لبنان: تكليف البيسري بإدارة الأمن العام بالإنابة خلفاً لإبراهيم

لبنان: تكليف إلياس البيسري بإدارة الأمن العام بالإنابة خلفاً لعباس إبراهيم

03 مارس 2023
مولوي كلّف البيسري (يسار) باعتباره الأعلى رتبة لحين تعيين مدير جديد (فيسبوك)
+ الخط -

وقع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال في لبنان بسام مولوي، اليوم الجمعة، قرار تكليف العميد إلياس البيسري بإدارة المديرية العامة للأمن العام، تحت مسمى "مدير عام الأمن العام بالإنابة"، وذلك بعدما أُحيل اللواء عباس إبراهيم، أمس الخميس، إلى التقاعد.

وأقفلت أبواب التمديد السياسية والقانونية في وجه اللواء إبراهيم وسط أنباء تحدثت عن "فيتو" وُضِع عليه من جانب رئيس البرلمان نبيه بري، الذي يُعدّ إبراهيم من أكثر الأسماء الجدية لخلافته، في حين أكد الأخير، خلال حفل تكريمي أقيم له، أول أمس الأربعاء، في مديرية الأمن العام، أنّه سيتابع العمل السياسي، ملوّحاً إلى أنّ الوزارة التي يجب أنّ يتولاها هي الخارجية والمغتربين، المعروف بأنها محسوبة سياسياً على "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل.

واستقبل مولوي اليوم في مكتبه العميد البيسري "مهنِّئاً إياه لتسلمه مهامه"، ومؤكداً على "أهمية تطبيق القانون وخدمة المواطنين"، ومشدداً على "ضرورة الالتزام بحفظ الأمن والنظام وتكريس بناء الدولة والشرعية"، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتب وزير الداخلية الإعلامي.

وتم التجديد للمرة الأولى، الثلاثاء الماضي، للعميد البيسري لمدة 6 أشهر، قابلة للتمديد، ليصبح الضابط الأعلى رتبة، ويتولى بالتالي مهام إبراهيم، الذي شغل منصبه منذ عام 2011، وذلك إلى حين تعيين مدير جديد عند انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة.

وفي مقدّمة الأسماء المتداولة للمنصب العميدان فوزي شمعون وخطار ناصر الدين، علماً أنّ هذا الموقع محسوب على الطائفة الشيعية، وبشكل أساسي سياسياً على الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" (يرأسها بري)، كما تتوزع كل المراكز العليا للمؤسسات الأمنية في لبنان طائفياً.

واجتمعت، الثلاثاء الماضي، اللجنة الطبية في الأمن العام للبحث في مسألة التمديد للعميد البيسري، وقرّرت تأجيل تسريحه عملاً بأحكام المادة 55 من المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 1983.

وأوضح مصدر قيادي في الأمن العام، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العميد البيسري لم يعيّن مكان اللواء إبراهيم، إذ إنّ اللجنة الطبية قرّرت تأجيل تسريحه للبتّ بوضعه الصحي، الأمر الذي يعني إبقاءه بالخدمة الفعلية في الأمن العام، وبالتالي أصبح يعتبر الأعلى رتبة، ولهذا السبب يدير شؤون المؤسسة، ويتسلّم مهام المديرية في حال لم يعيّن مدير جديد خلفاً للواء إبراهيم".

ودخل البيسري، في وقت سابق، في غيبوبة جراء إصابة تعرّض لها في الانفجار الذي استهدف نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع السابق إلياس المر، في 12 يوليو/ تموز عام 2005، بينما كان يجلس إلى جانبه في السيارة.

وحالت الخلافات السياسية دون التمديد للواء إبراهيم، الذي يحظى بتأييد كبير من "حزب الله"، في حين وُضِعَ الرئيس بري في دائرة عدم المتحمّسين لهذه الخطوة، ولا سيما أنّه لم يبذل الجهد المطلوب للدعوة إلى عقد الجلسة التشريعية، التي أعلن مقاطعتها بشكل أساسي "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع.

ورمى بري الكرة في ملعب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي أعلن، يوم الإثنين الماضي، خلال الجلسة الوزارية، أنّ المخرج للتمديد يجب أنّ يكون بموجب القانون، لأن مجلس الوزراء لا يمكنه القيام بشيء، والموضوع أصبح إجراءً إدارياً بيد وزير الداخلية، وذلك وسط خشية من تعرض أي صيغة معتمدة للطعن أمام مجلس شورى الدولة.

وشغل اللواء إبراهيم منصب المدير العام للأمن العام عام 2011، بعدما كان المساعد الأول لمدير المخابرات في الفترة بين 2008 و2011، كما شغل وظائف أمنية أخرى، بينها رئاسة فرع مخابرات الجنوب، وقيادة فوج المغاوير، ورئاسة قسم مكافحة الإرهاب والتجسس في فرع المكافحة – مديرية المخابرات.

كما تولى بين عامي 1992 و1993 مسؤولية الأمن الشخصي لرئيس الوزراء الأسبق المغتال رفيق الحريري، عند ترؤسه حكومته الأولى، وتولى بين عامي 1989 و1992 أمن رئيس الجمهورية الأسبق الراحل إلياس الهراوي، وقبلها تولى الأمن الشخصي لمبعوث الجامعة العربية إلى لبنان الأخضر الإبراهيمي.

وبرز اسم اللواء إبراهيم كأحد حائكي التسويات السياسية في استحقاقات داخلية بارزة، وكعرّاب للمصالحات، وسُلّم ملفات في غاية الدقة لبنانياً وخارجياً، لا سيما سورياً، نظراً لعلاقاته القوية مع النظام السوري، إذ قاد عدداً من جولات التفاوض مع القوى الإسلامية السورية، و"جبهة النصرة"، فأنجز صفقات إطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين في مدينة أعزاز بريف حلب عام 2013، وراهبات معلولا في العام 2014.

وقاد إبراهيم عام 2015 التفاوض مع "النصرة" لإطلاق سراح الجنود اللبنانيين ضمن عملية تبادل وافق عليها "حزب الله"، كما لعب دوراً في الوساطة للإفراج عن الصحافي الأميركي أوستن تايس، وغيرها من المهمات التي أوكلت إليه، آخرها ملف اللاجئين السوريين في لبنان، وارتبط اسمه بملف اللاجئين الفلسطينيين.

ويعدّ اللواء إبراهيم من الشخصيات التي ادعى عليها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بقضية انفجار مرفأ بيروت، وكان قد لوّح بأنّه سيدعي على كل من ينشر "شائعات وأكاذيب مضللة" بهذا الموضوع، والتي وضعها في دائرة الاستهداف الشخصي.

في السياق، يقول وزير الداخلية السابق مروان شربل، لـ"العربي الجديد"، إنّ خلافات سياسية حالت دون التمديد للواء إبراهيم، لا سيما حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب، الذي رفض بري أنّ يتدخل فيها أحد، بينما كان هناك من يطرح إدراج بند التمديد لجميع المديرين العامين المحسوبين على بعض الأحزاب السياسية.

ويلفت شربل إلى أنّ التمديد لموظفي الفئة الأولى يتطلب عقد جلسة تشريعية وتعديل نظام الموظفين، باعتبار أنّ اللواء إبراهيم أصبح موظفاً مدنياً ببلوغه سن التقاعد، أي 64 عاماً.

وذكّر شربل بأنّه قبل تعيين اللواء إبراهيم عام 2011، وبينما كان وزيراً للداخلية، تولى المدير العام للدفاع المدني الحالي العميد ريمون خطار (وهو من الطائفة المسيحية) منصب المدير العام للأمن العام 5 أشهر متواصلة، خلفاً للواء الركن وفيق جزيني، الذي توفي عام 2010، وبالتالي، فلا مانع اليوم من تولي العميد البيسري وهو من الطائفة المسيحية المنصب بالإنابة، إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، وتعيين مدير عام للأمن العام.

ويرى أنّ اللواء إبراهيم قد تكون له أدوار سياسية لاحقة، لا سيما وزارية أو نيابية في الانتخابات النيابية المقبلة عام 2026، على لوائح "حزب الله"، من دون أنّ تستبعد أيضاً إمكانية خلافته الرئيس بري.

من جهته، يقول العميد الركن خالد حمادة لـ"العربي الجديد"، إنّ ما كان يجري سابقاً من تمديد لمسؤولين أمنيين بعد بلوغهم السن القانونية، أو مثلاً تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، "كله اعتداء على المؤسسات والأشخاص الموجودين فيها"، مستغرباً دائماً "التهويل على الناس بتداعيات عدم التمديد وكأن لبنان سيواجه مصيراً أسود في حال لم يحصل ذلك، علماً أنّ هناك شخصيات تتمتع بالكفاءات المطلوبة قادرة على تحمل المسؤوليات، كما أن كل تجارب التمديد، النيابية، الرئاسية، البلدية، وفي المؤسسات، أتت بالسواد على البلاد وحمّلت الإدارة أوزارا وأعباء كبيرة".

ويؤكد حمادة أنه "لا يوجد فراغ في الإدارات، بما فيها المديرية العامة للأمن العام، بل يتم تكليف شخصية معينة بإدارة المؤسسة تبعاً للتسلسل الإداري والتراتبية الواضحة، وهو ما حصل مع العميد البيسري، وذلك ريثما يتم تعيين المدير الدائم لها".

ويرى حمادة أنّ اللواء إبراهيم "تم تكليفه بمهام خارج نطاق عمل أو صلاحيات أو مسؤوليات المديرية العامة، إذ لم تكن ضمن المهام المدرجة بالتوصيف الوظيفي لموقعه، لكن ذلك تم بخيار سياسي".

بدوره، يقول المحامي علي عباس، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأمن العام "تأثر كغيره من أجهزة الدولة نتيجة الانهيار النقدي، ومن أبرز التأثيرات، كانت أزمة جوازات السفر، إضافةً إلى قضايا كثيرة ألقي فيها الضوء على أداء المديرية، منها طريقة توقيف المواطنين الأجانب في الأمن العام وفي مراكز لا تراعي معايير حقوق الإنسان".

ويلفت عباس إلى أنّ "اللواء إبراهيم كلف بمهام ليست من صلب مهام المدير العام للأمن العام، منها التفاوض مع دول خارجية، وتحرير رهائن، فيما يفترض أنّ تقوم وزارة الخارجية بهذا الدور ومجلس الوزراء"، معتبراً أنّ اللواء إبراهيم كغيره من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، "يختصر زعامات سياسية موجودة في البلد، ويعيّن لا لكفاءته أو نزاهته، بل تبعاً للزعيم السياسي المحسوب عليه، الذي يكلفه بأدوار تجسد الدولة ككل، ولو كانت خارج مهامه، ويسعى إلى السيطرة على الأمن في البلد ومكتسبات الدولة".