هل تتجه تونس إلى برلمان جديد بالانتخاب على الأفراد؟

هل تتجه تونس إلى برلمان جديد بالانتخاب على الأفراد؟

06 ابريل 2022
متابعون: يمكن للنظام الجديد أن يكرس الجهويات والقبلية والاختيار حسب القرب والنسب (Getty)
+ الخط -

لا يفصل التونسيين سوى أقل من 4 أشهر عن الاستفتاء المرتقب في 25 يوليو/ تموز المقبل، للتصويت على تعديل النظام الانتخابي والدستور، ليستبق الرئيس قيس سعيد وثيقة الاستفتاء والحوار الوطني، معلنًا عن نظام انتخابي جديد يقوم على اختيار الأفراد بدل التصويت على القائمات الحزبية والمستقلة.

وكشف سعيد اليوم الأربعاء أن "التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة (17 كانون الأول/ ديسمبر) سيكون في دورتين، وعلى الأفراد وليس على القوائم بحسب ما جاء في الاستشارة الوطنية"، وفق قوله.

وأكد على هامش زيارته ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي التي ستشرف على الانتخابات، "لكن ليس بالتركيبة الحالية"، مضيفًا أنّ "الشعب التونسي سيقول كلمته في الدستور الجديد والنظام السياسي خلال الاستفتاء يوم 25 تموز/ يوليو المقبل".

ويرى مراقبون أن سعيد استبق مخرجات الحوار الوطني حول النظام الانتخابي بتقديم ما يرنو إليه من شكل انتخابي جديد لا تكون فيه أجسام وسيطة من أحزاب وكيانات سياسية، مفضلاً إرساء نفس السياق الذي صعد عبره إلى قصر قرطاج، باعتباره مرشحاً مستقلاً تم التصويت له فردياً على حساب ممثلي الأحزاب وزعماء التيارات السياسية المنافسين له.

ويرتكز مشروع سعيد السياسي على فهم مغاير لممارسة العملية الديمقراطية وفق "فكر سياسي جديد" كما صرح به من قبل، حيث ينبني هذا الطرح على مبدأ الديمقراطية المباشرة والبناء القاعدي، أو ما يعبر عنه بـ"البناء الديمقراطي القاعدي" أو "الهرم المقلوب" من خلال انتخاب مجالس محلية بحسب عدد المعتمديات في تونس، أي 264 مجلساً محلياً، يتم انتخاب أعضائها عن طريق الاقتراع المباشر على الأفراد من كل عمادة.

بعد ذلك، تنبثق عن هذه المجالس مجالس جهوية بحسب عدد المحافظات في تونس، أي 24 مجلساً جهوياً. ويعُد عن كل مجلسٍ عضواً واحداً ممثلاً عن كل معتمدية. أما البرلمان أو "المجلس الوطني الشعبي" فهو يمثل أسفل هرم السلطة، وينبثق أعضاؤه عن المجالس المحلية.

يمكن للنظام الجديد أن يغيب الشباب والمرأة عن البرلمان باعتبار أن النظام الانتخابي الحالي يفرض تمثيل المرأة والشباب في تركيبة القوائم

وتقوم فكرة محاسبة النواب المنتخبين على سحب الوكالة منهم كما ألمح سعيد مراراً في تصريحات مختلفة، فيمكن للناخبين خلال المدة النيابية سحب عضوية النائب الذي قصّر في واجباته بناء على عريضة شعبية تجمع تزكيات المواطنين، فيما لم يعلن عن شروط العريضة أو العدد المطلوب فيها.

من جانبه، قال عضو هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري في حديث لـ"العربي الجديد" إن نظام الاقتراع على الأفراد في الانتخابات التشريعية يشبه نظام الانتخاب في الرئاسيات 2019، حيث يتجه الناخب للتصويت على اختيار فرد (مرشح وحيد) على دورتين وليس على قائمة كاملة.

وبين أن من مزايا هذا النظام هو تمكين الناخبين من متابعة ومحاسبة من منحوهم أصواتهم، مشيرًا إلى إمكانية فتح المجال لاختيار عدة أشخاص من عدة قائمات مختلفة وبانتماءات مختلفة.

أما عن مساوئ هذا النظام، فقد أكّد المنصري أن النظام الجديد يمكن ألا يضمن نجاح المرأة في حال تصويت الناخبين على اختيار الرجال؛ بما يمكن أن ينتج برلماناً كاملاً من الرجاء مع إقصاء النساء منه، في وقت يفرض فيه البند 39 من الدستور على الدولة دعم حضور المرأة في البرلمان وفي الانتخابات، كما يقول.

وتابع "يمكن أن يغيب الشباب عن البرلمان باعتبار أن النظام الانتخابي الحالي يفرض على القوائم تمثيل المرأة من خلال التناصف والشباب في تركيبتها"، ولفت إلى إمكانية أن "يفتح المجال لدعم حضور الأثرياء في البرلمان، ما يفرض وضع رقابة كبيرة جداً لمراقبة إمكانات توزيع الأموال".

كما أكد ضرورة إخضاع النظام الجديد للحوار حول إيجابياته وسلبياته قبل تجربته، مشيراً إلى أن أكبر مشاكل نظام الاقتراع الحالي تكمن في فرز "التشتت البرلماني"، وأضاف أن "هذا النظام يمكن أن ينتج برلماناً أكثر تشتتاً، باعتبار أن الأفراد المنتخبين لا يجمعهم رابط حزبي ولا انتماء سياسي أو جمعياتي؛ وبالتالي يمكن أن يدعم مزيدا من التشتت"، في المقابل أكد أنه يمكن لهذا النظام أن يقلص التشتت.

وتابع قائلاً "يمكن لهذا النظام أن يكرس الجهويات والقبلية والاختيار حسب القرب والنسب والمصاهرات". وبين أن "تونس عبر تاريخها لم تعرف الانتخابات على الأفراد"، مشيراً إلى أن "هناك دولاً تعتمد هذه الطريقة، إلا أن تجربتها الديمقراطية أعرق وذات ثقافة مختلفة"، مشدداً على ضرورة إجراء دراسة سياسية واجتماعية حول النظام الجديد.

وحول مسألة الانتخاب على دورتين، أكد أن "العملية الانتخابية تنطلق باعتماد نتائج من يحصل على أكبر عدد من الأصوات في الدورة الأولى ليسمح لهم بالترشح للدور الثاني، وعادة باعتماد قاعدة الأغلبية المطلقة (50 زائد واحد) ويتم إقصاء المرشحين الذين حصلوا على أصوات دون الأغلبية المطلقة في الدور الأول".

وحول كلفة الانتخاب على دورتين، قال المنصري إن "كلفة الانتخابات التشريعية على دورتين أكبر من دورة وحيدة كما هو معمول به حالياً، وبالتالي يفترض مضاعفة الموازنة المالية، وذلك باعتماد نفس اللوجتسيك والمكاتب والأعوان والتأمين بما يناهز ضعف التكلفة" حسب تقديره.

وكرست تونس نظام الاقتراع على القائمات الحزبية والمستقلة في دورة وحيدة وبتوزيع المقاعد في مستوى الدوائر الانتخابية مع الاعتماد على قاعدة التمثيل النسبي مع أكبر البقايا الانتخابية، وتم وضع هذا النظام بعد نقاشات طويلة بين الأحزاب والمنظمات والحقوقيين صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي أحدثت مباشرة بعد الثورة في 2011 ومكنت من وضع قانون انتخابي.

ومكن النظام الانتخابي في تلك الفترة من إشراك أكبر قدر من الطيف السياسي والأيديولوجي المتنوع والصعود إلى أول برلمان متنوع وتعددي منذ الثورة، حيث كان الهدف إشراك الجميع في صياغة دستور تشاركي من قبل المجلس الوطني التأسيسي (2011-2014).

وساهمت هذه المنظومة الانتخابية في صعود تمثيلية هامة للمرأة تجاوزت ثلث تركيبة البرلمان (المتكون من 217 عضوا) إلى جانب إشراك مهم للشباب، وهو ما كان محل إشادة أممية من المراقبين الدوليين ومتابعي سيرورة الانتخابات خلال السنوات الماضية.