لبنان: الجلسة الوزارية في مهبّ التحذيرات والمقاطعة

لبنان: الجلسة الوزارية في مهبّ التحذيرات والمقاطعة

04 ديسمبر 2022
يصرّ ميقاتي على عقد الجلسة رغم مقاطعة وزراء (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

على وقع التصعيد الكلامي الحادّ بين رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي والفريق السياسي للرئيس السابق ميشال عون، أعلن 9 وزراء مقاطعتهم الجلسة الوزارية المنتظرة صباح الإثنين، الأمر الذي يطيحها بمجرد عدم تحقيق نصاب الثلثين المطلوب لعقدها (16 وزيراً من أصل 24)، علماً أن ميقاتي يصرّ حتى الساعة على عقد الجلسة، وقد أرسل مكتبه الإعلامي، مساءً، للصحافيين تذكيراً بموعد التغطية.

دعا ميقاتي، الجمعة، مجلس الوزراء إلى جلسة صباح الإثنين، بجدول أعمال فضفاض من 65 بنداً بذريعة الضرورة، لا سيما الصحية والاستشفائية، قبل أن يخفّضه إلى 25 على وقع تحذير عون و"التيار الوطني الحر" من هذه الخطوة "الاستفزازية"، التي يعتبرانها مخالفة للدستور، في ظلّ حالة الحكومة الراهنة بوصفها، علاوة على الشغور الرئاسي، حكومة تصريف أعمال، كان رئيس الجمهورية قد تحرك ضدها برسالة إلى مجلس النواب عشية انتهاء ولايته في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وعاد عون إلى الواجهة بتغريدة الأحد، دعا فيها الوزراء إلى "اتخاذ موقف موحّد يمنع الخروج عن نصوص الدستور التي تحدّد بوضوح دور حكومات تصريف الأعمال"، لافتاً إلى أن "التذرع بتلبية الحاجات الاستشفائية والصحية والاجتماعية لعقد جلسة مجلس الوزراء يدخل البلاد في سابقة لا مثيل لها"، وهو موقفٌ اعتُبر بمثابة نداء مباشر لوزرائه بالدرجة الأولى، ما ترجم بالقرار المشترك الصادر عنهم في وقتٍ لاحقٍ.

دستورياً، يلفت المحامي جميل مراد، لـ"العربي الجديد"، إلى أن النصاب اللازم لالتئام مجلس الوزراء هو أكثرية ثلثي أعضاء الحكومة، أي ما يعادل 16 وزيراً من أصل 24، وبالتالي، في حال استمرّ الوزراء التسعة على قرارهم بعدم المشاركة، أو حتى زاد العدد المذكور، فإنه لا يجوز أن تُعقد الجلسة، ولا أن تجتمع الحكومة أو تتخذ القرارات.

وراهن ميقاتي عند دعوته مجلس الوزراء للانعقاد وتأمين النصاب اللازم على عدم ملاقاة وزراء "حزب الله" وحركة أمل، برئاسة نبيه بري، "التيار الوطني الحر" في مقاطعته الجلسة، إلى جانب مشاركة وزيري حليفهما "تيار المردة"، برئاسة سليمان فرنجية؛ جوني القرم (الاتصالات) وزياد المكاري (الإعلام)، لا سيما لتأمين الميثاقية المسيحية، ووزراء آخرين "تلبّدت" علاقتهم مع عون وباسيل في الفترة الأخيرة.

بيد أن خطوة وزير الاقتصاد، غير المحسوب مباشرة على عون، ووزير الصناعة "الحليف" ضمن التكتل الأرمني النيابي، أتت لتهدد النصاب، علماً أن أنباء تردّدت، عن مساعٍ مسائية لدفع بعض الوزراء، للتراجع والمشاركة في جلسة الغد.

وقال وزير الزراعة عباس الحاج حسن، المحسوب على "حزب الله" وحليفه "حركة أمل": "إننا كفريق سياسي سنحضر جلسة مجلس الوزراء، لأننا نؤمن أن تسيير أمور الدولة والمرافق العامة التي تعنى بالمباشر بحياة الناس بكل تفرعاتها واجب وطني أساسي لا يمكن التخلي عنه". بينما لم يفصح عددٌ من الوزراء المحسوبين على الثنائي مواقفهم من الحضور أو المقاطعة.

وزراء يقاطعون رفضاً لمخالفة الدستور

وأصدر 9 وزراء، هم  وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، والعدل هنري خوري، والدفاع موريس سليم، والاقتصاد أمين سلام، والشؤون الاجتماعية هكتور حجار، والطاقة والمياه وليد فياض، والسياحة وليد نصار، والصناعة جورج بوشكيان، والمهجرين عصام شرف الدين، بياناً مشتركاً، الأحد، أعلنوا فيه عدم مشاركتهم في الجلسة، داعين ميقاتي إلى العودة عن دعوته، بذريعة رفضهم مخالفة الدستور، وعدم قبولهم أن يكونوا شركاء في ضرب الميثاق الوطني.

وقال الوزراء، وهم من حصة عون الوزارية ومقرّبون منه، في البيان، إنهم "فوجئوا بدعوة رئيس الحكومة المستقيلة لعقد جلسة لمجلس الوزراء بجدول أعمال فضفاض ومتخبّط من 65 إلى 25 بنداً، فيما حكومتنا هي حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيق للكلمة، ولم تجتمع منذ اعتبارها مستقيلة في مايو/أيار الماضي".

وأشار الوزراء إلى أن "الدستور لا يسمح لحكومة تصريف أعمال أن تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي فاقدة الصلاحية الدستورية، والثقة البرلمانية، إذ لم تحظَ بثقة المجلس النيابي الحالي".

وتابعوا في بيانهم: "لقد تم الاتفاق والالتزام من قبل رئيس الحكومة ومكوّناتها بألا تعقد أي جلسة لمجلس الوزراء إلا في حال توفّر أمرين لازمين، الأول وقوع حادث طارئ وحدوث أمر ضروري لا تمكن معالجته إلا من خلال مجلس الوزراء، والثاني، موافقة كل مكونات الحكومة على ذلك، وهذا ما تم التأكيد عليه والتعبير عنه من قبل ميقاتي والمعنيين في مجلس النواب، في جلسته المنعقدة بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022".

وأضافوا: "الحال أنه ليس هناك أي أمر طارئ وضروري لا تمكن معالجته من دون مجلس الوزراء، كما أنه لم يتم لا التشاور ولا الموافقة، لا على البنود ولا على أصل الجلسة من الأساس".

وإذ عبّر الوزراء عن مخاوفهم من اعتماد أعراف وأساليب جديدة لا تتوافق مع النص الدستوري الواضح، لجهة ممارسة مجلس الوزراء مجتمعاً صلاحيات رئيس الجمهورية، ناشدوا كافة الوزراء الوقوف معاً إلى جانب الدستور والوحدة الوطنية وعدم المشاركة في ما يؤدي إلى المسّ بهما، داعين ميقاتي إلى "العودة عن دعوته تلك، كي لا تزيد الوضع في البلاد صعوبة وتعقيداً، فيما باستطاعتنا جميعاً أن ندرأ الأخطار بالاحتكام إلى الدستور وبالتفاهم والوحدة الوطنية".

وبينما دعمت قناة بري الإعلامية (أن بي أن) خطوة ميقاتي، المدعومة أيضاً من "الحزب التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط، شنت قناة "أو تي في" التابعة لعون وباسيل أكثر من هجوم على رئيس حكومة تصريف الأعمال، متهمة إياه باستهداف صلاحيات رئيس الدولة عمداً، فيما نشرت نائبة باسيل للشؤون السياسية مي خريش تغريدة، اعتبر ميقاتي أنها "تحمل في طياتها تهديداً وتحريضاً، وهي بمثابة إخبار لدى الأجهزة القضائية المختصة".

وغرّدت خريش: "دولة الرئيس...الأزمة الاجتماعية يلّي عم تتحجج فيها مش مستجدة... إنت رئيس حكومة مستقيلة والدستور بيمنعك تدعي لمجلس وزراء بغياب رئيس جمهورية... من وين استرجعت حق ساقط... وساقط معو تكليفك؟ انتبه من الحقد لأنو بيجر للفتنة...النصيحة كانت بجَمَل...بعرف عم تضحك ع المتل لأنك بتسعّر بالدولار".

الراعي يدعو ميقاتي لتصويب الأمور

كذلك، تطرق البطريرك الماروني بشارة الراعي، في عظة الأحد، إلى الملف الحكومي، وقال: "حكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس، لا حكومة جداول أعمال الأحزاب والكتل السياسية"، متمنياً على ميقاتي أن "يصوّب الأمور وهو يتحضّر مبدئياً لعقد اجتماع الإثنين، فالبلاد في غنى عن فتح سجالات طائفية وخلق إشكالات جديدة وتعريض الأمن للاهتزاز، وعن صراعات مؤسسات، واختلاف على صلاحيات".

وتمنى الراعي على الحكومة الحفاظ على استقلاليتها كسلطة تنفيذية ولو لتصريف الأعمال.

اعتبرت أوساط "التيار الحر" أن موقف الراعي يصبّ في صالحهم ويعارض عقد الجلسة، وجرى تداول أخبار عن مطالبة البطريرك ميقاتي، خلال اتصال بينهما، بتصويب الأمور لتجنيب البلاد سجالات طائفية. وأوضح ميقاتي، في بيان، أنه اتصل بالراعي للتشاور في الوضع، وشرح له الظروف التي حتمت الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، وأنه يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك وموقفه، وسيسعى إلى أن تبقى الحكومة بعيدة عن تأثيرات من هنا وهناك، لتحافظ على استقلاليتها كسلطة تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال، وهو ما دعا إليه الراعي في عظته.

المساهمون