مبادرة مرتقبة للمجلس الرئاسي الليبي لحلّ الأزمة الدستورية: هل تنقذ العملية الانتخابية؟
يستعد المجلس الرئاسي الليبي لحسم الأزمة الدستورية في البلاد، المرتبطة بالخلافات حول القوانين الانتخابية بين مجلس النواب بطبرق والمجلس الأعلى للدولة، من خلال مبادرة جديدة، تقوم أساساً على استبعاد الوجوه السياسية الحالية والدفع بعدم مشاركتها في الانتخابات الليبية 2021، فهل ينجح في مبادرته؟
وأقرّ مجلس النواب، أمس الثلاثاء، إجراء الانتخابات البرلمانية بعد 30 يوماً من انتخاب رئيس للبلاد، عكس ما تنص عليه خريطة الطريق، التي ترعاها الأمم المتحدة، ومن المقرر بموجبها إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وأعلن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا رفضه قانون الانتخابات البرلمانية، الذي أقره مجلس النواب.
وأكدت المتحدثة الرسمية باسم المجلس الرئاسي، نجوى وهيبة، أن المجلس بدأ بمناقشة مبادرة ليبية تتضمن عدة مقترحات للخروج من الاختناق الدستوري الحالي، مشيرة إلى أن المجلس أتاح الوقت الكافي لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لأن يؤديا عملهما ويتحملا مسؤوليتهما القانونية والوطنية.
وفيما لم تفصح وهيبة عن تفاصيل المبادرة، واكتفت بالإشارة إلى أنها تتضمن عدة مقترحات سيعلن في وقتها، بحسب تصريحها لتلفزيون ليبي محلي ليل البارحة، قالت: "هناك تفكير ولا نقول تردد في كيفية جعل الانتخابات تجري في ظروف نزيهة وشفافة وحرة تضمن مشاركة الجميع وتضمن قبول الجميع بنتائج الانتخابات".
وأشارت وهيبة إلى أن المبادرة "ستكون في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي" من خلال جمع الأطراف حول عدة مقترحات، قوامها عدم ترشح شخصيات سياسية فاعلة كانت حاضرة في المشهد لتسهيل قبول نتائج الانتخابات ولإتاحة الفرصة للجميع، واستدركت بالقول: "لكن كل التفاصيل والمقترحات ستطرح بوقتها".
وسبق أن أعلن رئيس المجلس، محمد المنفي، مبادرة ليبية للحفاظ على العملية السياسية ولضمان إجراء الانتخابات في موعدها، خلال مشاركته في أعمال الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن دون إعلان تفاصيلها، فيما كشفت مصادر ليبية مسؤولة، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، عن استعداد المنفي للوساطة بين الأطراف الليبية المختلفة، بعد رجوعه من نيويورك إلى طرابلس. وأضافت أنه رجع محملاً برسائل لقادة تلك الأطراف من عدة عواصم التقى ممثليها على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة أبدت انزعاجها من تصاعد الخلافات بينها، وإمكانية أن تتحول إلى عقبة في طريق الانتخابات.
وفي السياق، لا تزال وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، تجري جولة في عدد من دول الخليج العربي، لمناقشة المبادرة الليبية، بدأتها بزيارة الكويت مروراً بالبحرين، وزارت أخيراً الإمارات، حيث عبّرت عواصم الدول الخليجية الثلاث عن دعمها للمبادرة الليبية.
ووفقاً لمصادر ليبية مقربة من المجلس الرئاسي، ستكون المبادرة موضوع المؤتمر الدولي الذي يعتزم المجلس الرئاسي تنظيمه في ليبيا، مرجحة أن ينعقد في النصف الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وأكدت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، شرط عدم كشف هويتها، أن التحضيرات للمؤتمر طور الإعداد، لكن لقاء المنفي ممثلي مجلسي النواب والدولة سيكون قبل انعقاد المؤتمر بأيام للوصول إلى حل للأزمة الدستورية التي قد تقف في طريق إجراء الانتخابات المقبلة.
وقال رئيس حزب "الائتلاف الإصلاحي"، شعبان بن نور إن "المنفي يتحدث بلهجة الواثق، وهو يهدد الشخصيات السياسية النفاذة في المشهد الحالية باستعادتها من الانتخابات، وواضح أن وراءه دعماً دولياً".
وأضاف بن نور في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "خلاف المجلسين يتعلق بنصوص القوانين التي تحفظ لهما حق الترشح وضمان النجاح في الانتخابات"، مرجحاً اتفاقهما على صيغة مشتركة حول تلك القوانين.
وزادت حدة التعقيد والخلافات بعد إقرار مجلس النواب، الاثنين الماضي، قانون الانتخابات البرلمانية بنحو أحادي، كما هو الحال في إقراره لقانون انتخاب رئيس الدولة، فقد أعلن المجلس الأعلى للدولة رفضه للقانون الجديد، كما اعترض في السابق على إقرار مجلس النواب قانون الانتخابات الرئاسية.
وفي السياق، أعلنت تسعة أحزاب ليبية، في بيان مشترك اليوم الأربعاء، رفضها لقانون الانتخابات البرلمانية الذي يسمح للأحزاب بحق الترشح على مستوى الأفراد وليس بطريقة القوائم التي تحفظ لهم حق خلق كتل حزبية داخل البرلمان القادم.
وعكس توقعات بن نور، يرجح أستاذ العلوم السياسية الليبي، خليفة الحداد "فشل مبادرة المجلس الرئاسي وذهاب البلاد إلى المزيد من التأزيم"، وقال في حديث لـ"العربي الجديد": "مجلس النواب الذي أصدر قانوناً جديداً يدل على عدم رغبته في التوافق مع مجلس الدولة"، معتبراً تهديدات المنفي باستبعاد القادة السياسيين الحاليين غير واقعية.
وأضاف الحداد: "التهديدات ليست جديدة، فقد أعلنها المنفي منذ فترة، ولن يستطيع تنفيذها، وعلى الأقل بشأن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فهل يستطيع إرغامه على القبول بمنعه من الترشح؟"، ويرى أن "مبادرة المنفي لا تعكس أكثر من مجرد رغبة بعض العواصم الكبرى، وعلى رأسها واشنطن، التي تعمل على تمرير سياساتها من خلال المجلس الرئاسي بعد فشل البعثة الأممية الواضح".
وحول مبادرة الرئاسي الليبي، يرجّح الحداد أنها قائمة على أساسين: الأول يتعلق بضرورة إجراء الانتخابات، والثاني، وهو الأهم بالنسبة إلى الخارج، يتعلق بخروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وهو الملف الذي تحرك بشكل حثيث في الآونة الأخيرة.
ولا يعبر الحداد عن تفاؤله بشأن الانخراط الدولي في ليبيا، وهي على عتبة مرحلة شديدة الحساسية تتعلق بانتخاب قادة جدد ومرحلة سياسية جديدة، في ظل عدم وجود تفاهمات دولية واضحة تنهي الخلافات بين الفرقاء الليبيين.