثيين من جهتي عقبة القنذع والساق من البيضاء.

سقوط 50 قتيلاً من ضباط وجنود ألوية العمالقة والجيش

أهمية السيطرة على البيضاء

ووفقاً لخبراء، تعد السلاسل الجبلية في البيضاء، منطقة دفاع وتأمين لمحافظة شبوة ومحافظات جنوبية وشمالية أخرى، وبالتالي، فإن تحرير مديريات شبوة الثلاث لن يكون ذا معنى إذا لم تتم استعادة السيطرة على البيضاء أو على الأقل مديرياتها المشرفة على محافظات الجنوب.

وفي السياق، قال الباحث السياسي المنحدر من شبوة، داود لمغود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن بيحان تقع تحت سلسلة جبلية تتبع مديريات في محافظة البيضاء، وبدون السيطرة على البيضاء في العملية الحالية، فلا جدوى من تحرير بيحان.

وفي ظلّ المخاوف من توقف المعركة في حدود شبوة فقط، توقع لمغود أن "تواصل ألوية العمالقة تقدمها باتجاه مديريتي ناطع وذي نعمان بمحافظة البيضاء، لتأمين مديرية بيحان أولاً، ثم مواصلة التقدم باتجاه مدينة البيضاء، عاصمة المحافظة، لتحرير العمق الديني للمجتمع السني هناك من القبضة الحوثية، خصوصاً أن الحاضنة الشعبية في البيضاء ترفض وجود مليشيات الحوثيين".

وتعد غالبية مديريات البيضاء وخصوصاً الصومعة والزاهر، معقلاً للجماعات السلفية، وحسب الباحث اليمني، فمن المرجح أن "تمتد المعركة لكل مناطق الحاضنة الشعبية لقوات العمالقة ذات التوجه السني، والتي لن تفرط بفرصة كهذه".

وحتى اللحظة، أكدت مصادر عسكرية وطبية لـ"العربي الجديد"، سقوط 50 قتيلاً من ضباط وجنود ألوية العمالقة والجيش، على رأسهم قائد اللواء الثالث عمالقة، مجدي الردفاني، وقائد أركان حرب اللواء الثاني سميح جرادة.

كما علمت "العربي الجديد" أنه تم نقل قتلى إلى عدن مباشرة من دون معرفة عددهم. وبحسب المصادر، فإن حصيلة الضحايا تشمل أيضاً إصابة 420 آخرين، ممن استقبلتهم المرافق الصحية فقط.

تحرير مديريات شبوة الثلاث لن يكون ذا معنى إذا لم تتم استعادة السيطرة على البيضاء

الكلفة الإنسانية لمعارك بيحان وعسيلان وعين

وتعيش مديريات بيحان وعسيلان وعين ظروفاً إنسانية في غاية السوء بعد قطع الحوثيين للخطوط التي تربط هذه المديريات بمدينة عتق، وتفخيخها بالمتفجرات والألغام الأرضية، لمنع القوات الحكومية وألوية العمالقة من التقدم.

وتضاعفت المعاناة لدى جرحى الحرب، كون مستشفيات بيحان غير قادرة على تقديم خدماتها لهذا العدد الكبير من الجرحى، أو حفظ جثث القتلى خلال المعركة، مما يفرض نقل الجرحى لمدينة عتق، التي تبعد عن بيحان مسافة ثلاث ساعات.

ووفقاً لمصادر محلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فقد تعرضت منازل المواطنين لقصف صاروخي من قبل الحوثيين، وآخر عمليات القصف هذه طاولت منزل المدير العام لمديرية عسيلان العقيد ناصر القحيح الحارثي، ما أدى إلى مقتل طفل، فضلاً عن غارات خاطئة لمقاتلات التحالف.

إضافة إلى ذلك، اشتكى بعض المواطنين من عمليات نهب في عسيلان بعد استعادتها من الحوثيين، وطاولت هذه العمليات عدداً من المنازل التي تقع في قلب المواجهات العسكرية. وعلى ضوء ذلك، ناشد المواطنون المحافظ عوض محمد العولقي، تشكيل لجنة تحقيق في الأحداث التي جرت بأسرع وقت.

توحُد وخلافات كامنة بين مختلف القوات بشبوة

أجبرت ظروف المرحلة، القوى والمكونات العسكرية والسياسية الموجودة في شبوة، على تجاوز خلافات المرحلة الماضية والتوحد ضد عدو واحد ورئيسي هو جماعة الحوثيين.

وعلى الرغم من نجاح محافظ شبوة الجديد الذي جاء بضغط سعودي إماراتي، في احتواء الخلافات، بعد إعلانه عدم الشروع في أي خطوات انتقامية ضد القوات الموالية للحكومة الشرعية والمحافظ السابق محمد صالح بن عديو، إلا أنّ الخلافات الكامنة لا تزال تشكل تهديداً لاستقرار شبوة، حتى بعد تأمين مديرياتها الغربية بالكامل وتوقف المعركة.

يعمل "المجلس الانتقالي الجنوبي" والناشطون الموالون له على تغذية النعرات

ويعمل "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً والناشطون الموالون له على تغذية النعرات، من خلال إلغاء أي دور للقوات الحكومية أو رجال القبائل في المعركة.

كما يعمل المجلس على استقطاب جناح واسع من ألوية العمالقة السلفية إلى صفوفه، وإقناعها بتغيير مسماها إلى "ألوية العمالقة الجنوبية"، بعد أن ظلت تقاتل طيلة السنوات الماضية باعتبارها ألوية قوات خاصة بالساحل الغربي.

وفيما تتعمد وسائل إعلام انفصالية تسويق العلم الخاص بالمجلس الانتقالي في مسرح المعركة، وتشويه علم الجمهورية اليمنية من خلال تمزيقه أو الدوس عليه، لجأت فصائل من ألوية العمالقة إلى رفع العلم الوحدوي، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور أزمة جانبية تؤثر على مسار المعركة الرئيسية.

وخلافاً للمشاكل الكامنة داخل فصائل القوات، والتي قد تؤثر على الهدف التالي؛ سواء بمواصلة المعركة نحو البيضاء ومأرب أو الاكتفاء بتحرير الأراضي الواقعة في نطاق محافظات الجنوب فقط، تبرز أزمة القوى الأمنية التي ستتولى تأمين المناطق التي تم تحريرها.

والسؤال هنا: هل سيتم السماح لقوات الأمن الخاصة والشرطة الموالية للحكومة بمواصلة مهامها، أم سيتم إسناد المهمة لقوات النخبة الشبوانية المدعومة إماراتياً والتي تم تغيير مسماها إلى "قوات دفاع شبوة".

حتى اللحظة، يبدو أن محافظ شبوة الجديد لا يريد السماح بتحويل شبوة إلى مسرح لمناكفات من هذا النوع، وعلى الرغم من قراره بإعادة النخبة إلى مدينة عتق، إلا أنه اتخذ خطوة جريئة عندما أمر بإعادة أعلام الجمهورية اليمنية التي تم إنزالها من شوارع عتق، من قبل عناصر انفصالية.

تبرز أزمة القوى الأمنية التي ستتولى تأمين المناطق التي تم تحريرها

خلافات قوات النخبة الشبوانية

قيادة قوات النخبة الشبوانية تبدو هي الأخرى من الأزمات الكامنة داخل شبوة. ومطلع الأسبوع الماضي، احتدمت وتيرة الخلافات بين ألوية النخبة الشبوانية والقيادة الإماراتية المشرفة عليها، بعد تعيين الضابط في النخبة أحمد محسن السليماني العولقي، لقيادة جبهة مرخة غربي العاصمة عتق.

ويعتبر السليماني العولقي، قائد لواء العوالق في النخبة الشبوانية، الوحيد الذي رفض تسليم سلاح اللواء للإمارات بعد أحداث أغسطس/آب 2019 (سيطرة القوات الانفصالية على عدن).

وقد شكّل السليماني العولقي بعد تعيينه أخيراً كقائد لجبهة مرخة، ممثلاً النخبة، مجموعة من كل الألوية، لكن تشكيله قوبل بالرفض وبالتعنت من قبل الألوية الأخرى.

وطالبت الألوية المعترضة، أن يكون قائدها "سواحلي"، أي من الساحل وليس من قبيلة العوالق، ولقي ذلك ردة فعل كادت تصل لاشتباكات بين أفراد النخبة الشبوانية داخل ميناء بلحاف الاستراتيجي في شبوة.

وبحسب مصدر خاص تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن القيادة الإماراتية تعمدت إهانة السليماني العولقي رداً على موقفه في أغسطس 2019. ففي ذروة الانفعال بين طرفي النخبة، غادر السليماني والمجندون الذين يتبعونه مشياً على الأقدام من بلحاف، مما اضطر أفراد الجيش الوطني الذين ينتمون إلى قبيلة العوالق لتوصيلهم بسيارات خاصة إلى مدينة عتق.

المساهمون