ماذا وراء الاستهداف الروسي لسوق محروقات في جرابلس السورية؟

ماذا وراء الاستهداف الروسي لسوق محروقات في جرابلس السورية؟

24 أكتوبر 2020
الاستهداف لأسباب اقتصادية (محمد الحلبي/ الأناضول)
+ الخط -

تكرر روسيا استهدافها مواقع تكرير نفط بدائية شمال حلب وفي المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، في خطوة لا يفهم المقصود منها مع الهدوء الذي تشهده هذه المناطق إثر فرض تركيا وصايتها عليها منذ دحر تنظيم "داعش" الإرهابي عنها منتصف عام 2016.
وارتفعت حصيلة الانفجارات التي وقعت الليلة الماضية في سوق لبيع وتكرير المحروقات في قرية الدابس قرب مدينة جرابلس شمال حلب، إلى سبعة قتلى وحوالي 17 جريحاً معظمهم في حالة حرجة، بسبب استهداف السوق بصاروخين (أرض – أرض) مصدرهما القاعدة الجوية الروسية في حميميم بريف اللاذقية، بحسب مراصد محلية.  
وقال أبو بحر مسؤول أحد المراصد المتخصصة بمتابعة حركة الطيران الحربي والتحركات العسكرية ومراقبة إطلاق الصواريخ، أن صاروخين بالستيين أطلقا من حميميم، الأول انطلق في الساعة 7:13 والثاني في الساعة 7:29 من مساء أمس الجمعة بالتوقيت المحلي. وتزامن موعد سقوطهما مع الانفجارات المتتالية التي حدثت في مدينة جرابلس، مشيراً إلى أن صاروخاً ثالثاً انطلق بعد فترة من أول صاروخين، بيد أن الراصد يعتقد أن عطلاً حدث في الصاروخ الثالث فلم يسمع له صوت انطلاق كالأول وأخذ مساراً مختلفاً.  
فيما أشار مرصد آخر أنه راقب حركة انطلاق أول صاروخين، مشيراً إلى أنهما انطلقا من حميميم وانفصلا عن حشوتهما الدافعة فوق مدينة سراقب ثم واصلا باتجاه مدينة جرابلس.  
وقال الناشط الإعلامي محمد الحسن، وهو أحد أبناء المنطقة، إن الانفجارات سبقتها حركة مكثفة للطيران الحربي وطيران الاستطلاع المسير، مشيراً إلى سماع المدنيين صوت حركة الطيران بشكل واضح حتى ما بعد حدوث الانفجارات، أي أن الطائرات استمرت بالتحليق في سماء المنطقة التي حدثت فيها الانفجارات. غير أنه أوضح كذلك بأنه عند تنفيذ الطيران الحربي لأي غارة يمكن تمييز صوت مرتفع نتيجة انقضاض الطائرة وهذا ما اعتدناه وجميع المدنيين خلال سنوات الحرب، إلا أن هذا الصوت لم يسمع بالتزامن مع دوي الانفجارات، ما يرجح فرضية استهداف السوق بصواريخ متوسطة المدى من قاعدة حميميم.

 
وعن الأسباب التي يمكن أن تدفع روسيا لاستهداف السوق وهذه المنطقة الآمنة نسبياً، والتي تخضع لنفوذ أنقرة بالتفاهم مع موسكو ودول غربية، أشار الحسن بأن الأسباب وراء ضربات يوم الأمس، هي اقتصادية بالدرجة الأولى لضرب تجارة المحروقات في المنطقة في ظل الشح الكبير بمواد المحروقات في مناطق النظام. وأوضح أن السوق المستهدف يعد نقطة تجمع لصهاريج المحروقات القادمة من مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" الكردية، ومن ثم توزيعها في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غربي سورية سواء في إدلب أو ريف حلب الشمالي.  
وأكد الحسن أنه لا يمكن أن تكون هناك أسباب أخرى وراء الاستهداف سوى الإضرار بالبنية الاقتصادية للمنطقة، منبّهاً إلى استهداف مشابه لأسواق محروقات قريبة من السوق المستهدف يوم أمس، جرى ضربها نهاية العام الماضي.  
وشهد نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي قصفاً جوياً لأسواق وحراقات بدائية لتكرير النفط في كل من الكوسا وتل شعير وترحين بريف جرابلس والباب شمال شرق حلب، الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني" السوري المدعوم من تركيا.  
وتأتي ضربة أمس بعد يوم واحد من زيارة قام بها نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال إلى العاصمة الروسية موسكو لبحث تطورات الملفين الليبي والسوري مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، حيث سادت الخلافات بين الطرفين خلال الجولتين الأخيرتين من المفاوضات في كل من موسكو وأنقرة في بداية ومنتصف الشهر الماضي حول كل من سورية وتحديداً ملف إدلب، والملف الليبي، إلا أن الخلافات حيال إدلب كانت أكثر تعقيداً واتساعاً بين الطرفين.  
ورغم أن الخارجية الروسية قالت في بيان لها صدر عقب اللقاء إنه خلال مناقشة الوضع في سورية، "تم التأكيد على أهمية مواصلة بذل الجهود المنسقة بين روسيا وتركيا، بما في ذلك في إطار عملية أستانة، من أجل المساهمة في تحقيق حل شامل على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وبالتمسك بمبدأ احترام وحدة سورية وسلامة أراضيها وسيادتها"، إلا أن لا تفاصيل رشحت عن النتائج الحقيقية لزيارة أونال، ولا سيما أنها أتت بعد تطور في "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها) بسحب تركيا لنقطة المراقبة التاسعة لها في مدينة مورك شمالي حماه، وجنوبي "خفض التصعيد"، في خطوة تمت قراءتها على أنها تراجع من أنقرة أمام موسكو، في حين أشار مراقبون إلى أن تركيا قد تكون لجأت إلى هذا الخيار استعداداً لإبعاد نقطتها العسكرية المحاصرة من قبل النظام عن الخطر تحسباً لتجدد المعارك والتفكير بخيارات هجومية في حال تجددها.  

وتلجأ موسكو لتوجيه رسائلها إلى أنقرة في حال الخلاف على أي نقطة في أي بقعة جغرافية سواء في سورية أو خارجها، مع تشابك الملفات بينهما إقليميا، من خلال التعرض للنفوذ التركي في نقاط ومناطق أخرى، وهذا ما اعتاد عليه الطرفان، ولا سيما منذ التدخل الروسي في سورية عام 2015 وتعقد نقاط الخلاف والالتقاء بين موسكو في الملف السوري.