مفاوضات فيينا تُستأنف اليوم: هل تعود الوفود بـ"قرارات" لإبرام اتفاق؟

مفاوضات فيينا تُستأنف اليوم: هل تعود الوفود بـ"قرارات" لإبرام اتفاق؟

08 فبراير 2022
بدأ العد العكسي لإنهاء المفاوضات (Getty)
+ الخط -

مع استئناف الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا النووية لإحياء الاتفاق النووي، اليوم الثلاثاء، يكون قد بدأ العد العكسي لإنهاء هذه المفاوضات، التي تؤكد الأطراف أنها في مرحلتها النهائية، ولا تتسع للمزيد من النقاش الفني، وأن حلّ الخلافات العالقة يتوقف على "قرارات سياسية"، تتخذها الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

ولأجل ذلك، اتفقت أطراف التفاوض على وقف المفاوضات لأكثر من أسبوع، اعتباراً من 29 الشهر الماضي، لتعود الوفود إلى العواصم، ثم تعود إلى فيينا بهذه القرارات. واليوم السؤال الملّح هو ما إذا ما كان الطرفان، الإيراني والغربي، قد أقرّا فعلاً هذه القرارات لجهة حلّ القضايا العالقة، وما يتبعه من إحياء الاتفاق النووي أو عدمه.

ولأجل استئناف الجولة الثامنة، توجه كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، اليوم الثلاثاء، إلى فيينا. ومن المقرّر أن تبدأ مساء اليوم لقاءات بينه وبين رؤساء وفود آخرين. لكن سيتأخر كبير المفاوضين الأميركيين روبرت مالي عن الالتحاق بالمفاوضين، حيث يحضر غداً الأربعاء جلسة استماع بالكونغرس الأميركي، للرد على أسئلة المشرِّعين الأميركيين حول هذه المفاوضات وتطوراتها.

وعشية استئناف المفاوضات أعلنت الولايات المتحدة، الاثنين، أنّ هناك إمكانية للتوصّل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، بشرط أن يُنجَز بسرعة، مع تسريع طهران لقدراتها النووية.

وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية لوكالة "فرانس برس": "هناك اتفاق بمتناول اليد يتطرّق إلى المخاوف الأساسية لجميع الأطراف، لكن إذا لم يُبرم في الأسابيع المقبلة، فإنّ التقدّم النووي الإيراني المستمرّ سيجعل عودتنا إلى خطة العمل الشاملة (الاتفاق الإطاري الذي أبرم عام 2015) مستحيلة".

إصرار إيراني على المطالب

وعلى الضفة الإيرانية، صعّدت طهران خلال الأيام الأخيرة لجهة التمسّك بمواقفها ومطالبها بشأن المفاوضات للتوصل إلى "اتفاق جيد" تنشده، وذلك على ما يبدو كآخر محاولة للضغط على الجانب الآخر لتحصيل المزيد من التنازلات. وتؤكد إيران أنّ التقدم الحاصل في المفاوضات لا يحقق توقعاتها، وأنّ هناك قضايا مهمة عالقة حول العقوبات، والضمانات، وآلية التحقق من تنفيذ التعهدات.

وفي السياق، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، الأميرال علي شمخاني، اليوم الثلاثاء، إنّ "من دون خروج واشنطن من الأوهام، فطريق التفاوض لن يكون سالكاً". وأضاف شمخاني الذي أطلق في إجراء لافت للنظر حملة تغريدات خلال الأيام الأخيرة بشأن المفاوضات النووية، أنّ "الإدارة الأميركية الراهنة تسعى حتى الآن، من خلال مواصلة سياسة الضغوط القصوى لدونالد ترامب، لتحقيق أهدافه بوعود فارغة، وهي أهداف سعى لها هو بعنجهية، لكنه أخفق فيها".

إلى ذلك، أكد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، اليوم الثلاثاء، خلال لقائه مع كبار قادة السلاح الجوي الإيراني، أن بلاده تتعرض "لحملات مركبة جماعية من الأعداء"، مشيراً إلى أنها "تتخذ طابعاً اقتصادياً، وسياسياً، وأمنياً، وإعلامياً، ودبلوماسياً".

وأضاف المرشد الإيراني الأعلى، وفقاً لما أورده موقع مكتبه الإعلامي على الإنترنت، أن إيران "عليها في المقابل أن تنتقل من موقف الدفاع إلى الهجوم إعلامياً، وأمنياً، واقتصادياً".

طهران لن تجري مفاوضات مباشرة مع الأميركيين

في غضون ذلك، ذلك، استدعى البرلمان الإيراني، وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان إلى جلسة مغلقة، اليوم الثلاثاء، لمناقشة تطورات ملف المفاوضات وتفاصيلها.

وأكد عبداللهيان، خلال الجلسة، وفق ما نقله عنه عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، إبراهيم رضائي، أن إيران "لن تجري مفاوضات مباشرة مع الأميركيين، وتسعى إلى رفع الحد الأقصى من العقوبات، وضرورة التحقق من رفعها والحصول على ضمانات من الطرف الآخر".

وأضاف عبداللهيان، وفق وكالة "تسنيم"، أن مباحثات فيينا تجري حول "وثيقة جديدة"، مشيراً إلى أن رفع العقوبات عن الأشخاص الاعتباريين والحقيقيين "من محاور جادة بالمفاوضات، وهو موضوع أساسي".

كما نقل عنه المتحدث باسم البرلمان نظام الدين موسوي، قوله إن الخارجية الإيرانية تسعى خلال المفاوضات إلى "الحصول على ضمانات قانونية وسياسية واقتصادية"، مؤكداً أن الاتفاق يجب أن ينبني على "ضمانات لازمة" لإيران. وأضاف وزير الخارجية الإيراني أن "الطرف الآخر، وخصوصاً أميركا، يسعى خلال المفاوضات إلى عدم القبول بتعهدات جادة وأساسية، وعدم تحمل المسؤولية وعدم تقديم ضمانات، لكن وفد إيران المفاوض أكد ضرورة قبول الطرف الآخر بتعهداته وتقديم ضمانات".

في الأثناء، جرت مباحثات هاتفية، اليوم الثلاثاء، بين وزير خارجية إيران ونظيره الصيني وانغ يي، تناولت مفاوضات فيينا. وأكد الوزير الإيراني خلال الاتصال، أنّ "على الطرف الغربي اتخاذ قرار جاد ومؤثر بشأن رفع العقوبات"، داعياً الإدارة الأميركية الحالية إلى "الابتعاد عن السياسات الفاشلة للإدارة الأميركية السابقة بشكل ذي مغزى، وهذا يتمثل برفع جميع العقوبات التي تتعارض مع الاتفاق النووي، واتخاذ خطوات جادة في مجال تقديم الضمانات".

تحركات مكثفة تسبق استئناف المفاوضات

توقفت المفاوضات في فيينا، الأسبوع الماضي، لكن لم تتوقف التحركات والاتصالات الدبلوماسية والوساطات بين إيران والولايات المتحدة، لحثّ الطرفين على اتخاذ القرارات اللازمة ليعود بها وفداهما إلى فيينا. ولهذا أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يُعَدّ بلده أحد الشركاء في الاتفاق النووي والمشاركين في المفاوضات، محادثات هاتفية "مطولة"، الأسبوع الماضي، مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، ليؤكد "ضرورة تسريع" الجهود لإحراز "تقدم ملموس" في المفاوضات، وفق بيان الإليزيه، داعياً إيران إلى اتباع "نهج بنّاء".

وقد كثفت قطر جهود الوساطة بين طهران وواشنطن لـ"تقريب وجهات النظر" في مفاوضات فيينا، وفق وزير خارجيتها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي أجرى زيارة لطهران، الأسبوع الماضي، سبقتها محادثتان هاتفيتان مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وذلك قبيل زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني واشنطن، التي شكلت تطورات مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي أحد عناوينها.

كذلك أجرى مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، اتصالاً بوزير الخارجية الإيراني، ليحثّ إيران والأطراف الأخرى على اتخاذ القرارات الضرورية لإنقاذ الاتفاق النووي.

حلول للخروج من الأزمة

تأتي كل هذه التطورات في وقت دخلت فيه المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا محطتها الأخيرة، ولم تعد تتسع أكثر من ذلك، حسب الدبلوماسي الإيراني السابق، جاويد قربان أوغلي.

ويؤكد قربان أوغلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الإرادة والقرار السياسيين يشكّلان الحل الأساسي للخروج من هذه الأزمة، لذلك على الطرفين أن يتخذا قرارات سياسية، وهي تعود على المنطقة والعالم بالنفع لمصلحة السلام والاستقرار".

لكن يكتسب الاتفاق المحتمل "أهمية كبيرة للغاية لإيران، سياسياً وأمنياً واقتصادياً"، كما يقول الدبلوماسي الإيراني السابق، الذي أكد أنّ بلاده "دفعت ثمناً كبيراً بسبب هذا الملف" النووي، مع قوله إنّ "هذه الأثمان كان يمكن أن تنفق على التعليم والصحة وتنمية البنى التحتية وبناء مستقبل أفضل للشباب"، غير أنّ "الصناعة النووية شكلت ضربة كبيرة لكل هذه القطاعات"، حسب قربان أوغلي.

ويشير الدبلوماسي الإيراني السابق إلى وجود قضايا عالقة في المفاوضات "على الرغم من بعض التقدم الذي أحرزته"، مضيفاً أنّ هذه القضايا تتمثل برفع العقوبات، وطريقة إلغائها، والعودة عن الخطوات النووية، وتحديد مصير الإنجازات النووية التي حققتها إيران بعد وقف التعهدات النووية، فضلاً عن ملفات التحقق والضمانات.

يؤكد قربان أوغلي أنّ حلّ كل هذه الخلافات بحاجة إلى "قرارات سياسية"، لافتاً إلى اتخاذ بلاده "موقفاً صلباً بشأن مصير أجهزة الطرد المركزي المتطورة واحتياطات اليورانيوم المخصب".

لكن "من حق إيران أن تكون قلقة"، كما يقول الخبير الإيراني، الذي أكد أنه "إذا تقرر وفق اتفاق 2015 وأن يتم تدمير أو تخزين أو نقل هذه الإنجازات إلى دولة أخرى (مثل روسيا)، ففي المقابل يجب أن تحصل إيران على ضمانات بشأن تنفيذ الطرف الآخر تعهداته"".

وتجري مفاوضات فيينا بشكل غير مباشر بين طهران وواشنطن، بواسطة بقية أعضاء الاتفاق النووي، وهي روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، فضلاً عن وساطة منسق المفاوضات إنريكي مورا الذي يشغل منصب نائب مفوض السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي.

لكن ينتقد الدبلوماسي الإيراني السابق، جاويد قربان أوغلي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن تكون المفاوضات غير مباشرة بين الطرفين الرئيسيين، إيران والولايات المتحدة، داعياً إلى إجراء مفاوضات مباشرة، عازياً السبب إلى أنّ "كلاً من الوسطاء (أعضاء الاتفاق النووي) لديهم مصالح ومنافع منفصلة مع إيران وأميركا، كذلك ليس هناك مواقف موحدة بشأن الاتفاق النووي والقيود النووية والامتيازات الأميركية".

ويؤكد قربان أوغلي أنّ الولايات المتحدة "لن تقدم تنازلاً لإيران من خلال وسطاء مثل الصين وروسيا، وحتى الحلفاء الأوروبيين"، لافتاً إلى أنه "إذا تقرر أن تقدم امتيازاً، فإنها ستقدّمه مباشرةً، ليحصل على امتياز مباشر من إيران".

ويضيف أنّ "الإصرار على رفض التفاوض المباشر في ظروف تبحث الدول عن مصالحها ليس منطقياً"، مشيراً إلى أنّ أسباب إيران لرفض التفاوض كانت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، "لكن التصريحات المكررة من كبار المسؤولين الأميركيين ضد هذا الانسحاب واعتباره خطوة حمقاء، يكفي لحل هذه المشكلة".