مصر: إتاوة الترشح للانتخابات تفجر انشقاقات واسعة في "مستقبل وطن"

مصر: إتاوة الترشح للانتخابات تفجر انشقاقات واسعة في "مستقبل وطن"

01 أكتوبر 2020
تجرى الانتخابات في الأسبوع الثالث من أكتوبر الحالي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

جاء مقطع الفيديو الذي نشره المحامي طارق جميل سعيد على صفحته بموقع "فيسبوك" مهاجماً فيه سياسة اختيار حزب "مستقبل وطن" و"تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، التابعين للمخابرات العامة، للمرشحين في انتخابات مجلس النواب المقبلة، والذين ضمنوا عملياً مقاعدهم النيابية من خلال انضمامهم للقائمة الموحدة الموالية للنظام الحاكم، ليشير إلى حالة واسعة من الانشقاقات والمعارك الداخلية بين المرشحين المعتمدين والمستبعدين من قوائم حزب السلطة بالمحافظات. وبدأت هذه الانشقاقات تنتشر بالفعل بشكل غير مسبوق في الأوساط الريفية والحضرية ولا تخرج كثيراً إلى النور في وسائل التواصل الاجتماعي، نظراً لافتقار أطرافها للشهرة الإعلامية خارج نطاق دوائرهم، وهي معارك سيكون لها أثرها على نتيجة الانتخابات المقرر انطلاقها في الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

ويشبه مقطع الفيديو القصير، الذي حذفه المحامي طارق سعيد بعد ساعات من نشره، في محتواه - من دون ذكر أسماء - عدداً من المقاطع التي نشرتها عضو حركة "تمرد" السابقة دعاء خليفة، في بداية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وتتهم فيها الضابط النافذ أحمد شعبان، مدير مكتب رئيس المخبرات العامة عباس كامل، والمقرب لنجل الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضابط المخابرات محمود، بتعمد الإساءة إليها ومنعها من الانضمام لتنسيقية الشباب التي أنشأها، حتى لا تتمكن من العودة للعمل السياسي. ونشرت خليفة منشورات ومقاطع فيديو عديدة على صفحتها بموقع "فيسبوك" اتهمت فيها شعبان بالتسلط وحجب الحقائق عن السيسي والسعي لتعيين المقربين منه بمجلس النواب من دون اعتبارات للكفاءة، ضاربة أمثلة عدة على ذلك، قبل أن تعود وتحذف جميع ما نشرته، حتى مقاطع الفيديو، وتنشر مقطعاً آخر تزعم فيه أنّ "الصفحة كانت مخترقة"، في تعبير واضح عن حجم الضغوط التي مورست عليها، بما في ذلك إصدار بيان رسمي عن تنسيقية الشباب وإذاعته في وسائل الإعلام الرسمية يتهمها بالافتقاد لحسن السمعة وارتكاب مخالفات مالية وأخلاقية.


تعجّ جميع الدوائر الانتخابية من دون استثناء بالأزمات

ولم يكن للمحامي طارق جميل سعيد أي وجود سياسي يذكر، عدا كونه يعمل مستشاراً قانونياً لبعض وسائل الإعلام المملوكة للمخابرات، لكنه دخل في صدام دعائي مع رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، المدعوم من عباس كامل، وانتقد الأخير من دون أن يسميه عدة مرات. وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، بعد نشر الفيديو المثير للجدل، إن والده - وهو من أبرز المحامين الجنائيين في مصر ومقرب للأجهزة الأمنية - كان يحاول التوسط له للدفع به في تعيينات مجلس الشيوخ التي لم تعلن حتى الآن، لكنه رُفض بسبب هجومه على مرتضى منصور.

غير أنّ ظاهرة الانشقاقات والغضب داخل الدوائر المحيطة بالنظام أوسع وأعمق بكثير من مقاطع الفيديو التي حذفت، سواء من طارق سعيد أو دعاء خليفة. إذ تعجّ جميع الدوائر الانتخابية من دون استثناء بالأزمات، نتيجة اختيار المخابرات والأمن الوطني المرشحين وفق النظام الفردي التابعين لحزب "مستقبل وطن"، والمرشحين وفق نظام القائمة التابعين للحزب نفسه، وباقي أحزاب القائمة الموحدة، بمعايير غير موضوعية، يأتي في مقدمتها سداد مبالغ كبيرة بحجة التبرع للحزب والقائمة، وكذلك مدى قوة علاقة الشخص المتقدّم بالأجهزة وقدرته على جمع تزكيات من شخصيات نافذة بالمخابرات والأمن الوطني والرقابة الإدارية.

ومن المعايير أيضاً مدى مساهمة المرشح في الحملة التي بدأت في نهاية العام، لرفع قاعدة العضوية بالحزب بنسبة 400 في المائة، وفي إعادة تشكيل مكاتب الحزب بجميع المحافظات، حيث ما زالت تجري محاولات لحشد المواطنين لعضوية الحزب جماهيرياً، خصوصاً في قرى الصعيد والدلتا، وترغيبهم بالمزايا السياسية والوظيفية التي يمكنهم الحصول عليها من خلال عضوية الحزب كما كان الوضع في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. لكن استجابة المواطنين لتلك الدعوات ما زالت محدودة، وهو ما أغضب المخابرات بشدة من الطريقة التي أدار بها جهاز الأمن الوطني الملف قبل انتخابات مجلس الشيوخ الماضية. وبناء على ذلك، طرأت تعديلات على مكاتب العضوية ببعض المحافظات، نظراً لضعف الروابط بين الحزب وأعضائه من ناحية، وضعف فعاليات الحشد ومردودها من حيث توسيع القاعدة.


المجموعة الوحيدة من المرشحين التي لم تسدد أموالاً مقابل الترشح، هي التابعة لتنسيقية شباب الأحزاب

وقالت مصادر سياسية مطلعة بالحزب لـ"العربي الجديد"، إنّ المجموعة الوحيدة من المرشحين التي لم تسدد أموالاً مقابل الترشح، هي التابعة لتنسيقية شباب الأحزاب، نظراً لاختيار عناصرها بواسطة أحمد شعبان شخصياً، ونسبة أخرى لا تتجاوز خمسة بالمائة من المرشحين تشمل شخصيات عامة معروفة ونواباً سابقين. لكن باقي المرشحين، سواء كانوا من الفئة التي يختارها الأمن الوطني أو المخابرات، سددوا مبالغ طائلة، وصلت في بعض الدوائر إلى أربعين مليون جنيه (2.5 مليون دولار)، بسبب حدة التنافس على الترشح بين العائلات والقبائل، خصوصاً في الصعيد، إلى حد اكتتاب بعض العائلات لجمع الأموال اللازمة للترشح في محافظات مثل المنيا وسوهاج وقنا.

وأضافت المصادر أنّ المتوسط العام للمبالغ المسددة للمرشح الواحد في القوائم ثلاثين مليون جنيه، وفي الفردي بالصعيد حوالي خمسة عشر مليون جنيه، بينما وصل في القاهرة والجيزة إلى عشرين مليون جنيه، وفي الدلتا بلغ عشرة ملايين جنيه. لكن الوضع تفاقم عندما تم جمع مبالغ مالية أقل من مرشحين آخرين، مقابل الاتفاق معهم على أن يخوضوا الانتخابات كمستقلين وأن ينضموا إلى حزب "مستقبل وطن" في مرحلة الإعادة، أو لدى فوزهم حال خسارة مرشحي الحزب، وهو ما حدث في جميع الدوائر من دون استثناء. إذ أكدت المصادر أنّ جهاز الأمن الوطني بالمناطق الريفية والحضرية بالمحافظات وجهاز المخابرات في العاصمة والمدن الكبرى، اتفقا مع مرشحين أو ثلاثة في كل دائرة على الانضمام للحزب حال خسارة مرشحيه، في سيناريو يعيد إلى الأذهان سياسة الترشيح التي اتبعها "الحزب الوطني" الحاكم في عهد مبارك في آخر انتخابات لمجلس الشعب قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني مباشرة، عندما دفع بمرشحيه بعضهم في مواجهة بعض ومنع جميع المعارضين من خوض الانتخابات.

وبينما رضي بعض المرشحين بأن يكونوا احتياطيين على أمل تعثّر مرشحي حزب "مستقبل وطن"، وركزوا جهودهم لمصارعتهم في مناطق نفوذهم، لم يرتض البعض الآخر حرمانهم من حق الترشح، وهم يرون أنفسهم الأجدر والأكثر خبرة، وخصوصاً أنّ تغليب معيار المال على معايير الخبرة والنعرة العائلية أدى لاستبعاد العشرات من النواب السابقين من ترشيح حزب النظام، وتقديم آخرين للمرة الأولى، وبعضهم بدون خبرات كبيرة. وقد سارع المستبعدون في بعض الحالات إلى التشهير بإدارة الحزب ومرشحيه، وتقديم شكاوى وطعون ضدهم في بعض المحافظات، بل وبلغ الأمر في بعض دوائر الصعيد حد تقديم بلاغات للجهات الأمنية والرقابية تتهم المرشحين المختارين بقضايا فساد مالي وتجارة ممنوعات وآثار.


عمد بعض المستبعدين إلى التشهير بإدارة حزب "مستقبل وطن" ومرشحيه

كما شهدت محافظات الدقهلية ودمياط والغربية والجيزة والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان موجة انشقاقات أخرى بالحزب، بسبب عدم ترشيح ممثلين عن مجموعة كبيرة من العائلات الشهيرة، وعدم تمثيل بعض القرى الكبيرة، والدفع بأكثر من مرشح من مركز واحد في العديد من المحافظات، وضم بعض المدن الكبرى معاً لدائرة واحدة بعدما كانت كل منها تمثل بنائب. بالإضافة إلى أنّ تقسيم المقاعد ومحاصصتها بين المخابرات العامة والأمن الوطني، واعتماد كل منهما على معايير مختلفة في الاختيار، تسببت في صعوبات تنسيقية.

كما أثار غضب بعض الراغبين بالترشح استبعادهم لإفساح المجال لستة وعشرين عضواً من "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، للترشح على قوائم إقليمية، كممثلين لمحافظات ومناطق بعضهم لا ينتمون إليها بالأساس، وبعضهم الآخر لا صلة لهم بها إلا بمحل الميلاد. وهو ما دفع بعض المستبعدين من القوائم للمنافسة على المقاعد الفردية أو الانضمام لقوائم أخرى تكاد تنعدم فرصتها في الفوز، خصوصاً مع اتباع نظام القائمة المغلقة المطلقة بالانتخابات، بينما تمّ إقناع البعض الآخر بالانتظار للترشح في قوائم السلطة الموحدة لانتخابات المحليات.

ويتشكّل مجلس النواب من 568 عضواً، يُنتخبون بالاقتراع العام السري المباشر بواقع 284 مقعداً بالنظام الفردي، و284 مقعداً بالقوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشّح في كل منهما، ويحق لرئيس الجمهورية تعيين نسبة لا تزيد عن 5 في المائة من الأعضاء.

وبحسب القانون، تمّ تقسيم محافظات الجمهورية إلى 143 دائرة للمقاعد الفردية و4 دوائر للقوائم المغلقة، يخصص لدائرتين منها 42 مقعداً لكل واحدة، فيما يخصص للدائرتين الأخريين  100 مقعد لكل منها.