مفاوضات الوجود الأميركي في العراق مرهونة بإيقاف الفصائل هجماتها

مفاوضات الوجود الأميركي في العراق مرهونة بإيقاف الفصائل هجماتها

26 يناير 2024
يوجد نحو 2500 عسكري أميركي في العراق (Getty)
+ الخط -

تقترب بغداد وواشنطن من الاتفاق على الدخول في مفاوضات رسمية بشأن الوجود الأميركي في العراق قد تمتد لعدة أشهر، وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق على جدول زمني يُنهي الوجود العسكري الأميركي وعمل التحالف الدولي للحرب على "داعش"، الذي تقوده واشنطن في البلاد منذ العام 2014.

يأتي هذا وسط استمرار حالة التوتر بين الفصائل الحليفة لإيران والولايات المتحدة، التي نفذت منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 6 ضربات جوية في بغداد والأنبار وبابل، استهدفت مقرات تلك الفصائل، إلى جانب هجمات أخرى على مقرات تابعة للفصائل ذاتها داخل الأراضي السورية المجاورة.

وأعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق" في بيان، مساء أمس الأول الأربعاء، استهداف 3 قواعد عسكرية أميركية، هي "كونيكو" في سورية، ومطار أربيل، و"عين الأسد" في الأنبار.

كما برز أمس إعلانها استهداف ميناء أسدود دخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسط تأكيدات مراقبين أن الفصائل تتجه نحو توسعة تصعيد عملياتها داخل العراق وسورية وصولاً إلى أهداف للاحتلال داخل فلسطين.

وذكرت الجماعة في بيان لها أنه "استمراراً بنهجنا في مقاومة الاحتلال، ونُصرةً لأهلنا في غزّة، وردّاً على المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحقّ المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ، هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق (أمس) الخميس، ميناء أسدود في أراضينا المحتلة بالطيران المسيّر، وتؤكد المقاومة الإسلامية استمرارها في دكّ معاقل الأعداء". ونشرت الجماعة على منصتها في "تليغرام" مشاهد لإطلاق طائرة من دون أن تشير إلى موقع تنفيذ الهجوم، وسط ترجيحات أنه من داخل الأراضي السورية.

وأعلنت وزارة الخارجية العراقية، في بيان أمس الخميس، التوصل لاتفاق مع أميركا يقضي بإطلاق تقييم لتهديد "داعش" وخطره من أجل صياغة جدول زمني ومحدد لمدة وجود التحالف الدولي في العراق والمباشرة بخفض تدريجي ومدروس، وصولاً إلى إنهاء المهمة العسكرية للتحالف.

وأكدت أن العراق يسعى إلى "الانتقال إلى علاقات ثنائية شاملة مع دول التحالف؛ سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية وعسكرية، تتسق مع رؤية الحكومة العراقية"، مجددةً "التزام العراق بسلامة مستشاري التحالف الدولي أثناء مدة التفاوض في كل أرجاء البلاد والحفاظ على الاستقرار ومنع التصعيد". 

بغداد جاهزة لبدء مفاوضات حول الوجود الأميركي في العراق

ووفقاً لمسؤولين عراقيين في بغداد، فإن وفدهم الحكومي جاهز لبدء مفاوضات بشأن الوجود الأميركي في العراق متى قررت واشنطن ذلك، على أن يسبق أي دخول في المفاوضات وقف الفصائل المسلحة الحليفة لطهران هجماتها على المصالح والمواقع الأميركية في العراق وفي سورية.

دبلوماسي عراقي: واشنطن وافقت على الدخول بنقاش جدي حول طلب بغداد إنهاء دور التحالف الدولي

يأتي ذلك بالتزامن مع تقارير غربية أكدت أن بغداد وواشنطن بصدد بدء محادثات لإنهاء الوجود الأميركي في العراق بينما أصدرت وزارة الخارجية العراقية بياناً، ليلة الأربعاء الخميس، قالت فيه إن وزير الخارجية فؤاد حسين تسلّم من السفيرة الأميركية لدى العراق ألينا رومانوسكي "رسالة مهمة" من حكومتها إلى الحكومة العراقية. وأوضح البيان أنه "سوف تتم دراستها" من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والجهات المعنية المختصة و"ستتخذ الخطوات القادمة بشأنها قريباً".

وبعد نحو ساعة من بيان وزارة الخارجية، أصدر المكتب الحكومي العراقي بياناً قال فيه إن السوداني ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الوطني الوزاري، بحضور وزراء الدفاع والداخلية وقائد الأمن الوطني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورؤساء أركان الجيش وقيادة العمليات وقائد القوات البرية.
وذكر البيان أن "الاجتماع شهد عرضاً مستفيضاً للاعتداءات الأخيرة التي طاولت العراق وشكلت خرقاً صارخاً للسيادة العراقية، وجرى التأكيد على ضرورة اتخاذ كل الإجراءات السياسية والدبلوماسية والأمنية اللازمة لحماية سيادة العراق وحفظ أمنه".

مخاوف من تأثيرات لانسحاب القوات الأميركية

وفي حين شدد مسؤولون عراقيون على أن بغداد تريد انسحاباً عسكرياً أميركياً هادئاً وبلا أي آثار سياسية واقتصادية أو أمنية، فإن آخرين يعتبرون أن هذا الانسحاب، في حال تحقق، سيُفقد العراق الأفضلية في المعاملات التي كان يحصل عليها من الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد العام 2003، مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وقد يضعه في دائرة خطر تعرضه لعقوبات.

بالمجمل فإن الوجود الأميركي في العراق لا يُمكن ربطه فقط بموضوع 2500 عسكري أميركي، كما يجري تسويقه إعلامياً في العراق منذ أيام، فالبلاد التي تعاقبت عليها 9 حكومات منذ الغزو الأميركي في 2003، ترتبط مع واشنطن بسلسلة كبيرة من الاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية.

ومن أبرز هذه الأمور استمرار الهيمنة الأميركية على عائدات النفط العراقي وإيداعها في البنك الفيدرالي الأميركي في حساب خاص للعراق، وهي من ضمن آثار البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي فُرض على بغداد في 1991، كضمان لاستحصال أموال الكويت والدمار الذي تسبب به الغزو العراقي وقتها.

إلى جانب ذلك، فإن نحو 65 في المائة من ترسانة الجيش العراقي أميركية، بدءاً من السلاح الخفيف مروراً بدبابات "أبرامز" ومدرعات "هامفي"، وصولاً إلى سرب المقاتلات الحربية من طراز "إف 16"، وحتى على مستوى سلاح المدفعية والصواريخ الموجهة. كما تُقدر قيمة الصفقات التي أبرمتها بغداد في العقد الأخير مع واشنطن بنحو 10 مليارات دولار، ما يعني استمرار حاجة العراق لتعاون عسكري كبير مع أميركا.

كما تتملك المسؤولين عن قطاع المال العراقي مخاوف من أن يؤدي أي تأخير أو شح في إيرادات الدولار النقدي من واشنطن إلى بغداد، لانهيار سريع في قيمة الدينار العراقي، كما حصل في أغسطس/ آب الماضي، عندما لامس سعر الدولار 1700 دينار، بسبب تأخر قبول واشنطن تسليم بغداد دفعات من الدولار التي يطلبها البنك المركزي، بفعل تأخره في تقديم ضمانات عدم وصول جزء من هذه الأموال إلى إيران وسورية ولبنان.

غير أن دبلوماسياً عراقياً بارزاً في وزارة الخارجية قال، لـ"العربي الجديد"، إن واشنطن وافقت على الدخول بنقاش جدي حول طلب بغداد إنهاء دور التحالف الدولي، الذي تأسس في نهاية 2014.

وأكد أن المفاوضات حول "الاستحقاق الوطني والطبيعي" قد تأخذ أشهراً عديدة، وستكون على شكل جولات في بغداد وواشنطن من قبل وفدين رسميين، لكن شرط أن توقف الفصائل هجماتها على القواعد الأميركية في العراق وسورية قبل أي مفاوضات وخلالها وبعد الاتفاق النهائي أيضاً.

بحث جدول زمني للانسحاب الأميركي

ولا يستبعد المسؤول أن تكون الانتخابات الأميركية سبباً وراء قبول إدارة الرئيس جو بايدن بالدخول في هذه المفاوضات، التي أكد أنها "ستكون لبحث جدول زمني للانسحاب، وليس لانسحاب سريع كما حصل في أفغانستان، مع فارق العدد والقدرات الأميركية في كلا البلدين".

وكشف أن هناك عدة نقاط رئيسية سيتم اعتمادها في أي مفاوضات بهذا الإطار، هي "مسألة داعش ومعالجة آثاره، بما فيها إعادة النازحين وإنهاء هيمنة الفصائل المسلحة على مدن وبلدات عراقية مختلفة (مثل جرف الصخر والعوجة والعويسات)، وتحقيق إصلاحات سياسية وأمنية تكفل عدم توفر أسباب جديدة للتطرف ونشوء تنظيمات إرهابية مرة أخرى أو عودة تنامي داعش".

أحمد النعيمي: الحديث عن قرب الدخول بمفاوضات قد يكون مناورة أميركية

وأوضح أن إحدى النقاط تتمحور حول "القدرات القتالية والتشغيلية للجيش، بما يضمن التأكد من قدرة العراق على التعامل مع أي تهديدات مستقبلية، بما فيها تحديات تنامي قوة الفصائل المسلحة، ومنع تفوق قدرتها العسكرية على قدرة الجيش العراقي، كما في النموذجين اللبناني واليمني".

وتوقع أن يكون شهر مارس/ آذار المقبل بداية لهذا الحوار، الذي قد يأخذ عدة أشهر، قبل الاتفاق على جدول زمني للانسحاب على مراحل، وأن يكون إقليم كردستان آخر مناطق العراق خلواً من الوجود العسكري الأميركي.

تحويل مهمة التحالف الدولي إلى "علاقات ثنائية"

ونقلت قناة "الحرة" الأميركية، أمس الأول، عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله إن واشنطن وبغداد "اقتربتا" من توافق على بدء عمل اللجنة العسكرية العليا تمهيداً لتحويل مهمة التحالف الدولي لدحر "داعش"، والذي تقوده أميركا، إلى "علاقات ثنائية"، دون الإشارة إلى نوع هذه العلاقة أو طبيعتها.

وقال المتحدث: "أعلنا في أغسطس/ آب 2023، أننا نتطلع للمضي قدماً في تشكيل اللجنة العسكرية العليا، لأنها تعكس التزام الولايات المتحدة العميق باستقرار المنطقة والسيادة العراقية"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة والعراق اقتربا من التوافق على بدء حوار اللجنة العسكرية العليا، والتي تم الإعلان عنها سابقاً في أغسطس" الماضي.

ولا يُعلم من هم أعضاء اللجنة العراقية المفاوضة. لكن بطبيعة الحال لن تتخطى أن يكون بعضويتها وزير الخارجية فؤاد حسين، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس أركان الجيش الفريق عبد الأمير يارالله، على اعتبار أن الثلاثة قادوا بين 2019 ولغاية يناير/كانون الثاني 2020 مسبقاً حوارات واسعة مع واشنطن، والتي انتهت باتفاق تحويل مهام قوات التحالف إلى استشارية بدلاً من قتالية، وهو اتفاق ما زال محل جدل وتشكيك بشأن تطبيقه.

وتتجنب القوى السياسية العربية السنية والكردية التعبير عن موقفها إزاء هذه التطورات الجديدة، تخوفاً من أن يتم تصنيفها ضمن معسكر القوى الحليفة لإيران، على غرار "الإطار التنسيقي" الحاكم، الذي يتبنى رسمياً طلب خروج القوات الأميركية من العراق.

زيباري: من يقرر حالة الحرب والسلم؟

لكن وزير الخارجية الأسبق، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، علق، مساء أمس الأول، بعد الرسالة الأميركية التي تسلمتها بغداد من الإدارة الأميركية.

وكتب زيباري، على منصة "اكس"، إن "استهداف القوات الأميركية والدولية الموجودة بموافقة الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2014، يومياً، باسم محور المقاومة الإسلامية، يعني إخراجهم، والوجود الدبلوماسي، والاقتصادي، والسياسي! يا ترى من يقرر حالة الحرب والسلم؟ هل هي الحكومة أم الفصائل المنفلتة؟ هل الهدف هو الفوضى". وفُهم من هذا الأمر استمرار الرفض الكردي لإنهاء دور التحالف الدولي في العراق، والتذكير بمصالح البلاد بالحديث عن خروج اقتصادي وسياسي ودبلوماسي أيضاً.

عملياً لا يعني الاتفاق على الدخول بمفاوضات بين البلدين، تحقق ما ترغب به الأطراف الحليفة لإيران، وهو انسحاب القوات الأميركية من البلاد. وحتى في حال تحققه، فإن ذلك غير مطروح خلال العامين الحالي والمقبل في أغلب الاحتمالات.

واعتبر الخبير بالشأن السياسي والأمني العراقي أحمد النعيمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحديث عن قرب الدخول بمفاوضات بشأن الوجود الأميركي في العراق قد يكون مناورة أميركية، ستكون نافعة لحكومة السوداني التي تواجه ضغوطاً كبيرة من قبل حلفاء طهران.

وأوضح النعيمي أن أميركا ما زالت تمتلك أوراقاً مهمة في العراق، قد تلوح بها، بينها أن تصنيف العراق كدولة ضمن محور إيراني تجعله عرضة لعقوبات مختلفة لا يحتملها. واعتبر أن "خروج القوات الأميركية من العراق قد يجعلها أكثر عنفاً في استهداف الفصائل الحليفة لإيران، وخاصة أنها ستبقى قريبة منه في الجوار السوري".

ويوجد نحو 2500 عسكري أميركي في العراق، ضمن التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، والذي تقوده واشنطن منذ سبتمبر/ أيلول عام 2014. ويتوزع الجنود على ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، هي قاعدة "عين الأسد" في الأنبار، وقاعدة "حرير" في أربيل، ومعسكر "فيكتوريا" الملاصق لمطار بغداد الدولي.

إلا أنه بالمجمل هناك قوات أخرى إلى جانب القوات الأميركية، أبرزها الفرنسية والأسترالية والبريطانية، وهذه تعمل ضمن قوات التحالف وأخرى ضمن عنوان بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالعراق.

وإلى جانب المواقع العسكرية الثلاثة، فإن هناك مواقع أخرى تضم أنشطة غير مدنية، أبرزها وحدة مهام خاصة داخل السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد، وهي مخصصة لحماية البعثة الدبلوماسية الأميركية، وكذلك موقع يرتبط بالتحالف الدولي في مطار أربيل وآخر في مطار السليمانية بمثابة مركز تنسيق أمني متقدم.