هل تغيّر الأحزاب الجديدة خريطة البرلمان الجزائري؟

هل تغيّر الأحزاب الجديدة خريطة البرلمان الجزائري؟

08 يونيو 2021
يؤكد سفيان ضرورة المشاركة ببناء نظام جديد (Getty)
+ الخط -

تشهد الانتخابات البرلمانية المبكرة في الجزائر، المقررة يوم السبت المقبل، دخول فاعلين وأحزاب جديدة إلى المشهد الانتخابي، بعضها كان لها حضور سياسي مميز في مرحلة ما قبل الحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2019، وظلّت تقاطع المسارات الانتخابية المتعلقة بالانتخابات النيابية والمحلية قبل ذلك، بسبب تقديرات ومواقف سياسية كانت تتبناها ضد الانتخابات. لكن مشاركتها هذه المرة في ظروف سياسية وتنظيمية مغايرة، قد تساهم في تغيير نسبي لتركيبة البرلمان المقبل وخريطة المشهد السياسي، بسبب التوازنات التي ستتبع ذلك.

أربعة أحزاب سياسية على الأقل تدخل على المشهد الجزائري وتبدو أكثر حضوراً خلال الحملة الانتخابية، التي ستنتهي اليوم الثلاثاء، أبرزها حزب "جيل جديد"، الذي يقوده جيلالي سفيان، أحد أبرز المعارضين لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. منذ تأسيسه قبل عام 2012، وحصوله على الاعتماد في تلك الفترة، ظل "جيل جديد" ينأى بنفسه عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، خصوصاً الانتخابات البرلمانية عامي 2012 و2017. كانت تقديرات قيادة الحزب تعتبر أن المشاركة في الانتخابات في تلك الظروف السياسية التي تهيمن فيها الإدارة ووزارة الداخلية بالكامل على مسار تنظيم العملية الانتخابية، وفي ظل نظام حكم منغلق، لن تكون ذات جدوى، ودفع الحزب في مؤتمر المعارضة الشهير في يونيو/ حزيران 2014، بقوة لصالح اتفاق يجمع قوى المعارضة لمقاطعة الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/ أيار 2017، وخاصم سياسياً بشكل حاد قوى المعارضة التي أخلّت بالاتفاق.

بعد الحراك الشعبي عام 2019، غيّر "جيل جديد" مواقفه بشكل كامل، إذ اعتبرت قيادة الحزب أن المتغيّرات التي حصلت بعد الحراك كافية نسبياً لأن يتم البناء عليها لصالح مشاركة فاعلة وجدية للأحزاب السياسية في إعادة تشكيل النظام الحاكم، ولذلك يندفع الحزب نحو مشاركة قوية في الانتخابات. وأظهر "جيل جديد" نضجاً سياسياً لافتاً في خطاب سياسي يركز على مقتضيات التنمية، وقدّم قوائم شابة في المجمل، مع استفادته من عدم تورطه بالكامل في استحقاقات المرحلة الماضية. ويقدّم هذا الحزب نفسه بديلاً لقوى التيار التقدمي والديمقراطي، المتصالح مع مستويين، مع كيان الدولة ومؤسساتها، إذ يبدي الحزب تفاهماً مع خيارات الرئيس عبد المجيد تبون بشأن الإصلاحات السياسية المتدرجة، ومع القضايا الهوياتية التي عادة ما تطرح مشاكل كبيرة وجدلاً مستمراً في خطاب قوى الكتلة الديمقراطية.

رئيس الحزب جيلالي سفيان يعرب عن ثقته بأن حزبه بصدد تقديم خطاب ورؤية سياسية جادة تمثّل خلاصة جهد من العمل السياسي، ترتكز على إعادة بناء النظام وفق قواعد تتيح المشاركة في تشكيل النظام السياسي. ويقول سفيان لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الرؤية السياسية تفرضها متغيرات هامة حدثت في البلاد على مستويين على الأقل، تغيّر في الذهنيات داخل المجتمع، وعودة اهتمام الشباب بالممارسة السياسية، وكذلك وجود إرادة سياسية جديدة وبحث عن الحلول من قبل السلطة"، مضيفاً أن "النظام السابق انكسر وعلينا المشاركة في إعادة بناء النظام الجديد، حتى لا تفوتنا هذه الفرصة السياسية التي ما كانت لتتحقق لولا الحراك الشعبي".

دخول الأحزاب الجديدة في المنافسة الانتخابية تستفيد منه السلطة بالدرجة الأولى

من جهته، يتوقع الكاتب ومدير تحرير شبكة "أخبار الوطن" رياض هويلي، ككثير من المراقبين، أن تمثّل الانتخابات المقبلة محطة مفصلية بالنسبة لحزب "جيل جديد"، من خلال تحوّله للمرة الأولى إلى فاعل ضمن تركيبة البرلمان وإمكانية مشاركته في الحكومة التي ستشكّل بعد الانتخابات. ويضع هويلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، دخول الأحزاب الجديدة في المنافسة الانتخابية ضمن سياق تستفيد منه السلطة بالدرجة الأولى "لأنّه يعطي نوعاً من المصداقية للانتخابات، فبعضها أحزاب معروفة بجدية مواقفها المعارضة سابقاً، وكانت قد قاطعت الانتخابات التشريعية عام 2017، كما كانت ضمن الحراك الشعبي، وهو ما يعني أنّ هناك تياراً سياسياً قرر المشاركة في الانتخابات، وهو يستند إلى معارضته للنظام المخلوع عن طريق الحراك ولكن أيضاً اختيار المسار الدستوري لحل الأزمة".

ويبرز في السياق نفسه حزب "الفجر الجديد"، الذي يقوده الطاهر بن بعيبش. ويستند هذا الحزب إلى قاعدة تتشكّل أساساً من أبناء شهداء ثورة التحرير، ويُعد بن بعيبش مؤسس أول منظمة لأبناء الشهداء في الجزائر عام 1989. ويُعتبر "الفجر الجديد" أحد أبرز قوى مبادرة الإصلاح السياسي التي تشكّلت في يوليو/ تموز 2020، وأعلنت دعمها للخيارات التي يقررها تبون. وتبرز أهمية هذا الحزب بالنسبة للسلطة، في طبيعته وتشكيلته كقوة من التيار الوطني الذي ستستند إليه السلطة السياسية في صياغة التوازنات ما بعد الانتخابات. واعتمد "الفجر الجديد" خلال هذه الانتخابات على قوائم تمزج بين الكفاءات الشابة وقاعدته الأساسية من أبناء الشهداء والأسرة الثورية والتيار الوطني المحافظ، مستفيداً من عامل عدم مشاركته في أي من الخيارات السابقة التي قادت البلاد إلى النكبة السياسية والاقتصادية التي دفعت الجزائريين للخروج إلى الشارع في فبراير 2019.

وبخلاف الحزبين السابقين، تمركز حزب "صوت الشعب"، الذي يشارك للمرة الأولى في الانتخابات البرلمانية، في موقع جيد خلال الحملة الانتخابية. ويبدو تركيز وسائل الإعلام المحلية على هذا الحزب لافتاً للنظر، على الرغم من أن قيادته كانت متقلبة المواقف، إذ انشقت هذه القيادة برئاسة الأستاذ الجامعي لمين عصماني عن حزب من التيار الوطني هو "الجبهة الجزائرية"، وتضم نواباً سابقين في البرلمان في الولاية السابقة. لكن هذا الحزب الفتي الذي يحاول الارتكاز في هذه الانتخابات على قاعدة الحزب الأم، وعلى الكفاءات الجامعية، مثقل بتبعات خطأ ارتكبه رئيسه عصماني، عندما انخرط ضمن القوى الداعمة لترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وهو خطأ قد يكلفه الكثير في انتخابات السبت المقبل، وقد يضعه على هامش النتائج ويضعف وجوده في البرلمان.

رابع الأحزاب الجديدة التي تخوض الانتخابات النيابية للمرة الأولى، هو حزب "طلائع الحريات"، الذي أسسه رئيس الحكومة الأسبق، المرشح الرئاسي في انتخابات 2004 و2014 و2019 علي بن فليس. لكن انسحاب بن فليس من قيادة الحزب بعد انتخابات 2019، وتفجّر خلافات تنظيمية بين قيادات الحزب بعد ذلك، أضعف "طلائع الحريات"، وأخرجه مبكراً من المنافسة الانتخابية، إذ واجه الحزب صعوبة كبيرة في جمع التواقيع المطلوبة (25 ألف توقيع) لقبول قوائمه، كما أن خطابه الانتخابي ظهر مشتتاً، ما يُبقي الفرصة الوحيدة لمرشحي الحزب في المنافسة الانتخابية هي التعويل على إمكانياتهم الشخصية من دون إطار حزبي. ويعني ذلك أن "طلائع الحريات" لن يكون حاضراً بثقل كبير في تشكيلة البرلمان والحكومة، ولن يلعب دوراً مهماً في المرحلة السياسية المقبلة بناء على ذلك.

عدد من الأحزاب الجديدة سيكون لها موقع مهم، بسبب ثقلها، وحاجة السلطة إلى قوى جديدة أكثر فعالية

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة أن وجود هذه الأحزاب في المشهد الانتخابي هو أمر لافت ويمكن أن يغيّر بعض التفاصيل السياسية. ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "دخول هذه الأحزاب في الانتخابات بما لبعضها من سوابق في الممارسة السياسية، وتقديمها قوائم شابة والتركيز على الكفاءات الجامعية الشابة وانفتاحها بشكل كبير على مرشحين ليست لهم سوابق سياسية تعيبهم أمام الناخبين، عوامل يمكن أن تُحدث تحولاً في الخريطة السياسية، سواء بنتائج الانتخابات لجهة تقدّم هذه الأحزاب على حساب أحزاب شاركت سابقاً في كثير من الاستحقاقات، وبالنظر إلى طبيعة مواقفها من المرحلة السابقة". ويتوقع أن "تغيّر الانتخابات المقبلة تماماً المشهد السياسي والتوازنات في البرلمان وما يتبع ذلك في مسار تشكيل الحكومة وخياراتها، ومما لا شك فيه أن عدداً من الأحزاب الجديدة سيكون لها موقع مهم، ليس فقط بسبب ثقلها أو تصوراتها، ولكن أيضاً بسبب حاجة السلطة نفسها إلى قوى جديدة أكثر فعالية، ولطبيعة المرحلة التي تتطلب ذلك أيضاً".

المساهمون