أعلنت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب في فرنسا، مساء الجمعة، أنها تولّت التحقيق في "اغتيال شخص له سلطة عامة في إطار عمل إرهابي أو جمعية إجرامية إرهابية"، في أعقاب هجوم بسكين نفذه تونسي وقتل فيه شرطية في مركز شرطة رامبوييه على بعد 60 كيلومتراً من العاصمة باريس، قبل أن ترديه الشرطة قتيلاً.
وبحسب العناصر الأولى التي جمعها التحقيق، فقد شوهد المهاجم يجتاز ممرات عديدة أمام مركز شرطة رامبوييه، ولم يظهر عليه أي توتر أو حركات تدفع عناصر الشرطة في المركز للاشتباه به، إلا أنه قرابة الساعة الثانية و20 دقيقة من بعد الظهر، استغل دخول الشرطية ستيفاني إلى غرفة أمنية ذات بابين تغلق بجهاز تحكم إلكتروني فتبعها بسرعة، وطعنها بسكين في رقبتها عندما أغلق الباب.
وبحسب ما نقلت قناة "فرانس إنفو" عن مصدر من المحققين، شاهد موظفو الاستقبال المهاجم يلوح بالسكين من خلف الزجاج، لكن الباب لا يمكن فتحه إلا من قبل العناصر التي تمتلك صلاحيات الدخول إلى الغرف المؤمنة، وعندما هرع عناصر الشرطة لفتح الباب كان المهاجم قد قتل الضحية.
من هي الشرطية الضحية؟
توفيت ستيفاني، وهي موظفة إدارية تبلغ من العمر 49 عاماً على الفور، وكانت للتو قد عادت من استراحة الغداء من دون سلاح، وأطلق زملاؤها النار على المهاجم مرتين، ليفارق الحياة في مستشفى قريب نقل إليه إثر إصابته.
وذكر مصدر في الشرطة أنها "عملت لأكثر من عشرين عاماً في مركز شرطة رامبوييه"، حيث كانت مسؤولة بشكل خاص عن إدارة الإحصاءات المتعلقة بالمخالفات، وهي أم لطفلين قاصرين.
دوافع القاتل
القاتل، ويدعى جمال.ج مواطن تونسي يبلغ من العمر 36 عاماً، يقيم على الأراضي الفرنسية بشكل نظامي، ولم يكن معروفاً للشرطة وأجهزة المخابرات بأي أنشطة متشددة. موطنه الأصلي منطقة سوسة شرقي تونس، وصل إلى فرنسا عام 2009، واستفاد في عام 2019 من تصريح إقامة استثنائي يعطى لمن يحصلون على عمل في فرنسا، ثم تصريح إقامة في ديسمبر/كانون الأول 2020، ساري المفعول حتى ديسمبر/كانون الأول 2021، بحسب ما نقلت صحيفة "لوموند" عن مكتب المدعي الوطني لمكافحة الإرهاب.
وأوضح المدعي العام لمكافحة الإرهاب جان فرانسوا ريكار، خلال مؤتمر صحافي مساء الجمعة، أنّ التحقيق أسند إلى مكافحة الإرهاب بسبب طبيعة الجهة المستهدفة، وكذلك "التعليقات التي أدلى بها منفذ الهجوم أثناء التحقيق في الوقائع". وأوضح أنّ الشهود في مركز الشرطة سمعوا المهاجم يصرخ: "الله أكبر" مرتين داخل الغرفة التي تبع الموظفة إليها، وأظهرت سجلات هاتفه المحمول مشاهدته لمقاطع فيديو دعائية إسلامية قبل الهجوم مباشرة.
وفي ساعات متأخرة من مساء الجمعة، كان البحث جارياً في منزله، في "منطقة هادئة نوعاً ما في رامبوييه"، وفقاً لمصدر في الشرطة تحدث إلى صحيفة "لوموند"، فيما نقلت مجلة "لوبوان" عن مصدر قضائي قوله، إنه تم اعتقال ثلاثة أشخاص من معارف المهاجم مساء الجمعة. كما جرى بحث في منزل شخص استقبله لدى وصوله إلى فرنسا عام 2009، بحسب مصدر مقرب من التحقيق.
ماكرون أمام هجوم خصومه اليمينيين
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد غرّد على "تويتر" من تشاد، حيث يشارك في مراسم عزاء الرئيس التشادي إدريس ديبي: "كانت شرطية، ستيفاني قُتلت في دائرة شرطة رامبوييه، على أراضي إيفلين التي سبق أن شهدت أحداثاً أليمة"، في إشارة إلى قطع رأس المدرس صامويل باتي عام 2020 وقتل شرطيَين في يونيو/حزيران 2016 في الضاحية نفسها من المنطقة الباريسية".
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) April 23, 2021
وفي أعقاب الهجوم، ضاعف اليمين واليمين المتطرف الهجوم على ماكرون، منتقدين "تراخي" السلطات وعجزها عن وقف "الهجمات الإرهابية" في فرنسا. وجاء الهجوم الأكثر ضراوة من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي قالت في تصريحات على قناة "بي إف إم": "نفس الأهوال تتبع بعضها البعض، نفس الحزن اللامتناهي... لا يمكننا أن نتحمل بعد الآن".
وتابعت لوبان، وفقاً للعناصر التي جمعها التحقيق "يقال إن الجاني وصل بشكل غير قانوني في عام 2009 (قبل أن ينال أول إقامة له عام 2019) كيف يمكن لرجل مختبئ في أراضينا لمدة عشر سنوات أن يقيم بشكل منتظم كل هذا الوقت؟"، ودعت إلى "طرد مئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين الموجودين في فرنسا".
من جهته، قال زعيم "الحزب الجمهوري" السابق كزافييه برتراند، إن "الشرطة تدفع مجدداً ثمناً باهظاً"، مندداً بـ"الفشل التام" لماكرون في مجال الأمن. في حين قال النائب في البرلمان عن حزب اليمين إريك سيوتي، إن الحكومة في عهد ماكرون "أخطأت بشكل خطير بدافع السذاجة والتقاعس في مواجهة الإرهاب والإسلاموية"، على حد تعبيره.