محطات الوساطة في أزمة غزة… ما وراء التنقل المستمر؟

محطات الوساطة في أزمة غزة… ما وراء التنقل المستمر؟

25 فبراير 2024
آثار غارة إسرائيلية على رفح، الجمعة (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -

كشف مصدر مصري رفيع المستوى، أن انتقال المباحثات الدولية حول الأزمة المشتعلة في قطاع غزة منذ أكثر من 4 أشهر، بين أكثر من عاصمة عربية وغربية، سببه أن الموضوع الذي يتم بحثه "شديد التعقيد"، لذلك يحاول كل طرف من الأطراف التي تسعى إلى التوسط لحل الأزمة، أن يقدّم كل ما لديه من وسائل لنزع فتيل الأزمة.

وأوضح المصدر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مسائل كثيرة معقدة ذات جوانب قانونية وأخرى سياسية، تعرقل التوصل إلى اتفاق، من بينها على سبيل المثال، نية حكومة الاحتلال اجتياح رفح، بالمخالفة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وملاحقها الأمنية، خصوصاً اتفاقية فيلادلفيا (الموقّعة في عام 2004 بين مصر وإسرائيل)، وذلك بالإضافة إلى التعقيدات الأخرى المرتبطة بمواقف المقاومة الفلسطينية، التي ترفض التنازل عنها تحت أي ضغط، وأيضاً المواقف المتشددة لحكومة اليمين الإسرائيلية". وانتقلت المفاوضات حول الأزمة في غزة، من القاهرة إلى الدوحة ثم باريس ثم إلى القاهرة ثم إلى باريس مرة أخرى.

مفاوضات غزة في باريس

وحول لقاء باريس الثاني الذي عقد أول من أمس الجمعة، قال دبلوماسي غربي في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إن "الهدف من الذهاب لباريس مجدداً، هو العودة إلى الإطار العام الذي تم التوصل إليه خلال الاجتماع الأول الذي جرى بمشاركة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس الموساد ديفيد برنيع، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس جهاز المخابرات المصري عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني".

وأوضح المصدر أن "الخلافات التي نشأت عقب ردود حماس وإسرائيل على إطار الاتفاق، استدعت العودة مجدداً إلى باريس، للتذكير بالخطوط العامة التي تم التوافق بشأنها".


مصدر مصري: يدّعي الاحتلال أن القاهرة لم تضغط على حماس لتخفيض سقف مطالبها

من جهته، فسر مصدر مصري، نقل الاجتماعات بين المسؤولين المعنيين إلى باريس، بأن "هناك استياء مصرياً من رفض حكومة الاحتلال إرسال وفد من جانبها إلى القاهرة لاستكمال المفاوضات، بزعم أن القاهرة لم تمارس الضغوط المطلوبة على حماس لتخفيض سقف مطالبها"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أنه "بناء على هذه الرؤية، أوعزت تل أبيب إلى أطراف أخرى، أن القاهرة ليست المكان الأنسب لاستمرار التفاوض أو حلحلة الموقف".

وتعليقاً على نقل محطات الوساطة من القاهرة إلى الدوحة إلى باريس، قال الكاتب الفلسطيني يوسف الشرقاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "وساطة مصر غير جدية، سواء بوقف إطلاق نار طويل والشروع في صفقة تبادل، أو بمنع هجوم إسرائيل على رفح، ومنع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء".

ولفت إلى أن مصر "قادرة على إدخال ضروريات غزة من أجل حياة الشعب وصموده، وهي قادرة على منع الهجوم الإسرائيلي على رفح، وهي تتذرّع بأنه لم يطلب منها ذلك عربياً، ولا فلسطينياً".

في المقابل، أوضح السفير المصري السابق في تل أبيب عاطف سالم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجهود المصرية لوقف إطلاق النار في غزة، دائمة ومستمرة"، مضيفاً أنه "بحكم التاريخ والجغرافية، تؤدي مصر دوراً إيجابياً لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ومنذ اللحظات الأولى لعملية طوفان الأقصى، حذرت مصر من تصاعد الحرب، واستضافت قمة سلام دولية في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لمناقشة خفض التصعيد، وأجرت وتلقت اتصالات مع العديد من زعماء العالم، وطلبت وقف إطلاق النار، كما أنها في الوقت نفسه، حذرت من تصدير الأزمة إليها، وشاركت في جهود الوساطة مع الولايات المتحدة وقطر، لتبادل المحتجزين ووقف إطلاق النار".

وبشأن "النقاط الخلافية" بين مصر وإسرائيل، قال سالم إن "مصر تعطي أولوية لجهود وقف إطلاق النار"، مشيراً إلى أنه "قبل ترتيبات ما بعد الحرب كانت التصريحات الإسرائيلية حول رفح، نقطة تجاذب حاد بين مصر وإسرائيل، فضلاً عن عرقلة نفاذ المساعدات من جانب إسرائيل إلى قطاع غزة، واتهام محامي الدفاع الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية لمصر".

وحول التنقل بين عواصم التفاوض في الأزمة، رأى نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية مختار الغباشي، أنها "مجرد محطات عادية تتبنى فيها كل محطة الطرح الخاص بها"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "أتصور أن فرنسا كانت تؤدي دوراً، ولها طروحات عرضتها على الأطراف، وكذلك القاهرة أيضاً، كانت لها مقترحات، وكان الغرض هو دعوة الأطراف إلى مناقشتها في مصر، والأمر ذاته حدث مع الدوحة".

وأضاف الغباشي: "لا ننسى أن الولايات المتحدة طرف أصيل وحاضر في كل هذه الطروحات، فهي كانت موجودة في باريس والقاهرة والدوحة، وكذلك إسرائيل، وهناك اتصالات حثيثة وجهد كبير يبذل من الأطراف الدولية والإقليمية الوسيطة وعلى رأسها القاهرة، للوصول الفوري إلى وقف إطلاق نار قبل شهر رمضان (في الأسبوع الثاني من شهر مارس/آذار المقبل)، إذا لم يتم التوصل إلى هدنة دائمة، لأن دخول شهر رمضان في ظل العدوان الإسرائيلي، والحديث الإسرائيلي عن عدم دخول مواطني الضفة الغربية إلى مدينة القدس، سيؤدي إلى تفجير الموقف، وسيكون التحكم صعباً فيه".

نتنياهو العائق أمام أي صفقة

من جهته، رأى السياسي الفلسطيني، النائب السابق في الكنيست، جمال زحالقة، أن "العائق الأهم أمام التوصل إلى صفقة تشمل تحرير المحتجزين ووقف إطلاق النار، لمدة ستة أسابيع، هو تحديداً بنيامين نتنياهو"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "لكن الآن هناك ضغوط كبيرة جداً من المؤسسة العسكرية، ومن شركاء نتنياهو في كابينت الحرب: بيني غانتس وغادي أيزنكوت، وأيضاً عائلات المحتجزين، لوقف إطلاق النار قبل شهر رمضان، أولاً ليجهز الاحتلال نفسه لاجتياح رفح، إذا تقررت العملية، والأمر الآخر حتى يرتاح الجنود لأنهم منهكون".

وتابع زحالقة أن "الأمر الثاني، هو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بما فيها الشاباك والجيش وغيرهما، فهم يخشون أن تتوسع المواجهات خلال شهر رمضان، خصوصاً في مدينة القدس، فإن حدثت مواجهات في مدينة القدس لها علاقة بالمسجد الأقصى، فهذا طبعاً سيثير الفلسطينيين في كل مكان، وأيضاً المسلمين والعرب، وعندها قد تخرج الأمور عن السيطرة، كما تريدها إسرائيل، ولهذا السبب، فإن رأي المؤسسة الأمنية هو وقف الحرب خلال شهر رمضان".

ولفت زحالقة إلى أن "هناك ضغوطاً أميركية على نتنياهو في هذه القضية تحديداً"، قائلاً إن "المفارقة أن الإدارة الأميركية تضغط على حكومة الاحتلال، لتحرير محتجزين إسرائيليين، والسبب في كل ذلك، أن هناك إصراراً لدى بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب لفترة طويلة جداً، حتى يحقق إنجازات يستطيع أن يلوح بها أمام الرأي العام الإسرائيلي".

هارون: نتنياهو جعل شرطه القضاء على حماس نهائياً وبأي ثمن، وهو هدف يبدو بعيد المنال بسبب الضغوط الدولية وصمود الفلسطينيين

بدوره، قال السفير السوداني السابق في الولايات المتحدة، الخضر هارون، في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "من الناحية الموضوعية، تنقل أمكنة المفاوضات، سببه صعوبة المفاوضات، وعلو سقوف رهانات الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، مما جعل التوصل إلى اتفاق أمراً بالغ الصعوبة في أي من المحطات السابقة".

ورأى هارون أن "الانتقال إلى باريس، لا يعني، بحسب تصريحات الأطراف، فشل لقاءات الدوحة والقاهرة، بل يبدو أنه بالإمكان البناء عليها للوصول إلى الاتفاق"، قائلاً: "نعود إلى السبب الرئيس للتعثر. نتنياهو جعل شرطه القضاء على حماس نهائياً وبأي ثمن، وهو هدف يبدو بعيد المنال بسبب الضغوط الدولية وصمود الفلسطينيين، وضغوط ذوي الأسرى الإسرائيليين في إسرائيل بشأن مصير أسراهم".