مجلس الأمة الكويتي: علاقة مسدودة بين المعارضة البرلمانية والحكومة

مجلس الأمة الكويتي: علاقة مسدودة بين المعارضة البرلمانية والحكومة

03 يونيو 2021
سيطر نواب المعارضة على مقاعد الوزراء بمجلس الأمة (فرانس برس)
+ الخط -

وصلت العلاقة بين المعارضة داخل مجلس الأمة (البرلمان) في الكويت والحكومة إلى طريق مسدود، بعد تعذّر تحقيق التفاهم بين الطرفين نتيجة إصرار نواب المجلس، المنتمين للمعارضة والذين يشكلون الأغلبية داخل البرلمان بواقع 30 نائباً من أصل 50، على عدم تمكين الحكومة من حضور جلسات مجلس الأمة العادية. واستولوا على مقاعد الوزراء بسبب قيام رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الصباح بتأجيل الاستجوابات المقدمة له، والمقرر تقديمها، حتى منتصف عام 2022. وترفض المعارضة البرلمانية تمكين الحكومة من حضور أي جلسة عادية، في ظلّ قيامها بتقديم طلب لعقد جلسات خاصة ذات مواضيع محددة، وفقاً للمادة 72 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والتي منحت رئيسه حق دعوة "المجلس للاجتماع قبل موعده العادي إذا رأى ضرورة لذلك، وعليه أن يدعوه إذا طلبت ذلك الحكومة أو عشرة من الأعضاء على الأقل، ويحدد في الدعوة الموضوع المطلوب عرضه".


لن ينجح مجلس الأمة في تمرير الميزانية للعام الحالي

وقدم 30 نائباً من المعارضة طلباً مكتوباً لرئيس مجلس الأمة لعقد جلسة خاصة، من أجل بحث تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، مما يسمح لنواب البرلمان بعزل رئيس مجلس الأمة متى ما أرادوا، لكن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم رفض الدعوة لعقد جلسة خاصة متعلقة بهذا الطلب بحجة أنه "طلب غير دستوري". لكن رئيس مجلس الأمة استجاب لطلب آخر مقدم من 35 نائباً، ينتمي بعضهم للموالاة، لعقد جلسة خاصة اليوم الخميس "لمناقشة الاقتراحات بقوانين بتعديل البند (الخامس) من المادة الأولى من المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية، وإضافة فقرة جديدة إلى المادة الثانية من المرسوم بالقانون رقم (23) السنة 1990 بشأن تنظيم القضاء". وهو ما يعني السماح للقضاء الكويتي بالنظر في قوانين الجنسية الكويتية ومنحها وإسقاطها، ومنع الحكومة الكويتية من سحب جنسية أي مواطن إلا بحكم قضائي.

وترى الحكومة أن تقديم هذا المقترح، الذي سيمر بأغلبية ساحقة داخل البرلمان، سيؤدي إلى إضعاف سيطرتها على أحد أهم الملفات الحساسة في البلاد وهو ملف الجنسية الكويتية، المصنّف قانوناً بأنه من "أعمال السيادة" التي لا تمتد يد القضاء إليها. وهو ما جعلها ترفض حضور الجلسة الخاصة التي دعا إليها رئيس مجلس الأمة بناء على طلب النواب، وفق ما ذكرت صحف كويتية واسعة الانتشار. وبات من المؤكد أن الحكومة الكويتية سترفض حضور الجلسات الخاصة التي يدعو لها النواب، رداً على قيامهم بتخريب الجلسات العادية وعدم تمكين الحكومة من حضورها. في المقابل، يرفض النواب حضور الجلسات العادية بسبب وجود "بند تأجيل الاستجوابات المقدمة لرئيس مجلس الوزراء على جدولها"، ما يعني اعترافاً بدستورية هذا التأجيل وفقاً لأحد قادة المعارضة في البرلمان، النائب عبد الكريم الكندري. ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "طلب رئيس مجلس الوزراء للاستجوابات المقرر تقديمها له أمر غير دستوري وغير موجود أصلاً، وأتحدى أي خبير قانوني أن يأتي بنص واحد يثبت هذا، ووجودنا في جلسة عادية يُقرأ فيها بند التأجيل من دون حراك منا، يعني اعترافنا بقرارات غير دستورية وهو أمر لن نسمح به أبداً".

من جهته، يعتبر مصدر حكومي بارز في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "لن يحدث شيء في البلاد في المدى القريب، فالحكومة متمسكة برأيها وصارمة في مواجهة المعارضة البرلمانية التاريخية، التي وصلت للمرة الأولى إلى هذا المستوى من الحدة في الطرح داخل البرلمان". ويكشف بأن الحكومة ستلجأ إلى "تكتيك بسيط"، وهو عدم حضور الجلسات الخاصة التي يدعو إليها النواب، وعدم حضور الجلسات العادية في حال جلوس النواب على مقاعد الوزراء. كما ستُشكّل الحكومة لجنة رباعية مكونة من رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع ووزير العدل، تدير شؤون البلاد، مما يعني تعطيل البرلمان بشكل فعلي، مع وجوده رسمياً، وذلك بسبب عدم قدرته على الانعقاد.

وجاءت هذه الخطة الحكومية، كحلٍ أخير لمواجهة المعارضة الشرسة في البرلمان، بعد فشل كافة خططها لتفتيت الكتلة المعارضة وتحييد بعض النواب بداخلها. وفشلت الحكومة في استخدام ورقة العفو عن المتهمين في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011، الموجودين في تركيا، وبينهم نواب سابقون وزعماء للمعارضة، وعلى رأسهم النائب السابق مسلم البراك. كما فشلت في استمالة بعض النواب المعارضين المعروفين بميلهم لتقديم خدمات لناخبيهم.

وستواجه الحكومة مشكلة واحدة فقط في ظل خطتها بتجميد مجلس الأمة وفقاً للأمر الواقع بعد عدم انعقاد جلساته، وهي تمرير الميزانية العامة للدولة والتي يجب أن يصوّت مجلس الأمة عليها. ولم يبقَ أمام الحكومة سوى خياران. الأول هو ترحيل الميزانية للعام المقبل، ما يعني تراكم الصعوبات الاقتصادية التي ستعانيها الدولة نتيجة عدم وجود ميزانية رسمية. والثاني يكمن في تمرير الميزانية بمرسوم أميري أثناء العطلة الصيفية لمجلس الأمة، ما قد يفتح مواجهة أكبر بين الحكومة والبرلمان.


الحكومة لن تحضر الجلسات الخاصة التي يدعو لها النواب

وينتهي دور الانعقاد الحالي في مجلس الأمة في 7 يوليو/ تموز المقبل، لتبدأ العطلة الصيفية للبرلمان، على أن يدعو رئيس مجلس الأمة إلى دور الانعقاد المقبل في أوائل شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. ولم ينجح مجلس الأمة سوى في عقد أربع جلسات بعد أكثر من ستة أشهر من انتخابه، وهو ما يعني تعطلاً لكثير من القوانين والقرارات التي تطمح الحكومة والمعارضة في تمريرها على حد سواء.

وكانت الأزمة السياسية بين البرلمان والحكومة قد بدأت عقب انتخابات مجلس الأمة في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي أفرزت برلماناً ذا أغلبية معارضة. وباشرت المعارضة خططها بإعلان رغبتها في عدم ترشيح مرزوق الغانم، مرشح الحكومة المفضل لانتخابات رئاسة مجلس الأمة (يضمّ 50 نائباً بالإضافة إلى 16 وزيراً)، لكن الغانم فاجأ مراقبين بحصوله على 33 صوتاً في مقابل 28 لمرشح المعارضة بدر الحميدي، ليفوز برئاسة مجلس الأمة للمرة الثالثة. وخسرت المعارضة بعد ذلك انتخابات اللجان البرلمانية، والتي تعد أحد أهم مفاصل مجلس الأمة لتعلن التصعيد عبر تقديمها لاستجواب لرئيس مجلس الوزراء انتهى باستقالة الحكومة في مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، أي بعد أقل من شهر واحد على تشكيلها.

وزاد حكم المحكمة الدستورية، بإبطال عضوية زعيم المعارضة داخل مجلس الأمة بدر الداهوم، في منتصف شهر مارس / آذار الماضي، من حدة الصراع بين البرلمان والحكومة. وقامت المعارضة بمحاولة إفشال جلسة أداء الحكومة لليمين الدستورية احتجاجاً على شطب عضوية الداهوم، وهو ما استغلته الحكومة جيداً لتمرير قرار تأجيل الاستجوابات المقدمة والمقرر تقديمها لرئيس مجلس الوزراء، بسبب غياب نواب المعارضة عن التصويت على القرار خلال الجلسة، لتدخل البلاد فصلاً جديداً من التناحر البرلماني الحكومي.