مستقبل غامض لبوركينا فاسو: العسكر باقون في السلطة

مستقبل غامض لبوركينا فاسو: العسكر باقون في السلطة

04 يناير 2024
تراوري في واغادوغو، أكتوبر 2022 (أولمبيا دي ميزمون/فرانس برس)
+ الخط -

تحاول بوركينا فاسو ترتيب أوضاعها السياسية والاقتصادية بعد عام حافل بالأحداث وعاصف بالتقلبات، تطبيقاً لطموحها في التخلص من النفوذ الفرنسي ووضع أسس دولة قوية أمنياً ومستقلة بقرارها في غرب أفريقيا، لكنها تواجه تحديات صعبة، أهمها ضعف الاقتصاد والعنف المسلح وتوالي محاولات الاستيلاء على السلطة بالقوة، كان آخرها في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي.

وبقيادة النقيب الشاب إبراهيم تراوري الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري أزاح قبل عام ونيف حكماً عسكرياً آخر دام 8 أشهر، بدأت الحكومة الانتقالية خطتها التي تتضمن برنامجاً متكاملاً ينتهي بإجراء انتخابات ديمقراطية في يوليو/ تموز 2024.

ويرى مراقبون أن الوضع في بوركينا فاسو يختلف عن باقي دول الساحل (تضمّ بالإضافة لبوركينا فاسو كلاً من مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا)، التي شهدت موجة انقلابات عسكرية في السنوات الثلاث الماضية.

بوركينا فاسو كانت تعاني من مشاكل عدة وأوضاع صعبة، ما جعلها على شفا هاوية، إذ كانت مسرحاً لأكثر العمليات دموية في الساحل الأفريقي، وعانت من الفساد المالي والجمود السياسي إبان حكم آخر رئيس منتخب، هو روش مارك كريستيان كابوري، إضافة إلى التدخل الفرنسي في شؤونها.

ويردّ المراقبون فشل بول هنري سانداوغو داميبا قائد الانقلاب الأول على حكم الرئيس كابوري (2015- 2022)، في البقاء في السلطة أكثر من 8 أشهر، إلى صعوبة الأوضاع في البلاد والفوضى الكبيرة التي خلفتها عقود من الفساد المالي والإرهاب والتدخلات الخارجية.

وفي ظل هذه الأوضاع وخوفاً على منصبه المهدد في أي لحظة بانقلاب عسكري كما حدث في سبتمبر الماضي، أطلق إبراهيم تراوري، القائد المؤقت لبوركينا فاسو منذ 30 سبتمبر 2022، سلسلة مشاورات مع مختلف القوى السياسية وأبدى انفتاحاً على المعارضة وقام بتعديل الدستور وأحدث تغييرات في البنية العسكرية وأطلق استراتيجية لمحاربة الإرهاب.

كما أقام تراوري تحالفاً عسكرياً مع مالي والنيجر، وأبرم اتفاقيات عسكرية مع روسيا، فيما قلص اعتماد بلاده على فرنسا، الحليف الاستراتيجي السابق لبوركينا فاسو.

تعديل دستوري وتأجيل الانتخابات

في آخر يوم من العام الماضي، اعتمد البرلمان البوركينابي (الجمعية التشريعية الانتقالية) تعديلاً دستورياً بأغلبية 64 صوتاً من أصل 70، أصبحت بموجبه اللغات الوطنية لغات رسمية، بدلاً من الفرنسية التي أصبحت لغة العمل فقط. كما تم إلغاء محكمة العدل العليا المخصصة لمحاكمة كبار الشخصيات السياسية. في المقابل، تم توسيع صلاحيات ومهام المجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وترى الحكومة الانتقالية أن "التعديلات الجديدة تندرج في إطار تحقيق إحدى المهام الأساسية للمرحلة الانتقالية، التي تتمثل في الشروع في إصلاحات سياسية وإدارية ومؤسساتية، بهدف تعزيز الثقافة الديمقراطية وترسيخ سيادة القانون". وكانت بوركينا فاسو قد شهدت في الأشهر الأخيرة عدة تظاهرات للمطالبة باعتماد دستور جديد وعدم الاكتفاء بتعديل جزئي للدستور.


سيدو يياه: إقرار دستور جديد يهدف إلى التخلص من النصوص المصممة على غرار الدستور الفرنسي

في هذا الصدد، قال الباحث السياسي البوركينابي سيدو يياه إن إقرار دستور جديد هي مسألة سيادية ومطلب شعبي يهدف إلى التخلص من النصوص المصممة على غرار الدستور الفرنسي وتحقيق السيادة السياسية والاقتصادية والثقافية، وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إجراء الانتخابات في يوليو المقبل لم يعد ممكناً بعدما ارتفعت المطالب باعتماد دستور جديد، وإقرار الرئيس الانتقالي بأن إجراء الانتخابات لم يعد أولوية، وأن الأولوية الرئيسية هي توفير الأمن ليتمكن جميع المواطنين من اختيار رئيسهم. وكان تراوري قد أعلن في حديث تلفزيوني أن الانتخابات ليست اولوية وأنها لن تنظّم قبل معالجة موضوع الأمن.

وأضاف يياه "الرئيس إبراهيم تراوري أكد إمكانية تأجيل الانتخابات إلى ما بعد يوليو... وأنه لن يتم إجراؤها إلا إذا سمح الوضع الأمني في البلاد بذلك، وهذا ما يفرضه المنطق، فمن غير الممكن إجراء الانتخابات في المدن الرئيسية وترك باقي البلدات التي تعاني من العنف المسلح من دون انتخابات، وبالتالي حرمان آلاف المواطنين من حقهم في اختيار رئيس للبلاد".

وشدّد يياه على أن الحكومة الانتقالية في بوركينا فاسو كانت سابقة لتنفيذ وعودها أكثر من باقي الحكومات التي استلمت الحكم في دول أفريقية حدثت فيها انقلابات عسكرية أخيراً. وعلى الرغم من المعوقات الكثيرة التي تواجهها حكومة بوركينا فاسو، إلا أنها كانت أكثر وضوحاً وإقبالاً على العمل الميداني لتنفيذ وعودها، خصوصاً في ما يخص مواجهة الهجمات المسلحة المتكررة.

محاربة الإرهاب بعيداً عن فرنسا

يتخوف البوركينابيون من تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى طالما أن الرئيس الانتقالي ربط بين تنظيمها واستتباب الأمن في المناطق التي تعاني من اضطرابات أمنية شديدة منذ أكثر من 10 سنوات.

في السياق، اعتبر الباحث السنغالي يحيى نداري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إبراهيم تراوري عندما تولى السلطة في سبتمبر 2022 بعد الانقلاب الذي قاده ضد قائد الانقلاب الأصلي بول هنري سانداوغو داميبا، استشهد بشكل خاص بتدهور الوضع الأمني لتبرير هذا الانقلاب، ووعد بتنظيم انتخابات رئاسية في يوليو 2024، لكنه عاد ليربط بين تنظيم الانتخابات واستتباب الأمن، وهو شرط من الصعوبة أن يتحقق في ظل الظروف الحالية التي تعاني منها دول المنطقة وفي وقت تحتاج فيه البلاد إلى حكم مدني منتخب".


يحيى نداري: لا تزال فئة عريضة من البوركينابيين غير مقتنعة بالحكم الحالي

ورأى نداري أن الرهان على تنظيم الانتخابات يجب أن يكون أقوى طالما أن البلاد تتعرض لمحاولات انقلابية ولا تزال فئة عريضة من الشعب غير مقتنعة بالحكم الحالي وتنادي بتنظيم الاقتراع الرئاسي.

وشدّد نداري على أن الأمن أولوية كما أن العودة للحكم الدستوري أولوية قصوى في بلد مضطرب كبوركينا فاسو، معتبراً أن الحرب على الإرهاب وتفكيك الجماعات المسلحة ستكون أقوى وأكثر فعالية في ظل نظام منتخب قادر على تأسيس جيش وطني قوي، بعيد عن التأثيرات الاجتماعية والإثنية التي تقوّض عمله حالياً.

وحذر نداري من الثمن الباهظ الذي ستدفعه بوركينا فاسو وكذلك دول منطقة غرب أفريقيا، إذا استسلمت لقادة الانقلابات والحكم العسكري الذين يخططون للبقاء بشكل دائم في السلطة أو على الأقل البقاء لأطول فترة ممكنة.

ويتساءل مراقبون عن الخطة التي ستتبعها واغادوغو لمحاربة الجماعات المسلحة واستتباب الأمن الذي سيقود في مرحلة لاحقة إلى تنظيم انتخابات مصيرية، خصوصاً أنها ألغت كافة عقودها العسكرية مع فرنسا التي كانت تتولى تدريب الجيش ومدّه بالمعدات، في حين لا يزال تعاونها العسكري مع روسيا متواضعاً وفي بدايته.

وأعادت روسيا فتح سفارة لها في بوركينا فاسو، الخميس الماضي، بعد انقطاع دام 31 عاماً. وتأتي الخطوة لتعكس التقارب الجديد بين البلدين، بعد توتر العلاقات بين واغادوغو وباريس. ومنذ عام 2015، وقعت بوركينا فاسو في دوامة من أعمال العنف التي ترتكبها الجماعات المسلحة الموالية للقاعدة في غرب أفريقيا، وخلفت هذه الهجمات أكثر من 17 ألف قتيل، وأكثر من مليوني نازح في بوركينا فاسو.

المساهمون