لبنان: تجدد الدعوات لإسقاط الطبقة السياسية ومخاوف من فوضى شاملة

لبنان: تجدد الدعوات لإسقاط الطبقة السياسية ومخاوف من فوضى شاملة

16 مارس 2021
أشعل ارتفاع سعر صرف الدولار ساحات الحراك (حسين بيضون)
+ الخط -

قطع متظاهرون، اليوم الثلاثاء، عدداً من الطرق الرئيسة في العاصمة بيروت، ومدن أخرى شمالاً وجنوباً وبقاعاً، وفي جبل لبنان، بالإطارات المشتعلة والمستوعبات، احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، الذي تخطى حاجز الخمسة عشرة ألف ليرة لبنانية في ظلّ استمرار الطبقة السياسية بتعنّتها وتعطيلها المؤسسات، ورفضها الرضوخ لمطالب الشارع.

وأشعل ارتفاع سعر صرف الدولار والهبوط الكبير في العملة الوطنية، التي خسرت أكثر من عشرين في المائة من قيمتها خلال أسبوعين فقط، ساحات الحراك، التي عبّرت عن غضبها من الحالة الراهنة والغلاء الفاحش، وزيادة أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبٍ خيالية، في ظل تدني الحد الأدنى للأجور وانعدام القدرة الشرائية.

وقال الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، إن الحد الأدنى للأجور بات يقدّر بـ45 دولاراً أميركياً مع وصول سعر صرف الدولار إلى 15 ألف ليرة لبنانية.

وبرزت مخاوف من انعكاس تدهور الأوضاع المعيشية وانهيار العملة الوطنية بفوضى أمنية كبيرة، وهو ما عبَّر عنه أيضاً وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي في أكثر من تصريحٍ، وعرّضه لهجوم شعبي كبير، كونه المؤتمن على حماية أمن المواطنين.

 

وأشار تقرير لشركة "الدولية للمعلومات" إلى أن لبنان شهد خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2021 ارتفاعاً في جرائم القتل بنسبة 45.5% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020، بحيث وصل عدد القتلى إلى 32، وزادت جرائم السرقة بنسبة 144%.

وأدى ارتفاع سعر صرف الدولار أيضاً إلى تسجيل عددٍ لافتٍ من الإشكالات التي باتت شبه يومية داخل السوبرماركت في ظلّ تهافت الناس على شراء المواد المدعومة الموجودة بكمياتٍ قليلة، نظراً لتهريب قسمٍ كبير منها إلى الخارج لبيعها، أو تخزينها في المستودعات والتلاعب بسعرها لجني أرباح طائلة، وهو ما عرّض بعضها لهجومٍ من قبل محتجين، دخلوا إليها وعمدوا إلى العبث بالبضائع والمعلبات، وتكسير البرادات، والضغط عليها لوضع البضائع على الرفوف وعرضها للبيع.

وأطلقت مجموعات مدنية الصرخة عالياً، مطالبة اللبنانيين بالنزول إلى الشارع لإسقاط الطبقة السياسية والمصرفية نتيجة ممارساتها القائمة على الفساد ونهب المال العام، وإمعانها المستمرّ بتجويع الناس وسرقة ودائعهم، وآخرها اليوم مع إقرار اللجان النيابية المشتركة إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة بقيمة 200 مليون دولار أميركي من البنك المركزي، بعدما كان "التيار الوطني الحر"، الذي يتزعمه النائب جبران باسيل، والذي تعاقب وزراؤه منذ أكثر من عشر سنوات على وزارة الطاقة والمياه، قد تقدم باقتراح قانون مكرر معجل طلب فيه سلفة بقيمة مليار دولار لتغطية عجز شراء المحروقات.

أشار تقرير لشركة "الدولية للمعلومات" إلى أن لبنان شهد خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2021 ارتفاعاً في جرائم القتل بنسبة 45.5% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020، بحيث وصل عدد القتلى إلى 32، وزادت جرائم السرقة بنسبة 144%

 

وقالت الجمعية المتخصصة بالدفاع عن حقوق المودعين في لبنان إن "اللجان النيابية سرقت اليوم 200 مليون دولار من الأموال المتبقية للمودعين في مصرف لبنان المركزي".

ودعت الجمعية إلى "تحرير هذه الأموال فوراً لأصحابها، ولتتحمل الدولة مسؤوليتها في دعم الشعب اللبناني وعلى حسابها، وليس على حساب المودعين"، داعية أيضاً اللبنانيين والمودعين للنزول إلى الشارع في كافة المناطق للتظاهر والاعتراض على القرار، والوقوف بوجه تنفيذه.

ويرفض المحتجون استمرار المسؤولين عن قطاع الطاقة بفرض سياسات تقوم على الهدر الذي كلف الدولة أكثر من أربعين مليار دولار، وأغرق البلاد بالعتمة، رغم الوعود بتأمين الكهرباء 24/24، واعتماد أسلوب الابتزاز لتمرير سلفات ملغومة بتخيير اللبنانيين بين العتمة أو المساهمة المالية.

وجابت مسيرة راجلة شوارع مدينة طرابلس في شمال لبنان، وصلت إلى منازل عددٍ من السياسيين، حيث رفعت شعارات تدعو إلى تقديم استقالتهم فوراً من البرلمان بعد عجزهم عن أداء دورهم النيابي التشريعي، ومساهمتهم في الانهيار الحاصل على مختلف المستويات. 

كما طالب المحتجون بالإسراع في تشكيل حكومة انتقالية من ذوي الاختصاص، تعمل على برنامج إصلاحي يحوز على الدعم الدولي المطلوب للنهوض بالبلاد اقتصادياً.

يرفض المحتجون استمرار المسؤولين عن قطاع الطاقة بفرض سياسات تقوم على الهدر الذي كلف الدولة أكثر من أربعين مليار دولار، وأغرق البلاد بالعتمة، رغم الوعود بتأمين الكهرباء 24/24، واعتماد أسلوب الابتزاز لتمرير سلفات ملغومة

 

وخرجت مسيرات احتجاجية في صيدا جنوب لبنان، حيث قطعت طرقات فرعية ورئيسة بالعوائق الحديدية والإطارات اعتراضاً على تردي الأوضاع المعيشية وفوضى سعر صرف الدولار، الذي دفع مؤسسات غذائية وتجارية ومحطات وقود إلى إقفال أبوابها بانتظار استقرار سعر الصرف، ونتيجة الشحّ الحاصل في البضائع والمواد، وسط تهافت اللبنانيين عليها خوفاً من انقطاعها.

ولم يقتصر الإقفال على مناطق جنوبية فقط، بل برز هذا المشهد في مختلف المناطق اللبنانية، وعلى صعيد قطاعات عدّة، أبرزها المحال التي تبيع مواد غذائية، بالإضافة إلى المتاجر التي تعجز عن تسعير البضائع في ظلّ تعدد أسعار الصرف بين لحظة وأخرى، وارتفاعه بشكل جنوني بأقلّ من أربع وعشرين ساعة.

كذلك، جال محتجون على عددٍ من الشوارع والأحياء في العاصمة اللبنانية، مطالبين أصحاب المحال التجارية بالإقفال رفضاً لارتفاع سعر صرف الدولار، في خطوة للضغط على المسؤولين التحرّك للجم الفوضى الحاصلة.

 

وصرّح وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، في مقابلة مع وكالة "بلومبورغ"، أن لبنان يقوم بتقليص الدعم على المواد الغذائية، وسيبدأ تدريجياً بزيادة أسعار البنزين لإنقاذ الاحتياطيات بالعملات الأجنبية المتضائلة. وقال إن "الاحتياطيات بالعملات الأجنبية المتبقية في مصرف لبنان تبلغ 16 مليار دولار أميركي، ولا يمكن استخدام  سوى مليار و1.5 مليار دولار منها فقط لتمويل الدعم، ما يكفي لشهرين أو ثلاثة أشهر".

أضاف وزني أن "الحكومة ستزيل بعض المنتجات عن قائمة السلع المدعومة. كما تخطط الحكومة لزيادة الأسعار تدريجياً في محطات الوقود خلال الأشهر المقبلة، وخفض دعم البنزين من 90% إلى 85%".

حكومياً، ما يزال الوضع يراوح مكانه، في ظل تقاذف كرة التعطيل، ووضع الملف الحكومي اليوم على طاولة رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي استقبل السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، وجرى البحث في الأوضاع العامة وآخر المستجدات.

وقال مصدر دبلوماسي أميركي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سفيرة الولايات المتحدة عبّرت عن قلقها إزاء الجمود الحاصل حكومياً، وانهيار الوضع النقدي والمعيشي في لبنان، وحذرت من عواقب تأخير تشكيل حكومة تحظى بدعم دولي على الداخل اللبناني والشعب الضحية الأكبر".

وأشار المصدر إلى أن "الولايات المتحدة مستمرة في دعم لبنان من خلال مبادراتها التي لا تتصل بالدولة نتيجة فقدان الثقة بها، وهي تقف إلى جانب المؤسسة العسكرية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فهي تعتبرها الطرف الوحيد الموكل إليه مهمة حفظ الأمن والاستقرار"، وهو ما أكده أيضاً قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، الذي زار لبنان أمس الاثنين، والتقى قائد الجيش العماد جوزاف عون، وشدد على أهمية الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والجيش اللبناني.

على صعيد آخر، أعلنت رئاسة الحكومة اللبنانية اليوم أنه تم فتح الاعتماد المستندي لصالح شركة "كومبي ليفت" الألمانية بما يتيح لها المباشرة بنقل المستوعبات التي تحتوي على المواد الخطرة التي جرى تجميعها من مرفأ بيروت، إلى خارج لبنان، وذلك تنفيذًا للعقد الموقع مع الشركة.

المساهمون