موجة استهداف جديدة للناشطين جنوبي العراق

موجة استهداف جديدة للناشطين جنوبي العراق

09 فبراير 2021
خلال احتجاجات بمدينة الناصرية جنوب العراق (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت مدن كربلاء والنجف وذي قار جنوبي العراق، في الأيام الماضية، عودة لافتة لعمليات استهداف الناشطين المدنيين، بين خطف واعتقال ومحاولة اغتيال على يد جهات مسلحة، من دون أي تعليق حكومي لغاية الآن على هذه العمليات. وتُوجّه الاتهامات لـ"التيار الصدري"، بزعامة مقتدى الصدر، بالوقوف وراء الهجمات الجديدة، كرد فعل على الحفل التأبيني الذي أقامه ناشطون في النجف أخيراً، بمناسبة الذكرى الأولى لمقتل زملائهم في المدينة بهجوم نفذه اتباع "التيار الصدري"، في 5 فبراير/شباط من العام الماضي، خصوصاً أنّ المشاركين في الحفل رددوا قصائد شعبية وهتافات منددة بالصدر. واعتبرت الهجمات الجديدة بمثابة كسر لحالة التهدئة الأخيرة التي دامت أسابيع عدة، على مستوى استهداف الناشطين في الحراك المدني العراقي.

شهد يوما السبت والأحد الماضيان مداهمة منازل 10 ناشطين في النجف

وشهد يوما السبت والأحد الماضيان مداهمة منازل 10 ناشطين في النجف، من قبل مجموعات مسلحة تستقلّ سيارات رباعية الدفع، نتج عنها اعتقال ثلاثة ناشطين، فضلاً عن والد أحدهم، قبل أن يتم إطلاق سراح المعتقلين فيما بعد، من دون أن يتحدث أي منهم عن الجهة التي اعتقلتهم وما الذي أرادته منهم تحديداً. لكن ناشطين فروا من المدينة قالوا، عبر منشورات على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، إنّ مليشيا "سرايا السلام" التابعة لمقتدى الصدر تلاحقهم، قبل أن يتم الإعلان عن اختطاف الناشط البارز في كربلاء رائد الدعمي، لنحو سبع ساعات، والعثور عليه في مقبرة كربلاء القديمة مكبلاً وقد تعرّض لتعذيب شديد، ليل السبت الأحد، من دون أن تصدر الشرطة أي توضيح على الرغم من أنها هي من عثرت عليه. لكن الدعمي ظهر لاحقاً في مقطع فيديو ويبدو بحالة سيئة، قائلاً: "أعذروني ولكنني أجد صعوبة في الحديث بسبب الإصابات والكسور في جسدي"، مؤكداً أنّ الخاطفين حققوا معه بشأن مشاركته في "إحياء ذكرى ضحايا تظاهرات مدينة النجف في منتدى الأدباء بالمدينة". ووجّه رسالة لمن وصفهم بـ"الجمهور التشريني"، في إشارة للمتظاهرين، بأنه "لا يمكن الخضوع والسكوت، لأنه لا يوجد حاجز للصمت"، وختم متوجهاً إلى مقتدى الصدر بالقول إنّ "المعلومات التي تصلك كاذبة، والبعض يشوّه سمعة تيارك".

عقب ذلك، نجا الناشط النجفي البارز، أحمد الحلو، أول من أمس الأحد، من محاولة اغتيال أثناء خروجه من مدينة النجف، متوجهاً إلى محافظة بابل المجاورة، حيث اعترض مسلحون السيارة التي كان يستقلها، وسط تضارب في المعلومات بشأن طبيعة الهجوم عليه بين طعنات بالسكاكين أو إطلاق نار. وقد ظهر الحلو وهو مدمى الوجه، ويتحدث بصعوبة، معاتباً أهالي منطقة القاسم في محافظة بابل، باعتباره لجأ إليهم، ومتهماً "سرايا السلام" بالاعتداء عليه. وتواصلت "العربي الجديد"، مع مقربين من الناشط أحمد الحلو، الذين أكدوا عدم معرفتهم بوضعه الصحي الحالي، لكنه كان قد قرر ترك النجف والتوجه إلى محافظة أخرى، بسبب تهديدات المليشيات الولائية له (الموالية لإيران).

وقال صديق للحلو لـ"العربي الجديد"، إنّ "التيار الصدري على ما يبدو تكفّل بتنفيذ تهديدات المليشيات الولائية للناشط الحلو"، فيما ذكر آخر أنّ "الشرطة العراقية كانت على مقربة من المكان الذي تم فيه استهداف الحلو، ولم تتدخل، في حين تم نقله من قبل مواطنين، بعضهم لا يعرف أن هذا ناشط من النجف".

غالبية المستهدفين في الأيام الأخيرة هم ممن شاركوا في "منتدى أدباء النجف"

وفجر أمس الإثنين، أُعلن عن نجاة الناشط المدني علي عماد، من هجوم مسلح في محافظة ذي قار، لكنه أصيب بجروح خطيرة. وذكر موقع إخباري عراقي أنّ حالته غير مستقرة، وتم نقله إلى مستشفى الحسين التعليمي، وسط مدينة الناصرية من قبل ذويه. كما أُعلن عن استهداف ناشط آخر، أمس، يدعى علي رحيم هاشم، والذي أصيب برصاصتين في الساق بقضاء الشامية ضمن محافظة ذي قار أيضاً.

وكان أُعلن، الأحد، عن اختطاف الناشط والشاعر يوسف جبران، بعد يوم من إلقائه قصيدة في مرقد الإمام علي بن أبي طالب بمدينة النجف، انتشرت بشكل كبير داخل العراق، وهاجم فيها أحزاب السلطة والمليشيات قائلاً: "أهل الدين باسم الدين قتلونا، وحقك يا علي كلهم صفوا أنذال... عندنا أحزاب تعبد بس صنم طهران". بينما قال الناشط وسام الكناني، من مدينة النجف، في آخر منشور له على فيسبوك، يوم الأحد، "نحن ملاحقين من سرايا السلام الآن"، قبل أن يضيف "الحمد لله خلصنا منهم. أبرئونا الذمة".

ويظهر أنّ غالبية المستهدفين في الأيام الأخيرة التي أعقبت عصر الجمعة الماضي، هم ممن شاركوا في "منتدى أدباء النجف"، الذي نظم في ذلك اليوم أمسية في ذكرى ضحايا التظاهرات الذين قتلوا في الخامس من فبراير/شباط من العام الماضي، على يد أتباع التيار الصدري، وكان علق مقتدى الصدر في ما بعد على هذه الأحداث بالقول إنها كانت "جرة أذن لهم". وألقيت خلال الأمسية قصائد وكلمات حماسية، لاستذكار الضحايا، حملت انتقادات واتهامات لمقتدى الصدر، وحمّلته مسؤولية دماء الضحايا الذين قتلوا في تلك الأحداث. كما هاجم المشاركون في الأمسية حكومة مصطفى الكاظمي لمماطلتها في التحقيقات المتعلقة بقتل المتظاهرين، والتي كان وعد رئيس الوزراء بإجرائها ومحاكمة القتلة.

وبعد ساعات من الأمسية، حاصر أتباع الصدر المنتدى الذي ما زال مغلقاً لغاية الآن، قبل أن يخرج صالح محمد العراقي، الذي يعرّف عن نفسه بـ"وزير الصدر"، في بيان يتهم فيه المشاركين في الأمسية بأنهم "بعثيون" و"دواعش" و"عشاق الصهيونية"، متحدثاً عن ملاحقتهم بـ"القانون والمجتمع".

الحجيمي: الصدر بات هو الحالة القمعية الواضحة والعلنية ضدّ الحراك الشعبي

ويحمّل المتظاهرون وتنسيقيات المحتجين في محافظات وسط وجنوب البلاد، الأجهزة الأمنية، المسؤولية عن عدم حماية الناشطين. وفي السياق، قالت تنسيقية المتظاهرين في كربلاء، في بيان أمس الإثنين، إنّ "تلك القوات لا تجيد سوى دور المتفرج دائماً، ونلزمها بالكشف عن الخاطفين فوراً، وسيكون لنا موقف تجاه هذه الانتهاكات". فيما علّق عضو البرلمان العراقي، ظافر العاني، على الهجمات الأخيرة ضد الناشطين، في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر"، بالقول "عندما يتم اغتيال الأحرار ومطاردتهم علناً من قبل المليشيات المتنفذة بينما تقف الدولة عاجزة عن حمايتهم، فإنّ هذا إعلان عن موت مؤسساتها الأمنية، ودعوةٌ لأن يدافع كل ثائر عن نفسه".

من جهته، أشار علي الحجيمي، وهو ناشط ومتظاهر من مدينة النجف، إلى أنّ "مليشيات سرايا السلام تقف خلف أغلب الهجمات الأخيرة"، معتبراً أنها "تسلمت حملات استهداف الناشطين". وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الصدر بات هو الحالة القمعية الواضحة والعلنية ضدّ الحراك الشعبي والمدني والعلماني في البلاد، في حين يحدث كل ذلك بعلم القوات الأمنية والحكومة العراقية ورئيسها مصطفى الكاظمي، الذي لا يجرؤ هو الآخر على مواجهة الصدر، ومنع الاعتداء على الناشطين، مع العلم أنه كان قد وعد، في أكثر من مناسبة، بحماية المحتجين وتلبية مطالبهم".

من جهته، قال عضو التيار المدني، أحمد حقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الصدر قرر معاقبة الناشطين الذين شاركوا في منتدى النجف، وانتقدوه أو وصفوه بالقاتل، ولا نستبعد أن يكون هو من يقف خلف الهجوم الأخير، يوم الجمعة، على مقر الحزب الشيوعي العراقي في النجف بالقنابل الحارقة، بعد تصريحات لأعضاء في الحزب بشأن فشل تجربة تحالفهم السابق مع التيار الصدري ضمن كتلة سائرون". لكن حقي أعرب عن اعتقاده بأنّ أتباع الصدر "كانوا مخططين لهجمات لا تفضي للموت، بمعنى أنه تم اختطاف وتعذيب عدد من الناشطين لساعات عدة ثمّ أطلق سراحهم. كما يظهر من خلال إطلاق النار الذي طاول بعض الناشطين، أنه كان لإصابتهم لا لقتلهم. وحتى العبوة الناسفة التي وجدت عند باب ناشط نجفي قبل يومين، كانت صوتية لغرض إسكاته وليس قتله أو إيذاء أسرته"، وفقاً لقوله.

الزاملي: اتهام "سرايا السلام" باستهداف المتظاهرين هو من مصلحة أعداء العراق

في المقابل، قال القيادي في "التيار الصدري"، حاكم الزاملي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "هناك جهات مستفيدة من التظاهرات، وتحاول تمويل عناصر خبيثة داخلها لاستهداف آل الصدر، ولا سيما أنها أسرة عراقية ودينية مهمة، ولها أدوار كبيرة في الحفاظ على الخطاب الوطني الحر". واعتبر أنّ اتهام "سرايا السلام" باستهداف المتظاهرين أو الاعتداء عليهم، هو "من مصلحة أعداء العراق ولا أدلة على هذه الاتهامات"، مضيفاً أنّ "كثيراً من المتظاهرين هم أصلاً من التيار الصدري، ويطالبون بحقوقهم بطرقٍ سلمية وليس تخريبية".

أما السياسي العراقي غيث التميمي، فرأى أنّ "التيار الصدري بات من أخطر المليشيات التي تستهدف المتظاهرين علانية، ومن دون أي مخاوف من القوات الأمنية، بل إنّ الأخيرة تخشى التدخل وحماية الناشطين والمتظاهرين، لأنها إذا تدخلت فستكون هي الأخرى عرضة للخطر". وأشار، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الصدر متابع جيّد للأحداث العراقية، وهو في الوقت الذي لا يقبل من أي جهة أو شخص أن يتجاوز عليه، فهو لا يمتلك أحياناً السيطرة على بعض المجاميع التي تواليه. وبالتالي، فإنّ الدفاع عن الصدر من خلال الاعتداء على الناشطين، بات نشاطاً طوعياً يقوم به أنصاره، وفي بعض الأحيان يكون منسقاً ومنظماً، وتشجع على ذلك الردود والتصريحات التي تصدر عن صالح محمد العراقي، الذي يمثّل صوت الصدر الثأري من الناشطين".