نزوح السودانيين المتكرر... المعارك تلاحقهم وتدمر حياتهم

نزوح السودانيين المتكرر... المعارك تلاحقهم وتدمر حياتهم

13 يناير 2024
نازحون من ود مدني بعد وصولهم الفاو (العربي الجديد)
+ الخط -

مشهد نزوح السودانيين تكرر أخيراً في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، بعدما وجدوا أنفسهم صباح الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي أمام خيار وحيد هو مغادرة المدينة بعد دخول قوات "الدعم السريع" إليها وتفجر المعارك داخل الأحياء.

خطوط صغيرة متواصلة ومتعرجة على الأرض تركتها عجلات حقائب جرّها النازحون خلفهم، لتبدأ رحلة فرار جديدة لمئات الآلاف من سكان المدينة والنازحين إليها من العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، في نزوح متكرر بحثاً عما يظنونه بر الأمان.

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منتصف إبريل/ نيسان الماضي، فرّ عشرات الآلاف من سكان المدن والقرى، نازحين إلى مناطق أخرى بحثاً عن ملاذ آمن، لكن المعارك ظلت تلاحقهم من مكان لآخر وتدفعهم للنزوح مجدداً، في ظل استمرار قوات "الدعم السريع" في مهاجمة المدن والمناطق التي لم تدخل دائرة الاشتباكات، وآخرها مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة الزراعية.

وتحاول تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، والتي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، التوفيق بين طرفي الصراع للوصول لاتفاق يوقف إطلاق النار ويضمن إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين.

وعقد حمدوك لقاء في أديس أبابا في الأول من يناير/كانون الثاني الحالي مع قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والذي ظهر بعد اختفائه لأشهر، فيما يحاول عقد لقاء مماثل مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، من دون ظهور أي بوادر على رغبة الجيش في ذلك.

نزوح السودانيين من ود مدني إلى شرقي وشمالي السودان

وبعد هجوم "الدعم السريع" على ود مدني، وجد سكان المدينة والنازحون أنفسهم على موعد مع نزوح جديد، إذ تفرقت بهم السبل نحو مدن وولايات أخرى مجاورة، خصوصاً الولايات الشرقية، وهي ولايات القضارف وكسلا وبورتسودان، فيما تحرك آخرون أبعد من ذلك نحو الولاية الشمالية.

رصدت "العربي الجديد" معاناة وفرار النازحين من ود مدني إلى نحو ست مدن 

وبعد سيطرة "الدعم السريع" على ود مدني، رصدت "العربي الجديد" معاناة رحلة نزوح السودانيين إلى نحو ست مدن لجأوا إليها، وهي مدن سنار والفاو والقضارف وكسلا وربك وكوستي. وكانت الأحياء الشرقية في ود مدني الأكثر تضرراً لوقوعها في منطقة المعارك الأولى قبل سقوط المدينة، وقد توجه سكانها مباشرة نحو المدن والقرى القريبة.

ورافقت "العربي الجديد" النازحين من ود مدني إلى مدينة الفاو بولاية القضارف، حيث افترشت مئات الأسر الأرض في سوق المدينة، ولم يحصلوا على أي مساعدة حكومية بعد وصولهم ليلاً قبل أن يتفرقوا نحو مناطق أخرى صباحاً.

ثم تحركت مجموعة من النازحين نحو مدينة القضارف، عاصمة الولاية التي تحمل نفس الاسم، وبعد وصولهم ذهب البعض إلى أقاربهم ومعارفهم، فيما ظل آخرون تحت الأشجار يبحثون عن مراكز الإيواء.

نزوح السودانيين المتكرر بحثاً عن الإيواء

وقالت السيدة نوال حلبي، والتي كانت تجلس تحت ظل شجرة في موقف السفريات بمدينة القضارف، لـ"العربي الجديد"، إنها نزحت من الخرطوم نحو ود مدني، والآن نزحت مجدداً إلى القضارف ولم تجد مركزاً للإيواء، إذ قررت حكومة الولاية في وقت سابق إخلاء المدارس التي يقطنها النازحون، لبدء العام الدراسي، من دون توفير مراكز بديلة ذات سعة مناسبة.

وأضافت بينما يجلس زوجها بجوارها، أنهم يفكرون وصغارهم في المغادرة إلى ولاية كسلا، معتبرة أن مدينة القضارف نفسها مهددة بالهجوم عليها بعد ود مدني. وتابعت: "لقد تعبنا من الفرار من منطقة إلى أخرى، نحن نعاني حتى في دخول الحمام وننتظر أحيانا لثلاثة أيام للتمكن من ذلك، لم أعد أقوى على الفرار المتواصل يجب أن تنتهي هذه الحرب فوراً".

انتشر مقاتلو "الدعم السريع" على طول طريق الخروج من ود مدني وهددوا نازحين

وخلال رحلة نزوح السودانيين من ود مدني التي رصدتها "العربي الجديد"، كان مقاتلو "الدعم السريع" المنتشرون على طول طريق الخروج من المدينة، يوقفون الرجال وينتزعون هواتفهم ونقودهم ويهددون من يحاول الاعتراض بالقتل.

وقال أحد المقاتلين، والذي جاء على دراجة نارية برفقة آخر، للنازحين بعد انتزاع هواتفهم، إن لديهم توجيهات بجمع هذه الهواتف لأنها تُستخدم في توجيه الطائرات الحربية التي تقصف قواتهم.

وخلال رحلة نزوح السودانيين اضطر الكثير من الناس لترك الحقائب الثقيلة تحت الأشجار والمغادرة بما أمكنهم حمله، فيما حمل آخرون آباءهم وأمهاتهم المسنين فوق كراس متحركة وعربات البضائع ذات الإطار الواحد، والتي كثيراً ما كانت تعلق في الرمال وتؤخر حركتهم تحت أشعة الشمس.

وخلال هذه الرحلة التي استغرقت نحو 13 ساعة حتى قرية العريباب، شرق ود مدني، أصيب الكثيرون بالإعياء والإغماء وسط استمرار الاشتباكات والقصف الجوي حولهم.

من جانبها قالت السيدة فطومة محمد، إنها نزحت من الخرطوم إلى ود مدني، بحثاً عن الأمان، ومكثت هناك لأربعة أشهر قبل أن تصل المعارك إليهم.

وأضافت أنها نزحت إلى الفاو ثم القضارف وصولاً إلى كسلا شرقي السودان، وهي تقيم الآن برفقة أبنائها في مدرسة خصصتها المنظمات الخيرية لإيواء الأسر النازحة. وأشارت إلى أنها تفكر في مغادرة البلاد نحو مصر أو إثيوبيا خوفاً من وصول المعارك إلى كسلا أيضاً.

ولفتت إلى أن المدن والمناطق التي لجأ إليها النازحون، وجدوا أهلها يحزمون حقائب الرحيل تحسباً لوصول المعارك، فقد غادر الكثير من سكان مدينتَي الفاو والقضارف نحو كسلا والقرى البعيدة، فيما توجه البعض نحو مدن ربك وكوستي بولاية النيل الأبيض.

كذلك غادر أغلب سكان مدينة القطينة القريبة من الخرطوم بعد سيطرة "الدعم السريع" عليها، الشهر الماضي، نحو قرى ولاية الجزيرة، وهو الحال بمدينة الدويم إلى الجنوب من القطينة، جنوب الخرطوم.

نزوح متكرر بدا واضحاً أيضاً في ما ذكره المواطن محمد محمود لـ"العربي الجديد"، والذي توجه جنوباً من ود مدني نحو سنار في 17 ديسمبر الماضي، مضيفاً أنه تنقل نازحاً منذ اندلاع الحرب في ثلاث ولايات وأربع مدن، وقد لحقت به المعارك مرتين في الخرطوم وأم درمان وثالثاً في ود مدني، وهو الآن في كسلا.

وأضاف أن أسرته في ولاية الشمالية، وهو في ولاية أخرى، وقد مل وتعب من النزوح المستمر ويأمل انتهاء ذلك قريباً.

الحرب في السودان خلفت دماراً على المدنيين

وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قد عبرت عن قلقها إزاء تفاقم أزمة النزوح القسري في السودان والدول المجاورة، وذلك مع فرار مئات الآلاف من الأشخاص من القتال الأخير في ولاية الجزيرة وسط السودان، جنوب شرق العاصمة الخرطوم.

وقال المتحدث باسم المفوضية ويليام سبيندلر، في مؤتمر صحافي في جنيف، يوم 19 ديسمبر الماضي، إنه "بعد اندلاع الصراع لأول مرة في العاصمة السودانية في إبريل الماضي، فر أكثر من نصف مليون شخص، بمن في ذلك حوالي 7 آلاف لاجئ، إلى ود مدني من الخرطوم".

ونبه إلى أنه منذ اندلاع الحرب، "فر أكثر من 7 ملايين شخص من منازلهم في السودان، واضطر الكثير منهم للمغادرة مراراً وتكراراً بحثاً عن مكان آمن بشكل مؤقت". وتابع: "ويظهر هذا النزوح المتكرر مدى الدمار الذي خلفه هذا الصراع على السكان المدنيين".

كما لفت إلى أنه "مع هذه الجولة الأخيرة من القتال في ود مدني، شوهد بعضهم وهم يغادرون المدينة بالمركبات وسيراً على الأقدام، وبعضهم يفعل ذلك للمرة الثانية خلال بضعة أشهر فقط".

وأضاف أنه "وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فقد فر ما بين 250 ألفاً إلى 300 ألف شخص من مدينة ود مدني والمناطق المحيطة بها منذ بدء الاشتباكات".

المساهمون