لا تزال فضائح "المواد النووية" المخزنة في المستودعات اللبنانية تتفاعل منذ انفجار مرفأ بيروت يوم الرابع من أغسطس/ آب 2020، وتضيء عليها التقارير الدولية، كاشفةً تفاصيل عنها لتحذّر من خطورتها، فيما تصرّ المنظومة الحاكمة وأجهزتها المعنية على استكمال سياسة الإهمال الوظيفي والمماطلة في إجراءاتها الإدارية والتنفيذية، والاستمرار في امتهان ممارسات قاتلة بحق مواطنين يعيشون يومياً هاجس تكرار المجزرة، ويفقدون الثقة بالطبقة السياسية المحصِّنة من المساءلة والعقاب.
وأفاد تقرير أعدته شركة "كومبي ليفت" الألمانية عن وجود مواد كيميائية خطرة داخل مستودع في منشآت النفط في الزهراني، جنوب لبنان، وتبيّن بعد الكشف عليها من قبل خبراء في الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية أنّ "هذه المواد هي نووية عالية النقاوة، ويشكل وجودها خطراً"، وهو ما ورد إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من الأمن العام اللبناني، على حدّ قول دياب في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، الذي التأم اليوم الجمعة برئاسة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري.
وفي قضية المواد الكيميائية أيضاً، سبق أن أثار فيديو يظهر وجود 75 حاوية تحتوي على مواد وصفت بالخطرة، مخزنة في منشآت النفط في طرابلس، شمال لبنان، جدلاً كبيراً، مطلع شهر مارس/ آذار الجاري، دفع المديرية العامة للنفط إلى التوضيح بأنّ هذه المواد قديمة جداً، وتصنف بالمواد المتهالكة، والتي يجب التخلص منها، وليست ذات مواصفات متفجرة.
إلى ذلك، أوضحت المديرية العامة للنفط– منشآت النفط في طرابلس والزهراني، أن المواد المذكورة دخلت إلى لبنان بين العام 1950 و1960، أي قبل المعاهدة الدولية المتعلقة بعدم انتشار الأسلحة النووية المبرمة عام 1973، وبذلك يعتبر لبنان غير مخالف للمعاهدة الدولية.
وأشارت إلى أن المواد الموجودة هي عبارة عن 4 عبوات زنة كل منها 100 غرام، و3 عبوات زنة 250 غراما، وأخرى زنة 50 غراما، وهي مواد استهلاكية يتم استخدامها في الأبحاث العلمية، والمقصود بعبارة عالية النقاوة هي أنها عالية الجودة، ويمكن استثمارها في إطار البحوث والدراسات العلمية والجامعات والمعاهد المتخصصة.
وقالت: "منشآت النفط هي التي بادرت إلى التعاقد مع الشركة الألمانية، وبعلم كافة الأجهزة المعنية، لإجراء الكشف على المواد التي يمكن أن تشكل خطراً، والتي تبيّن وجودها في مختبر منشآت الزهراني فقط، ومنشآت النفط على تنسيق كامل مع الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية التي عرضت على المنشآت تخزينها بطريقة علمية، ونظراً لعدم توفر الإمكانيات، تبنت المديرية العامة للنفط أحد اقتراحي الهيئة بأن تكون هذه المواد بعهدتها وإدارتها. وقد تم الاتفاق اليوم بين المديرية والهيئة، وبإشراف المجلس الوطني للبحوث العلمية، على نقلها بسيارة خاصة يوم الاثنين إلى مركزها، وتصبح بعهدتها وفقاً للأصول".
كما أكدت المديرية العامة للنفط – إدارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني أن "وزارة الطاقة والمياه تعمل بشكل جاد وسريع على ترحيل المواد، وقد بادرت المديرية العامة للنفط إلى التواصل مع الشركة الألمانية التي قامت بدورها بالكشف والجدولة والتصنيف تمهيداً لخطة ترحيلها والتخلص منها".
في السياق، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء الركن محمود الأسمر، لـ"العربي الجديد"، إنّ عملية شحن المواد بهدف ترحيلها بدأت، وستشمل الـ52 حاوية الموجودة في بيروت، على أن يصار إلى شحن المواد الأخرى تباعاً، مؤكداً أنّ وزير الطاقة والمياه يتواصل مع الشركة الألمانية والمعنيين في ما خصّ الحاويات المرتبطة بطرابلس ليعمل على شحنها وترحيلها.
وخلال جلسة المجلس الأعلى للدفاع التي بحثت جملة بنود مدرجة على جدول الأعمال، من ضمنها أيضاً تمديد حال التعبئة العامة في البلاد ستة أشهر لمواجهة فيروس كورونا، قال دياب: "في الملف المتفرّع عن انفجار مرفأ بيروت، هناك قضية المستوعبات التي يفترض أن يبدأ ترحيلها خلال أيام، بعد أن انطلقت الباخرة التي ستشحن تلك المستوعبات إلى خارج لبنان. ويبقى هناك ملف المستوعبات الجديدة التي يتم الكشف عنها في عدة مناطق"، مضيفاً: "بالنسبة إلى ملف نفايات الطاقة المشعّة، وبانتظار عملية إنشاء المبنى الذي كان مجلس الدفاع الأعلى قد أوصى بإنشائه في السلسلة الشرقية، نحن نعمل على ترحيل هذه النفايات إلى خارج لبنان، مع المستوعبات الموجودة في مرفأ بيروت".
تجدر الإشارة إلى أنّ السفارة الألمانية في بيروت كانت قد أعلنت، بتاريخ السادس من فبراير/ شباط الماضي، انتهاء عملية معالجة 52 حاوية تضمّ مواد كيميائية شديدة الخطورة كانت موجودة في المرفأ منذ سنين طويلة، ورغم التنبيه إلى الكارثة التي قد تحدث في حال بقاء هذه المواد، التي وصفها مدير الشركة الألمانية هيكو فيلدر هوف بـ"بقنبلة ثانية موجودة في بيروت"، تأخرت عملية الشحن إلى ألمانيا بسبب التأخر في نقل الاعتمادات اللازمة للشركة، تنفيذاً للعقد الموقع معها، ولأسباب إدارية، قبل أن يتم فتح الاعتماد في منتصف شهر مارس/ آذار الجاري.
وقرّر المجلس الأعلى للدفاع، خلال الجلسة، تكليف وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات المعنية، لا سيما الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، لتخزين المواد الشديدة الخطورة، بعد سحبها من منشآت النفط أو أي أمكنة أخرى.كذلك، كلّف الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية استكمال الاتصالات لإيجاد حل نهائي لنفايات الطاقة المشعة المخزنة في مقر الهيئة.
إلى ذلك، قال رئيس قسم التسويق والاتصالات في شركة "كومبي ليفت" الألمانية مالتي ستينهوف، لـ"العربي الجديد"، إن الشركة ما زالت تجري مشاورات ومحادثات مستمرة مع الحكومة اللبنانية في ما يخص مشاريع إنقاذ محتملة في منشآتي طرابلس والزهراني، وفضّل عدم التعليق على الموجودات، مكتفياً بالقول: "لا نتائج ملموسة حتى الآن".
من ناحية أخرى، وفي إطار التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، يستكمل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار جلسات الاستجواب، وشملت، اليوم الجمعة، المدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي، ومدير الميناء في المرفأ محمد المولى، الموقوفين في الملف.