ما الذي يمنع إطلاق المحكمة الدستورية في تونس؟

ما الذي يمنع إطلاق المحكمة الدستورية في تونس؟

20 ديسمبر 2023
يعتبر خبراء أن غياب المحكمة الدستورية كان أحد أسباب تمكن سعيّد من التفرد بالسلطات (Getty)
+ الخط -

مرت سنة على انتخابات مجلس الشعب في تونس في 17 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، وما زالت المحكمة الدستورية حبرا على ورق في دستور يوليو/ تموز 2022 دون أي موانع لإحداثها سوى غياب الإرادة السياسية عند الرئيس قيس سعيد، بحسب خبراء القانون الدستوري.

وتعيش البلاد فراغا دستوريا في مجالات الرقابة على المراسيم والتشريعات منذ عام ونصف حينما مرر سعيد الدستور الجديد الذي صاغه بمفرده ومنح نفسه صلاحية اختيار أعضاء المحكمة الدستورية من بين القضاة المعيّنين.

وينص البند 125 من الدستور الجديد على أنّ "المحكمة الدستورية تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكمة الإدارية، والثلث الأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات".

ويعتبر الخبراء أن غياب المحكمة الدستورية قبل 2021 كان أحد أسباب تمكن سعيّد من التفرد بالسلطات، وتمكنه من تعليق العمل بدستور 2014 وإقراره حل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (المحكمة الدستورية الوقتية).

البرلمان لم يتقدم أي خطوة في اتجاه تأسيس المحكمة الدستورية

ويرى أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن البرلمان لم يتقدم أي خطوة في اتجاه تأسيس المحكمة الدستورية، فيما لم يعد تأسيسها يمر بإجراءات معقدة مثلما كان معمولا به في دستور 2014، باعتبار أن أعضاءها معيّنون، ولا ينتظر إلا إصدار أمر تعيينهم ودعوتهم لأداء القسم، إذ إنه "لا وجود لانتخابات أو ترشحات أو محاصصة حزبية"، بحسب تعبيره.

وتابع "هناك إجراء بسيط وهو التصويت على قانون أساسي يتعلق بالمحكمة دستورية من قبل مجلس نواب الشعب لتنظيم عملها، وبالرغم من انتخاب المجلس منذ السنة الماضية وتركيزه، فإننا لم نر أي رغبة أو تعامل جدي مع هذه المسألة، فلا توجد أي إشكاليات عملية تحول دون تركيزها".

وشدد الدبابي على أن "آثار غياب المحكمة الدستورية خطيرة على دولة القانون واحترام الدستور وضمان علوية الدستور، ففي غياب المحكمة الدستورية لا توجد أي رقابة قضائية ودستورية، ويمكن للسلطات الأخرى أن تخرق الدستور دون أي تصد أو رقابة، وغيابها  خطير على التوازن بين السلطات".

وتابع "النتيجة الفعلية والمباشرة لهذا في دستور 2022 أن السلطات وعلى رأسها رئاسة الجمهورية تحتكر لوحدها سلطة تأويل الدستور، في حين أن رئاسة الجمهورية باعتبارها سلطة مؤسسة بالدستور عليها أن تخضع لرقابة الدستور لا أن تتحول هذه المؤسسة السياسية إلى قاض دستوري فعلي يحتكر التأويل الرسمي والأخير للقواعد الدستورية، وهو أمر خطير على دولة القانون وعلى احترام علوية الدستور والفصل بين السلط".

"لا رغبة لقيس سعيد في تشكيلها"

وقال أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لا يوجد ما يمنع رئيس الجمهورية من تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، إذ إن بإمكانه تعيينهم متى شاء، بحكم أن تعيينهم يكون حسب صفتهم، وهو ما تم التنصيص عليهم في الدستور، كما يفترض أن يصدر قانون ينظم أعمالها.

وأضاف "يبدو أن رئيس الجمهورية لا يريد تأسيس المحكمة الدستورية ولا توجد لديه رغبة في تشكيلها، لأنه لا يريد أن يشاركه السلطة والحكم أي طرف حتى ولو كانت محكمة دستورية".

واستطرد قائلًا "حتى بصلاحياتها المحدودة مقارنة بالمحكمة الدستورية في 2014، فإن المحكمة لديها صلاحية رقابة دستورية مشاريع القوانين، ولها دور في صورة الفراغ الدستوري في رئاسة الجمهورية، وهي مسألة هامة لا يجب إغفالها، حيث إنه لا يوجد من يعوض رئيس الجمهورية في تونس حال غيابه بحال الموت أو المرض".

وأضاف الزكراوي "رئيس الجمهورية مدعو لعدم ترك فراغ دستوري في هذا المنصب (معوّض الرئيس) وعليه تركيز المحكمة الدستورية، ففي صورة الفراغ في الرئاسة يتسلم رئيس المحكمة الدستورية المنصب لمدة 45 يوما إلى 3 أشهر بهدف ضمان استمرارية الدولة، ولا يمكن أن تتحمل الدولة فترة دون رئيس خصوصاً بهذا الدستور".

وفسر الزكراوي بأن "خوف السلطة من تركيز المحكمة الدستورية هو تسليطها رقابة على دستورية القوانين والتشريعات"، مشيرا إلى إمكانية تسرب بعض الأحكام غير الدستورية في قانون مالية موازنة 2024، حيث يفترض كما يقول عرض هذا القانون على المحكمة الدستورية قبل ختمه ونشره من قبل رئيس الجمهورية. 

واستغرب عدم تقديم البرلمان أي مقترح مشروع قانون لتنظيم المحكمة الدستورية والاكتفاء بانتظار مبادرة رئيس الجمهورية، مذكرا بأن البرلمان أعلن عند بداية أشغاله أن أول قانون سيتم سنه هو قانون المحكمة الدستورية، وأضاف "اليوم يمر عام منذ الانتخابات في غياب أي إرادة سياسية لتركيز المحكمة الدستورية".

وبحسب الزكراوي، فإنه "كان يمكن للبرلمان أن يقترح قانونا ينظم المحكمة الدستورية وبالتالي يضغط على الرئيس لتعيين الأعضاء، ولكن لا نعول على هذا البرلمان المشتت أكثر من جميع البرلمانات السابقة، فهو برلمان أفراد في غياب أحزاب تنظم أو كتل متجانسة أو انضباط حزبي باستثناء حركة الشعب، إضافة إلى ذلك لاحظنا ضعف تكوين النواب وعدم تمكنهم بالشأن العام، عدا عن غياب المشروعية فهو مجلس منتخب بقرابة 11%"، بحسب تعبيره.

المساهمون