كيف يعيش اليمنيون في غياب الدولة؟

كيف يعيش اليمنيون في غياب الدولة؟

05 يناير 2024
أصبح اليمن سوقاً رائجاً لألواح الطاقة الشمسية (Getty)
+ الخط -

في 21 سبتمبر/أيلول 2014 سيطرت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على العاصمة صنعاء، وأعلنت عقب ذلك إعلاناً دستورياً، كما وجهت قواتها للسيطرة على محافظات اليمن الأخرى، وحاصرت رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ووضعته تحت الإقامة الجبرية. وقد أدى انقلاب الحوثيين إلى تقويض مؤسسات الدولة وتعطيلها، ما أثر سلباً على حياة المواطنين اليمنيين في كافة المجالات، وتسبب بتدهورها، وهو التدهور الذي تزايد مع شن قوات التحالف، بقيادة السعودية والإمارات، نهاية مارس/آذار 2015 عملياتها العسكرية ضد الحوثيين الهادفة لاستعادة الشرعية في اليمن، وهي العملية المعروفة بـ"عاصفة الحزم".

منذ مارس 2015 تسببت الحرب بمقتل وإصابة مئات الآلاف من اليمنيين، كما تسببت بانهيار الحياة في جميع جوانبها، ليشهد اليمن أكبر كارثة إنسانية في العالم، في ظل تدهور الوضع المعيشي، وارتفاع الأسعار، وتوقف صرف الرواتب، وازدياد معدلات الفقر، والتسبب بحالة نزوح داخلي وخارجي غير مسبوقة. كما أن الحرب تسببت بتوقف الخدمات العامة في البلاد، وفي مقدمتها الكهرباء والماء والطرقات والاتصالات، وتوقف عدد كبير من المستشفيات، ليمتد أثرها أيضاً إلى الجانب الثقافي والفكري، وليصبح اليمن الذي كان يوصف قبل الحرب بأنه شبه دولة، عبارة عن تجمّع لمواطنين بحكومتين لكنه بلا دولة.

تم تسخير معدات محطات الكهرباء لصالح شركات تجارية تم إنشاؤها في زمن الحرب

على أن غياب الدولة وغياب الخدمات في ظل الحرب جعل اليمنيين يلجأون إلى طرق بديلة، يمكن من خلالها توفير ما يفي بالحد الأدنى من حاجتهم للخدمات العامة، وهو ما جعل المواطنين في استغناء عن الدولة المفقودة أصلاً.

الطاقة الشمسية بديلا للكهرباء

تعد الكهرباء واحدة من أهم الخدمات العامة في أي بلد، وهي عماد الخدمات الأخرى. وقد تعرضت معظم محطات الكهرباء في اليمن للقصف خلال الحرب، ما أدى لخروجها عن الخدمة، كما تسبب القصف بتدمير الكثير من المعدات. كذلك أدت الاشتباكات التي شهدتها شوارع المدن بين أطراف الحرب إلى انقطاع الكثير من أسلاك التوصيل الخاصة بالضغط العالي، ما أدخل المدن اليمنية في ظلام دامس.

وقد لجأ معظم اليمنيين إلى إيجاد بدائل لتوفير الطاقة الكهربائية، حيث كانت الطاقة الشمسية هي الخيار الأنسب والمتاح، ما جعل اليمن سوقاً رائجاً لألواح الطاقة الشمسية والبطاريات، باعتبار أنها توفر الحاجة في حده الأدنى للأسر اليمنية من الطاقة الكهربائية.

المواطن اليمني ياسر الحداد قال، لـ"العربي الجديد"، إن "اندلاع الحرب في صنعاء تسبب في تعطل الكهرباء بشكل نهائي. وكي لا أعيش في عزلة عن العالم لجأت إلى شراء بطارية وألواح طاقة شمسية تكفي لإضاءة المنزل وتشغيل التلفزيون، بينما المقتدرون مالياً يمكن أن يشتروا منظومة طاقة شمسية بحجم أكبر، وتوفر لهم طاقة أكبر يمكن من خلالها تشغيل الأجهزة المختلفة. لكن بسبب الوضع المالي المنهار والمتدني بالكاد تنجح معظم الأسر في توفير بطارية ولوح أو لوحي طاقة شمسية".

المهندس حمزة النقيب، مدير شركة خاصة بأنظمة الطاقة الشمسية قال، لـ"العربي الجديد"، إنه في ظل الأوضاع القائمة وحالة الحرب في البلاد تعثرت الدولة في تقديم خدمة الكهرباء للمواطن، وإن توفرت فهي تتوفر عبر القطاع الخاص وبأسعار عالية لكل كيلوواط. ومع الارتفاع النسبي في كفاءة الخلايا الشمسية التي تصل إلى 25 في المائة، وانخفاض أسعار الواط في مصانع الصين كانت الطاقة الشمسية هي الحل الأمثل، والأقل تكلفة، والأقل صيانة، والأكثر تداولاً".

وأضاف النقيب أنه يتم استخدام الألواح الشمسية لثلاثة قطاعات رئيسية، هي القطاع الصناعي، والقطاع الزراعي، والقطاع السكني وهو الأهم، حيث اتجه الناس مضطرين نحو تطبيقات خزن الطاقة الشمسية عبر البطاريات. وأشار إلى أن "المستهلك في بداية الأمر عانى كثيراً، وذلك لعدم توفر المنتجات ذات الجودة العالية، وعدم التحجيم الجيد للمنظومة الشمسية المناسبة للمستهلك، إلا أنه بعد تجربة 8 سنوات منذ انتشار الطاقة الشمسية في اليمن بدأ تراكم الوعي في النمو، وأصبح المستهلك يستطيع تمييز المواد الجيدة وذات العمر الافتراضي الأكبر. وهناك تحسن ملموس في جودة المنتجات التي يتم توفيرها في السوق اليمني".

وتعرض ملف الكهرباء أيضاً للتدمير الممنهج من قبل قيادات عليا في السلطات المحلية، والتي عمدت إلى تعطيل الكهرباء العمومية بهدف بناء شركات كهرباء تجارية تجني من خلالها ملايين الريالات شهرياً، وهذا الأمر في مناطق سيطرة الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً على حد سواء.

وتم تعطيل محطات الكهرباء، واستخدام ما تبقى من معداتها وتسخيرها لصالح شركات كهرباء تجارية تم إنشاؤها في زمن الحرب، وتبيع الكهرباء بأسعار مرتفعة جداً تصل إلى 1000 ريال للكيلوواط الواحد في مناطق الشرعية (الدولار يساوي 1525 ريالاً في مناطق سيطرة الشرعية) في حين يبلغ سعر الكيلوواط في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين 300 ريال من العملة القديمة للكيلوواط (الدولار يساوي 522 ريالا في مناطق سيطرة الحوثيين).

وتعد مدينة تعز واحدة من أبرز المدن اليمنية التي شهدت عبثاً ممنهجاً لتدمير الكهرباء العمومية، وبتواطؤ من قيادات في مؤسسة الكهرباء والسلطة المحلية في المحافظة، حيث تم تأجير معدات المؤسسة لصالح شركات تجارية تم إنشاؤها وتعود ملكيتها لنافذين، بعد أن كان لتعز محطتان، هما المخا وعصيفرة.

وتقوم شركات الكهرباء التجارية باستخدام معدات المؤسسة العامة للكهرباء والشبكة التابعة لها في توصيل الكهرباء الى المواطنين، وذلك بناء على عقد تأجير وقعته مع مدير مؤسسة كهرباء تعز السابق عارف غالب عبدالحميد بشكل مخالف للقانون، حيث إن توقيع مثل هذه العقود يعد من صلاحيات وزير الكهرباء حصراً بحسب نصوص القانون، باعتباره رئيس المجلس الأعلى للطاقة، وفقاً لما ذكرته مديرة مكتب الشؤون القانونية حينها في مذكرة رسمية.

حملات لإعادة تشغيل الكهرباء العمومية

في الآونة الأخيرة برزت أصوات مجتمعية تقوم بعدد من النشاطات المجتمعية الهادفة إلى خلق رأي عام ضاغط على الجهات الحكومية لإعادة تشغيل الكهرباء العمومية، وذلك من خلال العديد من الوسائل، وأبرزها تأسيس حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الناشط والإعلامي نائف الوافي، كان واحداً من هذه الأصوات المجتمعية، حيث عمل على تأسيس حملة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحت هاشتاغ #تعز_طافي، بهدف الضغط على السلطات المحلية لإعادة صيانة وتشغيل محطة عصيفرة.

وقال الوافي، لـ"العربي الجديد"، إن "فكرة الحملة بدأت من إيماني بضرورة مناقشة قضية حقيقية تهم الجميع في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد زيارتي لمدينة المكلا التي لا يزال فيها التيار الكهربائي فاعلاً، وبسبب حاجتنا لخدمة الكهرباء في تعز. ومضمون الحملة هو المطالبة بعودة الكهرباء العامة لمدينة تعز".

وأضاف الوافي: "إلى الآن تحقق من الحملة أننا آمنا أن عودة الكهرباء ليست مستحيلة، وكانت استحالتها في رؤوس المجتمع والسلطة، كما دحضنا قول من يقول إن محطة عصيفرة قد أكل عليها الدهر وأنها محطة من 2003، وتحقق عودة موظفي محطة عصيفرة للعمل، والصيانة في مراحلها الأخيرة، وستكون جاهزة قريباً، وهي تنتظر محافظ ووزارة كهرباء ومدير مؤسسة كهرباء يقومون بعملهم".

الحياة الثقافية والفكرية في اليمن لم تكن استثناء من الجوانب التي تضررت بسبب الحرب

وأشار إلى أن "تاجر كهرباء تجارية يبيع الكهرباء لأحياء في مدينة تعز بسعر مضاعف، بينما التاجر نفسه بالقرب من المدينة وتحديداً في ريف تعز يبيع الكيلوواط الكهرباء بنصف السعر الذي يبيعه داخل المدينة". وأكد الوافي أن "هناك قوى تقف ضد إصلاح كهرباء تعز، وهي القوى المستفيدة من عائدات الكهرباء البديلة للكهرباء العامة، وكل من يرتبط بهم من السلطة والمجتمع، كون العائدات بالمليارات كل شهر. كما أن صمت المجتمع وتماشيه مع الموجود في ظل غياب خدمات الدولة، يعتبر المكان الخصب الذي تتغذى عليه القوى المستفيدة".

طرق فرعية ووعرة بديلاً للطرق المقطوعة

أدت الحرب في اليمن إلى تقييد حرية التنقل بين المحافظات والمدن، من خلال قيام أطراف الحرب بإغلاق وقطع الطرق الواصلة بين المحافظات، خاصة في مناطق خطوط التماس، ما جعل المواطنين يلجأون إلى طرق فرعية بديلة تمتاز بطول المسافة ووعورة الطريق، وهو ما زاد من حجم الأعباء الملقاة على عاتق المواطنين.

تقييد حرية التنقل تزامن مع مضايقات يتعرض لها اليمنيون خلال انتقالهم بين المحافظات، من خلال نقاط التفتيش التي وضعتها أطراف الحرب، حيث تسببت هذه النقاط باعتقال واختطاف الآلاف، والتعرض للمضايقات من خلال التفتيش الدقيق خاصة للهواتف الخليوية، والتفتيش في هويات المسافرين، حيث يتعرض البعض للاعتقال بمجرد الاشتباه به بأنه محسوب على الطرف الآخر.

أضف إلى ذلك أن الطرق الفرعية البديلة قد ضاعفت من الكلفة المادية للانتقال بين المحافظات، وهو ما حد من حجم السفر، حيث بات اليمنيون لا يسافرون إلا للضرورة القصوى في ظل الأعباء الإضافية التي فرضتها ظروف الحرب.

وتعد تعز من أبرز المدن اليمنية المتضررة من قطع الطرقات نتيجة موقعها الجغرافي وسط البلاد، ولكونها تربط بين معظم المحافظات في الشمال والجنوب والغرب، بالإضافة إلى تقاسم السيطرة عليها بين طرفي الحرب، الحكومة الشرعية وجماعة أنصار الله الحوثيين. فالطريق الواصل بين تعز وصنعاء، والذي يبلغ 256 كيلومتراً، كان يمتد لخمس إلى ست ساعات فقط قبل الحرب، مرورا بمنطقة الحوبان ثم مدينة إب شمالا، ثم مدينة ذمار، وصولاً إلى العاصمة صنعاء.

وتسيطر جماعة الحوثيين على مناطق الحوبان وإب وذمار وصنعاء، وفي سياق فرض الجماعة حصاراً على مدينة تعز قامت بقطع الطريق الواصل بين وسط مدينة تعز ومنطقة الحوبان. وكانت المسافة من وسط تعز إلى منطقة الحوبان يتم قطعها في ربع ساعة فقط، غير أن إغلاق هذه الطريق من قبل الحوثيين جعل الأهالي يلجأون إلى طريق بديل يمر من وسط المدينة إلى نجد قسيم جنوباً ثم الأقروض شرقاً ثم الدمنة وصولاً إلى الحوبان شمال شرق تعز. ويتم قطع هذا الطريق البديل في خمس ساعات، ما جعل الطريق من تعز إلى صنعاء يمتد إلى حوالي 12 ساعة أو أكثر.

الطريق الواصل بين تعز وعدن والذي يبلغ 175 كيلومتراً كان يمتد لساعتين فقط قبل الحرب، مروراً بمنطقة الحوبان ثم منطقة الراهدة التي باتت تحت سيطرة جماعة الحوثيين، وقامت بقطعها بالإضافة إلى قطع طريق تعز الحوبان في سياق فرض الجماعة حصارها على مدينة تعز.

هذا الأمر جعل أبناء تعز يلجأون إلى طريق بديل عبر المرور من مدينة التربة جنوباً، مروراً بسائلة المقاطرة الترابية وغير المعبدة، ثم طور الباحة التابعة لمحافظة لحج وصولاً إلى عدن. وتمتد هذه الطريق لسبع ساعات أو أكثر. والطريق الواصل بين تعز والحديدة، والذي يبلغ نحو 300 كيلومتر كان يمتد لحوالي ست ساعات قبل الحرب. غير أن إغلاق هذا الطريق جعل المسافرين يلجأون إلى طريق بديل يشمل السفر أولاً إلى منطقة الحوبان عبر الطريق البديل، والذي يمتد لمدة خمس ساعات، ومن ثم السفر إلى مدينة إب شمالاً ثم الاتجاه غرباً إلى مدينة الحديدة ما يجعل السفر يمتد لأكثر من 12 ساعة.

عملية التضييق على الصحافة ودور النشر تسببت بإغلاق غالبية المكتبات وأكشاك بيع الصحف

محمد القباطي، سائق في خط تعز - صنعاء، قال، لـ"العربي الجديد"، إن الحرب أثرت بشكل كبير جداً على خط السير تعز - صنعاء، والذي كان قبل الحرب من أنشط خطوط السير، حيث كان يسافر باليوم الواحد الآلاف عبر وسائل النقل المختلفة من حافلات سياحية وسيارات خاصة، لكن بعد الحرب نقص عدد المسافرين بشكل كبير جداً. وعزا القباطي "نقص عدد المسافرين إلى طول مسافة الطريق بعد اضطرار المسافرين لعبور طرق فرعية ووعرة، كطرق بديلة للطريق الرئيسي المقطوع، بالإضافة إلى ارتفاع الكلفة المالية، وكذلك تجنباً للمضايقات في نقاط التفتيش التي تمتد على طول الطريق".

زياد العماري، الذي يعمل موظفا في إحدى شركات القطاع الخاص بصنعاء، قال لـ"العربي الجديد": "كنت قبل الحرب أزور أسرتي في ريف تعز مرتين في العام على الأقل نتيجة سهولة السفر حينها، حيث كنت أسافر خلال عيدي الأضحى والفطر. ومنذ بدء الحرب لم أزر أسرتي إلا مرة واحدة قبل أربعة أعوام".

شبكات محلية لبث الإنترنت

خدمة الإنترنت هي أيضاً من الخدمات العامة في اليمن التي تعرضت للتدمير، وجعلت المواطنين يلجأون إلى بدائل خاصة لمعالجة المشاكل التي تعرضت لها الخدمة.

فمع بدء الحرب تعرضت معدات شبكات الهاتف في أكثر من منطقة يمنية للتدمير، كما تعرضت أسلاك توصيل الإنترنت في بعض المناطق للنهب من قبل بعض الجماعات المسلحة التي تقوم بنهب الأسلاك وبيعها كنحاس لمحلات الخردة. هذا التدمير تسبب بتعطيل معظم نقاط الإنترنت السلكي لتبقى الخدمة متواجدة في بعض المناطق فقط.

كما أن قلة توفر النقاط قد ساهمت بمضاعفة أسعارها بشكل كبير جداً، حيث بلغ سعر بعض النقاط نحو نصف مليون ريال يمني. قلة توفر النقاط جعلت المواطنين يلجأون إلى شبكات الإنترنت التي تعتمد على أجهزة البث وتغطي مناطق معينة باستخدام أجهزة البث، حيث يتم بيع الخدمة للمستهلك بالجيغابايت أو بالساعة بأسعار معينة، وهو الخيار الذي لجأ إليه معظم اليمنيين، خصوصاً في القرى أو المناطق التي تضررت فيها خدمة الإنترنت السلكي.

المهندس زيد عبدالوهاب قال، لـ"العربي الجديد"، إن "الحرب في اليمن أثرت على الإنترنت كخدمة أساسية للمواطنين، حيث أدت إلى وقوع أضرار جسيمة في أجزاء من البنية التحتية للشبكة، وخروج بعض السنترالات عن الخدمة". وأضاف عبدالوهاب أن "المواطنين كانوا يحصلون على هذه الخدمة إما عن طريق شراء نقاط خدمة الـ ADSL التي توفرها المؤسسة العامة للاتصالات التابعة للدولة، أو عن طريق شركات الاتصالات الخاصة المتواجدة في البلاد، مثل يمن موبايل، أو إم تي إن سابقاً التي كانت تقدم خدمة ال 3G التي هي تأثرت بشكل كبير، وكذا حصول تدمير أغلب المواقع التي كانت تغطي أماكن هامة وحيوية داخل أو خارج المدن".

وأشار عبدالوهاب إلى أنه "إذا قمنا بالمقارنة من حيث سهولة الحصول على الخدمة سابقاً بالوضع الحالي، فقد كان هناك سهولة تامة في الحصول على هذه الخدمة، والاشتراك بمبالغ زهيدة، حيث كان يمكن للمواطن الحصول على خط نت بمبلغ 5000 ريال يمني باقة ذهبية غير محدودة في التحميل أو الاستخدام، وتعتبر رمزية مقابل الأسعار هذه الأيام".

ولفت إلى أنه "مع زيادة عدد المستخدمين للإنترنت لم تستطع المؤسسة العامة للاتصالات تغطية هذه الاحتياجات من حيث توسيع البنية التحتية، كذلك الحال بالنسبة لشركات الاتصالات المزود الآخر للخدمة والتي تعاني صعوبة في توسعة الشبكة، وإدخال المواد ومعدات الاتصالات اللازمة لإنجاز مشاريع التوسعة في الشبكات، وتحسين أداء خدمة الإنترنت".

وأكد أن "هذه العوامل انعكست سلباً على المواطن، إذ إن ازدياد الطلب على خدمات الإنترنت أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الخطوط، حيث وصل سعر النقطة أو الخط إلى ما يقارب 1000 ريال سعودي (نحو 400 ألف ريال يمني)". وأوضح عبدالوهاب أنه في "المقابل لجأ المواطنون إلى استخدام الشبكات البديلة، مثل شبكات النت المتواجدة في الحارات والمملوكة لمواطنين عاديين قادرين على دفع مبالغ الاشتراكات الباهظة لخطوط الإنترنت، وعمل شبكات الميكروتيك، وتغطية أجزاء محدودة من المدن، ووصول النت إلى المستخدمين".

الـ"pdf" بديلاً للورق

الحياة الثقافية والفكرية في اليمن لم تكن استثناء من الجوانب التي تضررت بسبب الحرب. فمع انقلاب الحوثيين على الدولة في سبتمبر 2014 دخلت الجماعة في حالة صدام مع الصحافة، حيث حرض زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في إحدى خطاباته عام 2017 على الإعلاميين، واصفاً إياهم بأنهم أخطر من المقاتلين في الميدان.

كما قامت الجماعة باختطاف عدد من الصحافيين، لا يزال عدد منهم في سجونها حتى الآن. بالتوازي مع ذلك قامت الجماعة بإغلاق مكاتب القنوات التلفزيونية واقتحام بعضها. كما قامت باقتحام مقرات الصحف ما تسبب بإيقافها عن العمل، حيث لم يبق حالياً في العاصمة صنعاء إلا صحف بعدد أصابع اليد الواحدة، وجميعها موالية لجماعة الحوثيين.

عملية التضييق على الصحافة ودور النشر تسببت بإغلاق غالبية المكتبات وأكشاك بيع الصحف. ومع انحسار رحلات الطيران لم تعد اليمن وجهة للكتب والمجلات العربية كما كانت في السابق، حيث بات اليمني يفتقد للصحف ولجديد الكتب. هذا الوضع جعل المواطن اليمني يلجأ إلى التلفزيون والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت كوسائل وحيدة يستقي منها الأخبار والمعرفة. كما أن المثقفين اليمنيين وجدوا في مصر خيارهم الوحيد للحصول على الكتب، أو لطباعة الإصدارات، وهو أمر غير متاح للجميع، ليبقى الخيار المتاح هو القراءة من الكتب الإلكترونية بصيغة "pdf " كوسيلة لا بد منها للحصول على الكتب وقراءتها.

الصحافي والكاتب المسرحي سلمان الحميدي قال، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد اندلاع الحرب وسيطرة الحوثيين على صنعاء، حدثت عمليات دهم لمكاتب الصحف ونهبها واختطاف عشرات الصحافيين. الحريق الذي شب في حرية التعبير بسبب نيران الحرب كان هائلاً، ولم تستطع الصحف الصمود. ولأن أغلب مكاتبها في مناطق سيطرة الحوثيين، اضطرت لإغلاقها وهاجر الصحافيون أو كثير منهم، وآثر الباقون الصمت خوفاً على حياتهم".

وأوضح الحميدي أنه "حتى الصحف التي تصدر في محافظات غير صنعاء تأثرت بسبب تداعيات الحرب التي أدت لارتفاع الأسعار". وقال إن "الناس مشغولون بما وصفها غسان كنفاني في زمن الاشتباك: فضيلة البقاء على قيد الحياة. لقد كان من الصعب أن تصمد الصحافة الورقية وسط هذه الأجواء".

وتابع: "ظهر أثر اختفاء الصحافة الورقية على الصحافيين والكتاب المثقفين، ذلك أنهم من ذوي الخبرات الثقافية والتجارب المتراكمة، وهم متمسكون بقيمة الكلمة المكتوبة على الورق، لأن كثيراً منهم لا يستخدم الوسائل البديلة التي لجأ لها اليمنيون، مثل مواقع التواصل الاجتماعي". وأشار إلى أن "المشكلة الآن هي في الصحافة الإلكترونية البديلة وظهور محررين وطلاب وكتاب يقودونها. الحرب صنعت فجوة بينهم وبين من سبقوهم، وهناك الكثير من الجيل الجديد يتعامل مع الصحافة لمجرد الكسب بعيداً عن المبادئ والالتزام بالقواعد المهنية. وإذا كان من وظائف الصحافة التثقيف، فكيف سيكون التثقيف من دون تبادل المعارف واكتساب الخبرات ممن سبقونا؟".

ورأى الحميدي أن "الحل أن تشجع الحكومة عودة الصحافة الورقية الأهلية، ولكن كيف ستفعل إذا كانت الشرعية عجزت عن إعادة إصدار صحيفة الجمهورية، وهي الصحيفة الرسمية التي أصدر لها الرئيس قراراً بتعيين هيئة جديدة، وبسبب الإمكانيات لم تتمكن من إصدار غير عدد ورقي وحيد خلال ثلاثة أشهر تقريباً. أنا أعتقد أننا نحتاج إلى تضافر جهود الحكومة والمنظمات والقطاع الخاص لحل هذه المعضلات".