هل تطيح أزمة الانسحاب من أفغانستان أحد أركان الإدارة الأميركية؟

هل تطيح أزمة الانسحاب من أفغانستان أحد أركان الإدارة الأميركية؟

18 اغسطس 2021
بدأت الجهات المعنية بتبادل الاتهامات بخصوص الفشل الأميركي (Getty)
+ الخط -

لا يبدو أنّ احتمالية إطاحة أحد كبار المسؤولين الأميركيين مستبعدة إن بقيت قضية الانسحاب الأميركي من أفغانستان تتفاعل بذات الوتيرة الحالية، إذ عادة ما تسقط رؤوس كبيرة كمخرج للبيت الأبيض عندما يُحاصَر بأزمات فاضحة، باعتبار أنّ الرئيس لا يحاسَب إلا بشكل سياسي في مثل هذه الحالات.

لقد سبق أن مرّت الولايات المتحدة بأزمات مماثلة. فعلى سبيل المثال، استقال روبرت ماكفرلين، مستشار الأمن القومي للرئيس رونالد ريغان مضطراً، إثر فضيحة "إيران – كونترا"، وأُطيح وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، أيام جورج بوش الابن؛ بسبب ورطة الحرب في العراق. أما فضيحة الانسحاب من أفغانستان، فليست حتى الآن من هذا النوع من الأزمات، لكن المسار الذي أخذته قد يتطور في هذا الاتجاه قياساً على ما حصل، إذ قد تتفاقم المشكلة في حال عدم تمديد الانسحاب المقرر إتمامه في 31 الشهر الجاري إلى سبتمبر/ أيلول المقبل، كما كان مقرراً.

ومن المؤشرات على تزايد الضغوط على الإدارة الأميركية ودفاعها الذي قدمته، أواخر الأسبوع الماضي، فتح الأبواب على المزيد من الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات المقنعة. بذلك تزايدت المطالبات في الكشف عن القصور والخطأ. أما الأهم من ذلك، فقد بدأت الجهات المعنية تشير، بالتلميح أو التسريب، بإصبع الاتهام إلى بعضها، وكأن هناك خللاً ما في دور جهة ما أدّى إلى السقطة المهينة.

كانت أولى الإشارات قد صدرت عن "البنتاغون"، إذ كان المتوقع في ظروف من هذا النوع أن تعقد وزارة الدفاع مؤتمرها الصحافي صباح اليوم بحضور الوزير لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي، لكن غيابهما أثار تساؤلات، فيما اكتفى المتحدث الرسمي في الوزارة جون كيربي، بالقول إنّ "انشغالهما" حال دون مشاركتهما في المؤتمر.

أعقبت ذلك معلومات تحدثت عن تبادل "اللوم وتحميل المسؤولية" بين البنتاغون ووزارة الخارجية والجهات الاستخباراتية، سواء على صعيد القصور في توفير المعلومات أو في ما يتعلق بمنح تأشيرات الخروج للأفغان المؤهلين للمغادرة، وبما سبّب فوضى المطار وسقوط قتلى وعرقلة عملية الترحيل التي تقوم بها القوات الأميركية.

وما يعزز وجود التقصير في هذا الخصوص، إيفاد وزارة الخارجية على وجه السرعة أحد السفراء المخضرمين إلى مطار كابول "لتنسيق الجهود اللوجستية والمهام القنصلية" المتعلقة بتأشيرات الخروج المؤقتة.

من الواضح أنّ الأعطاب كانت كثيرة، والكل مشارك فيها، وانعكس ذلك في ارتباك التبريرات والتسويغات التي ساقها المسؤولون لليوم الثالث على التوالي من غير جدوى. 

البنتاغون تجاهلت توقعاتها، الأسبوع الماضي، بأنّ "كابول ليست في خطر داهم"، لتسلط الأضواء على سلاسة عملية الترحيل بعد تجاوز مطباتها واستئنافها بترتيبات مناسبة يشرف عليها الجنرال كينيث ماكينزي، قائد قوات المنطقة الوسطى، والموجود الآن في مطار كابول.

نتيجة ذلك، جرى تأمين نقل "ما بين 5 إلى 9 آلاف مغادر يومياً"، لكن من دون ضمانة لتأمين المغادرة للجميع، فيما قال كيربي: "نعمل ما نقوى عليه"، كاشفاً عن التنسيق الأمني بين القوات الأميركية ومسؤولي "طالبان" لضبط عملية الترحيل.

في البيت الأبيض، تولى مستشار الأمن القومي للرئيس جيك سوليفان، الدفاع عن قرار الرئيس جو بايدن، مع شرح لأسباب الفوضى وتحميل القوات الأفغانية المسؤولية بعد أن "تكلفنا تريليون دولار" على إعدادها وتجهيزها، كما يقول. وكرر ذات الخطاب في ما يتعلق بنقل المغادرين "والحرص على حقوق المرأة الأفغانية"، والاستمرار في "النضال" بهذا الخصوص، مشيراً إلى أنّ القرار استند "إلى ما توافر لنا من معلومات" وغير ذلك من خطوط خطاب الرئيس، الاثنين. 

يذكر أنّ مصادر استخباراتية نُسب إليها القول إنها "حذرت الإدارة قبل شهرين من رخاوة الوضع ومن تحركات طالبان"، وذلك خلافاً لزعم سوليفان.

أما في الخارجية، فجرى التركيز أيضاً على عودة الانتظام لرحلات المغادرين من غير تأكيدات لنقل جميع الراغبين، بينما بدا من أجوبة المتحدث نيد برايس، أنّ الإدارة تلوّح بإقامة علاقات مع نظام "طالبان"، فيما لو توافرت شروط الاعتراف، مشيراً إلى أنّ "أي علاقة يجب أن تكون مبنية على الأفعال لا الأقوال، مثل احترام حقوق الإنسان والمرأة". وجاء ذلك في تناقض مع تصريحاته قبل أيام، التي قال فيها إنّ الإدارة الأميركية "لن تعترف بطالبان لو أخذوا السلطة بالقوة"، فيما كان الكشف عن التنسيق الأمني مع "طالبان"، أول إشارة إلى محاولة مدّ الجسور وجسّ النبض بشأنها.

حتى الآن لا تبدو محاولات تسويق الذرائع ناجحة حتى لدى حزب الرئيس. رؤساء 3 أهم لجان في مجلس الشيوخ (العلاقات الخارجية والاستخبارات ولجنة القوات المسلحة) يطالبون الرئيس بتفسير لكارثة الانسحاب، ما زالت وسائل الإعلام هي الأخرى تطارد القرار وتداعياته "المعيبة".

وهكذا الحال في وسائل التواصل الاحتماعي ومطابخ الرأي. والرئيس بايدن في وسط دائرة الاستهداف، حيث هبط رصيده بين 5 و7 نقاط.

الصور من مطار كابول التي نقلتها الشاشات بدأت تؤثر في الموقف من الحيثيات التي استند إليها في الانسحاب، فيما كشف استطلاع أولي أجرته مجلة "ذي أتلانتيك" عن أنّ 48% من الأميركيين أصبحوا ضد القرار. ولا يزال الموضوع حديث الساعة، وسيبقى إلى أواخر الشهر الجاري في أحسن الأحوال.

بايدن اشترى غلطة ولا يعرف كيف يتخلّص منها. هل بكبش فداء؟