الانتخابات الجزائرية: امتحان صعب لأحزاب السلطة السابقة

الانتخابات الجزائرية: امتحان صعب لأحزاب السلطة السابقة

06 يونيو 2021
توقعات بأن تنهي الانتخابات هيمنة أحزاب السلطة السابقة (الأناضول)
+ الخط -

تخوض أربعة من أحزاب السلطة، التي كانت تشكّل الحزام السياسي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الانتخابات البرلمانية المبكرة، المقررة في 12 يونيو/حزيران الحالي، برصيد سياسي سلبي مثقل بالاتهامات التي توجّه إليها بسبب مواقفها السابقة، ولتبنيها ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، أحبطها الحراك الشعبي بعد تظاهرات فبراير/شباط 2019، إضافة إلى وسمها بـ"أحزاب الفساد"، نتيجة تورط كبار قياداتها من الصف الأول في قضايا فساد ونهب المال العام، وشهدت نزيفاً حاداً في صفوفها نتيجة لذلك، وهو ما طرح مؤشرات على إمكانية تلقيها هزيمة انتخابية، وتقلصاً كبيراً لعدد مقاعدها في البرلمان المقبل، خصوصاً بعدما تخلت السلطة عنها.

غادر العشرات من كوادر أحزاب السلطة سفينتها بحثاً عن مسار سياسي آخر

في الانتخابات البلدية التي جرت عام 1990، خسر حزب "جبهة التحرير الوطني" 80 في المائة من البلديات التي كان يحكمها قبل انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988. وشهد الدور الأول للانتخابات النيابية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 1991، هزيمة ساحقة ومهينة لحزب السلطة الأول. اليوم تبدو الظروف السياسية والمعطيات الانتخابية نفسها بالنسبة إلى "جبهة التحرير الوطني"، كما لعدد من أحزاب السلطة، التي كانت تستفيد من الرعاية الانتخابية والتلاعب بالنتائج، للتعرض إلى هزيمة انتخابية بعد انتفاضة الحراك الشعبي في فبراير 2019.

وتنبئ الكثير من المعطيات وتوقعات المراقبين، بأن أحزاب السلطة الأربعة، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"تجمع أمل الجزائر" و"التحالف الجمهوري"، تتوجه نحو فقدان الأغلبية التي كانت تتمتع بها في البرلمانات السابقة، إذ كانت تحوز على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان منذ انتخابات 1997، خصوصاً "جبهة التحرير"، التي كانت تحوز أكثر من 160 مقعداً و"التجمع" الذي كان يحوز97 مقعداً من مجموع 465 مقعداً. ويُتوقَع أن تمثل الانتخابات المقبلة محطة لتحييد نهائي لحزبين من أحزاب الموالاة، ودفعهما إلى الهامش السياسي، وهما "التجمع من أجل الجزائر"، و"التحالف الجمهوري"، واللذين أظهرا عجزاً كبيراً خلال الحملة الانتخابية، إضافة إلى حزب ثالث، "الحركة الشعبية الجزائرية"، والذي تجمّد نشاطه السياسي منذ اعتقال رئيسه عمارة بن يونس.

وقبل إعلان الترشيحات للانتخابات البرلمانية في مارس/آذار الماضي، كان العشرات من كوادر أحزاب السلطة غادروا سفينتها بحثاً عن مسار سياسي آخر، لكونها لم تعد أحزاب المرحلة، بعد تخلي السلطة عنها. وفيما استقال عدد كبير منهم، فضّل كثيرون التوجه نحو تشكيل قوائم مستقلة، أو بحثاً عن الترشح في قوائم أحزاب أخرى، على غرار مناضلين في "التجمع الديمقراطي" انضموا إلى قوائم مستقلة، انضوت أغلبها في ائتلاف مدني باسم "الحصن المتين"، فيما شكّل العضو القيادي في "جبهة التحرير" رشيد كوراد قائمة مستقلة قبل أن يتم رفضها. وحاولت كوادر من الصف الثاني الانضمام إلى قوائم أحزاب أخرى، على غرار مسؤول محافظة المنطقة الثالثة لـ"جبهة التحرير" محمد أوكيلي، الذي انضم إلى قائمة حركة "البناء الوطني". وقدّم النائب السابق عن "جبهة التحرير" عبد القادر حدوش قائمة مستقلة في المنطقة الثانية للجالية. وقال حدوش، لـ"العربي الجديد"، إنه "فضّل خوض الانتخابات بقائمة مستقلة عن الحزب، لكون الأخير يحتاج إلى إعادة هيكلة وتطهير جديدة، بعدما كان قد عشش فيه الفساد واستبعد الكفاءات النزيهة، وتسبّب ذلك في تردي صورته كنتيجة طبيعية للخيارات الخاطئة لقيادات الحزب".

وتقر قيادات الأحزاب الأربعة بحقيقة هذه المؤشرات وبصعوبة المنافسة الانتخابية، خصوصاً بعد تخلي السلطة عنها، وسحب تنظيم الانتخابات من يد وزارة الداخلية، لصالح هيئة مستقلة تشرف عليها بالكامل، ما يغلق باب التلاعب بالنتائج. وهذا كان قد عبّر عنه بوضوح عضو مجلس الأمة عن "جبهة التحرير" محمود قيساري، الذي كان اقترح في إبريل/نيسان الماضي، سحب "جبهة التحرير" من المشاركة في الانتخابات، متوقعاً هزيمة قاسية للحزب.

مولود ولد الصديق: أحزاب السلطة تبدو ضمن الحملة الانتخابية في سياق التخلص من إرث المرحلة السابقة

وعن ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي مولود ولد الصديق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات البرلمانية محطة ضاغطة، وتمثل رهاناً مغايراً بالنسبة لأحزاب السلطة، غير رهان الأصوات والمقاعد، مع التحولات السياسية المفاجئة بعد حراك فبراير 2019، والمتغيرات التي نتجت عن الهزة التي شهدتها البلاد والنظام السياسي، وفرضت عليها اجتياز امتحانين في الوقت نفسه، الأول امتحان المقاعد، لكن الامتحان الثاني الأكثر أهمية يخص تثبيت وجودها السياسي بالأساس، وإعادة تركيب صورة مغايرة لصورتها المكرسة في الخيال الشعبي كقوى فاسدة، وتعديل المواقف المخجلة السابقة التي ما زالت تلاحقها". وأضاف أنه "إذا كانت الأحزاب الأخرى تشتغل انتخابياً لإقناع الناخبين ببرامجها ومرشحيها، فإن أحزاب السلطة تبدو ضمن الحملة الانتخابية في سياق التخلص من إرث المرحلة السابقة، والاعتراف في مقام آخر بالتورط في الخيارات الخاطئة، والتبرؤ حتى من مواقف القيادات السابقة، التي يوجد بعضها في السجون حتى الآن بسبب قضايا فساد"، على غرار الأمين العام السابق لـ"جبهة التحرير الوطني" جمال ولد عباس وعدد من نواب وقيادات الحزب، والأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي" أحمد أويحيى وبعض وزراء الحزب الملاحقين قضائياً.

وفي هذا السياق، يمكن فهم بعض الإقرارات الأخيرة التي أطلقها قادة أحزاب السلطة، بشأن المسؤولية السياسية لأحزابهم عن المظالم السياسية والقهر الاجتماعي، والنكبات الاقتصادية، والفساد الذي شهدته البلاد في العقود السابقة، مثل تصريح الأمين العام لـ"جبهة التحرير الوطني" أبو الفضل بعجي، خلال تجمّع شعبي عقده في ولاية المدية قرب العاصمة الجزائرية أخيراً، وقال فيه إن "حزب جبهة التحرير وأثناء ممارسته للحكم، حكم بالظلم وبالقهر وتم استعماله، وحصيلة وزراء الحزب خلال الفترة الماضية مخيبة بالفعل". وأقر بتفشي ظاهرة المال الفاسد في صفوف الحزب. وفي السياق، أكد الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي" الطيب زيتوني، خلال تجمع انتخابي عقده بالبويرة قرب العاصمة، أن "التجمع لم يلعب دوره كما ينبغي في المرحلة التي أعقبت تأسيسه، ودخل في منطق العصابات، واستغرق في مسار التصفيق للحاكم، وكان يوافق ويصفق لكل ما يصدر عن الهيئة التنفيذية والسلطة".

لكن هذه الإقرارات والاعترافات السياسية، تطرح سؤالاً عما إذا كان ذلك كافياً لتبييض صورة أحزاب السلطة، وإقناع الناخبين أنها بصدد تبني خيارات مغايرة. الكاتب والمحلل السياسي نصر الدين بن حديد، لا يعتقد أنها كذلك. وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "أحزاب الائتلاف الرئاسي التي صاحبت بوتفليقة، خصوصاً طوال العهدة الرابعة، تتحمّل مسؤوليّة أخلاقيّة وتاريخيّة في ما آلت إليه الأوضاع في الجزائر. ومسؤولو الصف الأوّل لهذه الأحزاب والقيادات الوسطى، حاولت البحث عن خلاص فردي، من دون الرغبة أو القدرة على مجرّد التفكير في الإقدام على إجراء عمليّة نقد ذاتي يتلوها اعتذار علني وطلب الغفران من الشعب، عمّا اقترفته هذه الأحزاب". وأضاف أن "هذه الأحزاب عادت لتشارك في مشهد الانتخابات التشريعيّة الجزائريّة، دون أن تعتذر قياداتها عن الأخطاء المرتكبة والتواطؤ السياسي في العهد السابق، ومن دون طلب الغفران من الشعب الذي دفع ثمن الخيارات الخاطئة، وعمليات نهب واستنزاف مقدرات البلاد، وحرمان ملايين المواطنين من حقّهم في السكن والعمل". وخلص بن حديد إلى أن "الأحزاب لن تحقق وفق القانون الانتخابي الحالي، النتائج نفسها التي كانت تحققها في الاستحقاقات السابقة، سواء بفعل تخلي السلطة عنها، أو انكشافها أمام العمق الشعبي. وهذه الانتخابات ستنهي، بحسب كل المؤشرات، هيمنة هذه الأحزاب وتكشف حجمها الحقيقي".

نصر الدين بن حديد: أحزاب الائتلاف الرئاسي تتحمّل مسؤوليّة أخلاقيّة وتاريخيّة في ما آلت إليه الأوضاع في الجزائر

وفي سياق الحديث عن الحجم الشعبي، فإن مشاهد بعض تجمعاتها الشعبية وحضور مناضليها والمتعاطفين معها خلال الأنشطة الانتخابية، خصوصاً "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، لا يعني بالضرورة وجوداً مكثفاً لحاضنة شعبية كبيرة، بالنظر إلى استمرار بعض الممارسات الانتخابية المتعلقة "بتأجير المواطنين" ودفع مقابل لهم للمشاركة في التجمعات الانتخابية.

تبقى الإشارة إلى أن أحزاب السلطة، تستفيد خلال الحملة الانتخابية، التي تنتهي الإثنين المقبل، من عامل خفوت الحراك الشعبي ميدانياً خلال الأشهر الأخيرة، سواء بسبب الأزمة الوبائية أو بسبب المنع والإغلاق الذي فرضته السلطات على التظاهرات والفعاليات الاحتجاجية، والإجراءات الردعية التي قررتها السلطات ضد الناشطين الذين يتعرضون للحملة الانتخابية، لكون قيادات هذه الأحزاب كانت تواجه وضعاً أكثر تعقيداً ميدانياً، وصعوبات أكبر في تنظيم تجمعاتها وأنشطتها الانتخابية، فيما لو كان الحراك مستمراً، على غرار ما واجهته في التحرك ميدانياً خلال الاستحقاقين الماضيين، الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2019 والاستفتاء على الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني، حين كان ناشطو الحراك الشعبي يعطلون أنشطتها السياسية.

المساهمون