لبنان: حقل ألغام "قانونية" في طريق المحقق العدلي بانفجار المرفأ

لبنان: حقل ألغام "قانونية" في طريق المحقق العدلي بانفجار المرفأ

18 أكتوبر 2021
يحقق البيطار بقضية انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس 2020 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

يتصدّر القاضي طارق البيطار، المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020، المشهد السياسي والقانوني في لبنان، خلال هذا الأسبوع أيضاً. فمساء اليوم الإثنين، يُنتَظر أن يأخذ البيطار والتحقيق، الحيّز الأكبر من كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، وذلك ربطاً بأحداث منطقة "الطيونة" في بيروت (الاشتباكات المسلحة الدموية التي وقعت يوم الخميس الماضي خلال تظاهرة لـ"حزب الله" وحركة "أمل" رفضاً للبيطار)، كما يشهد يوم غد الثلاثاء بحثاً في الملف، خلال جلسة للبرلمان، وكذلك يوم الخميس المقبل، أمام مجلس القضاء الأعلى. وبين هذه الأيام، يبقى عمل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، معلَّقاً، والفوضى الاقتصادية طاغية، والدولار  الأميركي "الحاكم بأمره".

تستمرّ محاولات الطبقة السياسية في لبنان لإيجاد صيغة مناسبة لمواجهة البيطار

وتستمرّ محاولات الطبقة السياسية في لبنان لإيجاد صيغة مناسبة لمواجهة البيطار، أحدثها ما يُحكى عن احتمال تقديم اقتراح قانون معجَّل مُكرَّر يوم غدٍ الثلاثاء خلال انعقاد مجلس النواب، ينصّ على إنشاء هيئة اتهامية عدلية، تختصّ بالنظر في قرارات وإجراءات المحقق العدلي، وهو ما يرفضه رئيس مجلس النواب نبيه بري (زعيم حركة "أمل")، ولا يمانعه "حزب الله"، أو تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تختص بالنظر في قضايا الوزراء والنواب المدعى عليهم بقضية انفجار المرفأ، أو إحالة هؤلاء إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وفي وقتٍ تؤكد أوساط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لـ"العربي الجديد"، أن "الملف لا يتدخل فيه ميقاتي"، وأن "القضية في يد القضاء والمحقق العدلي"، يقول مطلعون على الملف، إن رئيس الحكومة والرئيس اللبناني ميشال عون لا يحبذان فكرة إقالة البيطار، خصوصاً أن أنظار العالم تتابع مسار القضية، وحتى "حزب الله" وحركة "أمل" المصرّين على الإطاحة بالبيطار، ليس من مصلحتهما إسقاط الحكومة ويفضّلان أن يقدم البيطار بنفسه على خطوة التنحي وترك الملف. من هنا، فإن "حزب الله" و"أمل" يسلكان مسار الضغط والتهويل والتهديد، لدفعه إلى التنحي من تلقاء نفسه.

وتعليقاً على التطورات المرتقبة، يقول منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي لمحاربة الفساد"، المحامي جاد طعمة، لـ"العربي الجديد"، إن "القاضي البيطار مرّ فوق حقل كبير من الألغام القانونية لاستكمال مسار تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين، منها لغم الحصانات الوظيفية، وطلبات ردّه، ودعاوى النقل للارتياب المشروع، ومحاولة إقالته عن طريق مجلس الوزراء، والآن موضوع اقتراح إنشاء التهيئة الاتهامية".

ويضيف طعمة أنه "عدا عن التهديد الذي تعرّض له البيطار ووصل إليه من قلب العدلية (قصر العدل في بيروت، عن طريق مسؤول وحدة الارتباط والتواصل في "حزب الله" وفيق صفا)، يأتي تحميله مسؤولية الفلتان الأمني وأحداث الطيونة، وما مرّ عليه من لغم التجييش الإعلامي وارتفاع وتيرة الخطابات السياسية التي تتهمه بالاستنسابية والتسييس وتنفيذ أجندات خارجية، والتطوّرات التي حصلت بالتوجه شخصياً إليه أخيراً من قبل إبراهيم حطيط، شقيق الضحية في انفجار المرفأ ثروت حطيط (كان حطيط متحدثاً باسم أهالي ضحايا الانفجار ويطالب اليوم بإقالة البيطار في ظروفٍ غامضة مع شكوك باحتمال تعرضه للتهديد ورفع خطاب "حزب الله" و"أمل").

هل يمكن إقالة المحقق العدلي؟

ويؤكد طعمة أن "المحقق العدلي سيّد نفسه وملفه، ولا يمكن لأي جهة إقالته، وكل المحاولات المذكورة بغلاف الصيغ القانونية ساقطة سلفاً"، مشيراً في المقابل إلى أن ما يحدث هو "وضع القاضي البيطار ضمن مناخٍ ضاغطٍ يدفعه هو لطلب التنحي".

ويلفت طعمة إلى أن "هرطقة الهيئة الاتهامية، هدفها جعل قرارات المحقق العدلي قابلة للمراجعة والطعن، وفي هذه الحالة يمكن أن يصار إلى تعيين قضاة محسوبين على السلطة السياسية، لفسخ قرارات القاضي البيطار، لكن العملية معقدة فيما المجتمع الدولي يراقب سير الأحداث". كما يلفت إلى أن "هناك في الداخل اللبناني رجال قانون ينظرون إلى مسار القضية وأحداثها، والقضاء بشكل عام يستشعر الحرج من الأداء الشجاع لقاضٍ يمارس مهامه بكل موضوعية وحزم، ونحتاج إليه ليمسك أيضاً ملفات الهدر العام في الدولة اللبنانية".

المحامي جاد طعمة: المحقق العدلي سيّد نفسه وملفه، ولا يمكن لأي جهة إقالته

هل لمجلس القضاء سلطة على القاضي البيطار؟

من ناحية ثانية، يعتبر طعمة أن دعوة مجلس القضاء الأعلى للمحقق العدلي (الخميس المقبل)، هي بروتوكولية، فالمجلس لا سلطة له على القاضي البيطار، ولو أنه اقترحه وسمّاه، حيث أن كل قاضٍ يمثل بشخصه السلطة المستقلة وغير خاضع لرئيس، وبالتالي فإنّ الهدف من الاستماع، التشاور معه وربما الاستماع منه إلى الضغوطات التي يتعرّض لها ووجهة الملف، علماً أنّ لا أحد مسموحاً له التدخل بتحقيقات البيطار التي تتسم بطابع السرية، بما في ذلك مجلس القضاء الأعلى".

النواب يستعيدون حصانتهم

على صعيدٍ متصل، يستعيد النواب غداً حصاناتهم النيابية مع انعقاد الجلسة العامة التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري، والتي سيُصار فيها إلى انتخاب أميني سرّ وثلاثة مفوضين، ويليها جلسة تشريعية لدرس القانون الرامي إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية واقتراح "الكوتا" النسائية. ومن المرتقب أن يصار إلى طرح قضية القاضي البيطار من خارج جدول الأعمال، ما من شأنه أن يشعل النقاش في الجلسة، ولا سيما فيما لو حضرت أحداث الطيونة.

وتطرح جلسة الغد علامات استفهام أيضاً حول مسار الملف بعد استعادة النواب المدعى عليهم حصاناتهم. وفي هذا السياق، يقول المحامي جيلبير أبو عبود (أحد وكلاء أهالي الضحايا)، إن محاولات ومناورات كثيرة حصلت بهدف المماطلة والتسويف وكسب الوقت حتى عودة مفعول الحصانات، منها تقديمهم (المدعى عليهم) طلبات غير قانونية وغير ميثاقية، وهم يعلمون سلفاً أنها سوف تردّ، فهي فارغة المعنى والمضمون، وكذلك إعلان الإقفال العام حداداً على أرواح الذين سقطوا في اشتباكات بيروت، ما جعلنا ندخل في عطلة طويلة حتى الثلاثاء 19 أكتوبر/تشرين الأول (يوم غد)، وهو ما عطّل الكثير من الإجراءات التي كان سيتخذها أيضاً المحقق العدلي.

يستعيد النواب غداً الثلاثاء حصاناتهم النيابية مع انعقاد الجلسة العامة التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري

ويضيف أبو عبود: "غداً يدخل مجلس النواب دورة الانعقاد العادية، ويستعيد النواب حصاناتهم، ولكن في المقابل تنصّ المادة 97 من النظام الداخلي لمجلس النواب، على أنه "إذا لوحق النائب بالجرم المشهود أو خارج دورة الانعقاد أو قبل انتخابه نائباً، تستمرّ الملاحقة في دورات الانعقاد اللاحقة من دون الحاجة إلى طلب إذن المجلس".

ويوضح أنه "إذا بدأت الملاحقة بحق النواب الحاليين (هم وزراء سابقون)، علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، خارج دورة الانعقاد، أي قبل 19 أكتوبر، فإنّ النصّ القانوني يجيز للقاضي متابعة  الملاحقة من دون التوقف عند مبدأ الحصانات، ومن دون الحاجة إلى نيل الإذن من المجلس النيابي، علماً أنّ الموضوع حتماً سيصبح محط إشكالية يثيرها المسؤولون السياسيون".

ويؤكد أبو عبود أن "القاضي البيطار حتى الساعة ليس في وارد التنحي، وهو حتماً يملك حيثيات ومعطيات تخوّله الادعاء على الوزراء السابقين النواب الحاليين"، لافتاً في المقابل إلى أن "حقّ الدفاع مكرس وموجود لدى هؤلاء، ولهم اللجوء إليه".