لا آفاق للوساطات بين روسيا وأوكرانيا: الربيع فصل تصعيد المعارك

لا آفاق للوساطات بين روسيا وأوكرانيا: الربيع فصل تصعيد المعارك

06 مارس 2023
جنود أوكرانيون على جبهة دونيتسك السبت الماضي (أناتولي ستيبانوف/فرانس برس)
+ الخط -

خلال الأسابيع الأولى التي تلت بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، عقدت وفود روسية وأوكرانية جولات مفاوضات عدة؛ في بيلاروسيا أولاً، ثم في تركيا.

مفاوضات شهدت تعثراً كاملاً، بينما اقتصر مفعول مبادرات اللاعبين الإقليميين على تحقيق انفراجة في ملفات عالقة معينة، مثل تبادل الأسرى أو إبرام "صفقة الحبوب" لإخراج الحبوب من الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، والتي يعود الحديث عنها في الأيام الأخيرة مع اقتراب انتهائها في الـ18 من الشهر الحالي.

حتى المقترحات الصينية التي طرحتها بكين، أخيراً، في الذكرى الأولى لبدء الحرب في 24 فبراير 2022، لم تحظ بقبول كل من موسكو وكييف، اللتين رأتا أنها تتعارض مع رؤيتيهما لإنهاء الحرب، رغم احتوائها على مبادئ عامة، مثل وقف أعمال القتال واستئناف مفاوضات السلام ورفع العقوبات أحادية الجانب المفروضة على موسكو من قبل الدول الغربية. 

وذهب الكرملين إلى حد اعتبار الخطة المؤلفة من 12 بنداً، والتي تتضمن مبادئ مثل احترام سيادة كل الدول، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، بأنها "عملية طويلة ومرهقة"، مشدداً على أن "تفاصيلها يجب أن تخضع لتحليل دقيق وحسابات".

يتوقع رسلان بورتنيك أن تشكل المبادرة الصينية أرضية للمفاوضات بعد نحو عام

وتصر موسكو على ربط عقد المفاوضات مع أوكرانيا بالاعتراف بـ"الواقع الجديد" في مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، التي ضمتها نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وسيادتها على شبه جزيرة القرم، بينما يرفض الجانب الأوكراني هو الآخر التفاوض طالما لم تنسحب القوات الروسية من هذه الأراضي.

استقطاب عالمي

يرى مدير المركز الأوكراني للتحليل وإدارة السياسات، رسلان بورتنيك، أن الحرب الروسية الأوكرانية أسفرت عن حالة استقطاب غير مسبوق على مستوى العالم، متوقعاً أن تشكل المبادرة الصينية أرضية للمفاوضات في مرحلة لاحقة بعد مرور فترة، في حدود العام.

ويقول بورتنيك، في حديث لـ"العربي الجديد": "يعيش العالم اليوم حالة من الاستقطاب في مسألة الحرب الروسية الأوكرانية، وحتى الحياد بات ينظر إليه على أنه انحياز لروسيا، أو موقف يتعارض مع موقف أوكرانيا وحلفائها الغربيين. ولذلك، لا وسيط ذا ثقل يقف على نفس المسافة من طرفي الصراع".

وحول تقييمه مدى حيادية الصين، يقول إن "جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ضالعة في الحرب بدرجة أو بأخرى، وإن كانت درجة ضلوع الصين أقل، كونها لا تشارك في النزاع العسكري، لكنها في الوقت نفسه شريك تجاري هام لروسيا يساعدها في الالتفاف على العقوبات".

ويضيف: "لذلك، هناك فرصة لتطبيق المبادرة الصينية في المستقبل، بعد مرور عام مثلاً، خصوصاً أن نصها ضبابي إلى حد كبير، وهي عبارة عن مبادئ عامة للتسوية تستند إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة أكثر منها خطة".

ويعتبر أن المقترحات الصينية تندرج ضمن تنافس بكين مع واشنطن، قائلاً: "أعتقد أن المبادرة الصينية كانت محاولة لجر الدول المحايدة في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا إلى صفها، عبر تصوير الأمر على أن الصين وحدها هي من تدعو إلى السلام، بينما تصر الولايات المتحدة وروسيا على مواصلة الحرب".

يتوقع ألكسندر بوروداي أن تشن كييف هجوماً مضاداً لتقديم انتصارات للغرب حتى يواصل دعمها عسكرياً

وكانت وزارة الخارجية الروسية ردت على المقترحات الصينية بشأن التسوية الدبلوماسية للنزاع في أوكرانيا بالتأكيد أن "روسيا منفتحة على تحقيق أهداف العملية العسكرية بطريقة سياسية - دبلوماسية"، متشبثة بـ"الاعتراف بالوقائع الحدودية الجديدة"، وكذلك "تحييد السلاح ونزع النازية" في أوكرانيا.

في المقابل، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هو الآخر، أن عدم إدراج مطلب انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية لا يناسب كييف.

وحول آفاق المبادرات الأخرى حول أوكرانيا، يتابع بورتنيك: "تُبذل جهود تركية وسعودية وبرازيلية وأممية، وحتى من قبل بابا الفاتيكان فرنسيس، لكنها قادرة اليوم على حل مسائل إنسانية معينة فقط، أو قضايا ضيقة، مثل تبادل الأسرى وجثامين القتلى، ومواصلة تحقيق صفقة الحبوب، وغيرها من القضايا الإنسانية، ولكنها غير قادرة على إنهاء الحرب".

توقعات بهجوم أوكراني مضاد

من جهته، يستبعد ألكسندر بوروداي، النائب في مجلس الدوما (النواب) الروسي عن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم ورئيس "جمعية متطوعي دونباس"، إمكانية عقد المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، متوقعاً أن تشن كييف هجوماً مضاداً لتقديم انتصارات للغرب حتى يواصل دعمها عسكرياً.

ويقول بوروداي، الذي شغل في العام 2014 منصب رئيس وزراء "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا آفاق للمفاوضات، وإنما هناك عدد لا بأس به من الدول مستعدة للوساطة، ولكن ليس هناك ما يمكن الاتفاق عليه".

ويتوقع أن تفضل أوكرانيا شن هجوم مضاد بدلاً من التفاوض، مضيفاً: "ستستثمر أوكرانيا آخر إمكانياتها واحتياطياتها العسكرية في الهجوم المضاد، إدراكاً منها أن الدعم الغربي سينفد ما لم يُحقّق أي نجاح عسكري".

ويرجح الباحث الأكاديمي الأوكراني إيغور سيميفولوس، هو الآخر، أن تشن أوكرانيا هجوماً مضاداً قد يمتد حتى شبه جزيرة القرم عن طريق عزلها عن روسيا أولاً.

ويقول سيميفولوس، في حديث لـ"العربي الجديد": "قد تبدأ القوات الأوكرانية خلال الربيع الحالي تقدماً مضاداً في مقاطعة زابوريجيا على مدينة ميليتوبول وساحل بحر آزوف، بهدف اختراق جبهة القرم وقطعها عن الممر البري الذي يربطها بروسيا. لقد وجهت أوكرانيا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رسالة أظهرت قدرتها على تدمير جسر القرم، وفي حال تم القضاء عليه بشكل نهائي، فستصبح القرم محاصرة بعد قطع الطريق البري".

وفي 8 أكتوبر الماضي، تعرض جسر القرم، الرابط بين الشطر القاري من روسيا وشبه الجزيرة، لتفجير بواسطة شاحنة ملغومة، أدى إلى اشتعال صهاريج وقود في قطار شحن كان يسير في ذلك الوقت على قسم السكة الحديدية من الجسر، وانهيار جزء من القسم الخاص بالسيارات، ما اضطر موسكو إلى إخضاعه لأعمال صيانة مهمة قبل إعادة تشغيله. وكان المستشار السابق لمكتب الرئيس الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش صرح، مطلع مارس/آذار الحالي، بأن قوات الجيش الأوكراني جاهزة للتقدم المضاد على القرم، وقد تبدأه في منتصف إبريل/نيسان المقبل، بعد تحسن الأحوال الجوية.