ما وراء أحدث تهديدات جبران باسيل: هل يترشح لرئاسة لبنان؟

ما وراء أحدث تهديدات جبران باسيل: هل يترشح لرئاسة لبنان؟

30 يناير 2023
لا حل في الأفق لأزمة شغور منصب رئيس الجمهورية في لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

أسبوع جديد يضاف إلى الشغور الرئاسي في لبنان المستمرّ منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، في ظلّ تعليق رئيس البرلمان، نبيه بري، جلسات المجلس إلى حين حصول خرقٍ رئاسي أو توافق سياسي، في سيناريو مستبعدٌ حصوله قريباً، لا سيما أنّ الصراع يشتدّ. وطاول الصراع أخيراً صفوف الحلف الواحد، بينما لم يؤدِّ اعتصام النائبَيْن التغييريَيْن، نجاة عون صليبا وملحم خلف، الذي دخل أسبوعه الثاني، إلى إحداث أي خرق يُذكَر.

وفي وقتٍ يقوم رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، بجولة سياسية يستهلها مع بري، لتحريك الجمود الحاصل بالملف الرئاسي، بالتزامن مع حراك البطريركية المارونية الرئاسي الناشط، بدأ رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل برفع حدّة هجومه على المرشحين الرئاسيين الأكثر تقدماً. وزاد الأخير من مستوى تهديداته لتمرير مبادراته الرئاسية، التي تجعله شريكاً في العهد الجديد، ملوحاً بقلب الطاولة بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية. ويأتي ذلك رغم علم باسيل المسبق بانعدام حظوظه، خصوصاً، في ظل عدم تلقيه دعم "حزب الله" الذي بات تفاهمهما القائم منذ عام 2006 بدائرة السقوط.

وشنّ باسيل في كلمة له، أمس الأحد، هجوماً حادّاً على "حزب الله" و"حركة أمل" (يتزعمها بري)، مهدداً إياهما من مغبة تمرير انتخاب مرشحهما للرئاسة رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، من دون موافقة المكوّن المسيحي.

ويختزل باسيل المكون المسيحي بشكل أساسي، بين تياره السياسي، وأشدّ معارضيه، "حزب القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع)، داعياً إلى تفاهم مسيحي لحماية الموقع الرئاسي، ملوّحاً للمرة الأولى بنيته الترشح في حال فشل مساعيه الرئاسية.

كذلك، هاجم باسيل وبشكل غير مسبوق، قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي يعدّ من أبرز المرشحين أصحاب الأوراق المتقدمة محلياً وخارجياً لملء الشغور الرئاسي، في حال السير بتسوية سياسية. ويضع باسيل أيضاً فيتو على انتخابه رئيساً، متهماً إياه بأنه يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، ويأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع (محسوب على التيار الوطني الحر)، ويتصرّف على هواه بصندوق للأموال الخاصة وممتلكات الجيش.

مصدرٌ قياديٌّ في "حزب الله" فضّل في حديث لـ"العربي الجديد" عدم الردّ بالطريقة نفسها على باسيل، لـ"إيمانه المستمرّ بأن الاجتماعات هي المكان الأنسب لعرض الخلافات"، على حد قوله. ويذكر في هذا الصدد أنه اجتمع، قبل أيام، وفد من "حزب الله" مع باسيل وبُحثَ الملف الرئاسي من دون التوصل إلى تفاهم. وأشار المصدر، الذي فضل عدم كشف اسمه، إلى أنه "يحق لباسيل أن يترشح، فهو رئيس تيار وازن، ويحق لكل فريق سياسي أن يختار مرشحه، ولكن الجميع يعلم أن التوافق هو الأساس لإيصال أي مرشح سواء كان مرشح "حزب الله" و"حركة أمل" أو مرشح أي فريق سياسي".

ولفت المصدر ذاته إلى أن بري يتمهّل اليوم في دعوة البرلمان لعقد جلسة لانتخاب رئيس، إفساحاً للمجال أمام اللقاءات السياسية التي تحصل والمشاورات، بعدما أكد مراراً أن الجلسات تحولت إلى مسرحية ولا يمكن الاستمرار بها، باعتبار التوافق مطلوب لملء الشغور الرئاسي.

من جهته، قال رئيس جهاز الإعلام والتواصل في "حزب القوات اللبنانية"، شارل جبور، لـ"العربي الجديد"، "سنقف بالمرصاد أمام وصول رئيس ممانع، لأن انتخابه يعني استمرار لبنان وسط هذا الانهيار، والمطلوب اليوم انتخاب رئيس إنقاذي، سيادي، إصلاحي".

وتابع قائلا: "كمعارضة لدينا مرشحنا وهو النائب ميشال معوض، بيد أن الفريق الآخر لم يحسم لغاية اللحظة قراره، فهو رغم تمسّكه بفرنجية لم يعلن ترشيحه رسمياً، كما أن باسيل لم يرشح نفسه بعد أو يعلن عن مرشحه للرئاسة".

تبعاً لذلك، جدد جبور دعوته النواب للنزول إلى البرلمان، وعقد جلسات انتخابية مفتوحة بما يفسح المجال أمام حوارات داخل المجلس، ما يشكل عامل ضغط على الكتل البرلمانية لانتخاب رئيس.

بدوره، قال الصحافي والكاتب السياسي وجدي العريضي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما هدف إليه باسيل من كلمته، جملة عناوين، أبرزها، قطع الطريق على المرشحين الأساسيين للرئاسة، قائد الجيش وفرنجية"، مضيفا "هجومه على الأول فيه رسالة واضحة لاعتبارات عدة، أهمها ما يتمتع به العماد جوزاف عون من رصيد داخلي وخارجي وحضوره الذي يمهد له طريق رئاسة الجمهورية".

وأردف "إذ ربّما بقبّة باط (غض النظر أو تسهيل أمر ما) من حزب الله أراد أن يرفع من سقف شروطه لما بعد ولاية العهد الجديد، حتى يكون له حصة وازنة في الحكومة، والتعيينات، ومواقع الدولة الأساسية، وحاكمية مصرف لبنان، إلى جانب عدم المسّ بالتيار، أي عدم فتح ملفات تتصل به، لا سيما الكهرباء، وهو عادة ما يحصل عند كل عهد جديد في إطار تصفية الحسابات السياسية".

وبينما يرى العريضي أن "فرنجية من السهل تسويقه مرشحا للرئاسة، خصوصاً من جانب الرئيس بري عند جنبلاط، ما يعزز حظوظ وصوله، لكن ذلك لا يعود فقط إلى اللقاءات الداخلية، باعتبار أن كلمة الفصل هي للمجتمع الدولي، إذ لا يمكن أن يصل رئيس لا يحوز على غطاء دولي وإقليمي وموافقة خليجية، لا سيما السعودية، في وقتٍ لبنان بأمسّ الحاجة للدعم المالي، من هنا الأنظار تتجه أيضاً إلى لقاء باريس الخماسي بعد أيام الذي قد يكون له كلمة في الاستحقاق الرئاسي اللبناني".

ويبقى السؤال بالنسبة إلى العريضي هو مدى تمكن فرنجية من تأمين الغطاء الخارجي، إذ قد يكون حاز على بعض التطمينات وهو ما أظهره في زيارته الأخيرة للبطريرك الماروني بشارة الراعي، عند حديثه عن عناوين ثلاث اعتبرها بمثابة برنامجه الرئاسي، سواء المرتبطة بملف سورية والترسيم، أو تحالفه مع "حزب الله" ما يتيح بحث الاستراتيجية الدفاعية وعلاقاته الطيبة مع الخليج التي يمكن من خلالها تنشيط العلاقات الثنائية.

من جانبه، قال الكاتب السياسي جورج علم لـ"العربي الجديد"، إن تهديد باسيل موجّه بالدرجة الأولى إلى المبادرة التي أطلقها المعاون السياسي للرئيس بري، النائب علي حسن خليل، بالسير بفرنجية رئيساً للجمهورية بـ65 صوتاً من الدورة الثانية، في خطوة يعتبرها باسيل منسقة حتماً مع "حزب الله". ويحتاج عقد الدورة الثانية بمجلس النواب إلى نصاب قادر على تأمينه "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع) بشكل أساسي.

وأشار جورج علم إلى أن "حزب الله" قادر على إيصال فرنجية للرئاسة وحتى اختراق صفوف باسيل، بحوالي 6 إلى 8 نواب، لكسب أصواتهم، وهذا ما أزعج باسيل، لذلك هدّد "حزب الله" والمبادرين بأنه في حال استمرت المبادرة سيعلن ترشيحه، رغم علمه بألا حظوظ له بالنجاح، لكن بهذه الحالة، لن يتمكن "حزب الله" من أن يعول على أي نائب في تكتل باسيل لانتخاب فرنجية.

ويرى علم أن "هجوم باسيل على قائد الجيش لن يؤثر عليه أو يقطع المسار أمامه، إذ إنه في حال كانت هناك إرادة داخلية وخارجية لانتخابه، فإن حظوظه مرتفعة جداً، لا سيما ألا فيتو قويا عليه من حزب الله وحركة أمل رغم بعض التحفظات عليه، كما لا فيتو عليه من جانب القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية ولا من جانب جنبلاط، الذي رشح 3 أسماء من بينها قائد الجيش، وهو مقبول عند كثير من النواب".

ولفت علم إلى أن الأنظار يجب أن تبقى أيضاً على التطورات في الإقليم، لا سيما التي تطاول إيران، والتي تجعل من "حزب الله" أكثر تشدداً، وانتظار نتائج اللقاء الخماسي في باريس حول لبنان. لكنه استدرك بالقول إن التشاؤم يبقى سيد الموقف، حتى خارجياً، باعتبار أن إيران ناخب أساسي على الساحة اللبنانية، من خلال "حزب الله"، وهو ما قد يزيد الأمور غموضاً.