بعدما كانت وكالة "رويترز"، قد كشفت في مايو/أيار الماضي، أن الولايات المتحدة تبحث في إعادة كوبا إلى لائحتها للدول الراعية للإرهاب، وأن مثل هذا القرار لن يصدر قبل نهاية 2020، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الأربعاء، أن مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية قد أنهوا فعلاً صياغة اقتراح بهذا الشأن، بات ينتظر توقيع الوزير مايك بومبيو، وهي خطوة من المرجح أن يتخذها الأخير قبل مغادرته منصبه، مع تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني المقبل. وإذا كانت الصحيفة قد أشارت إلى أن الخطوة تصبّ في إطار انتخابي، ولو متأخر، لمكافأة الأميركيين من أصل كوبي في ولايتي فلوريدا وتكساس، الذين صوّتوا بكثافة لترامب، وهم بمعظمهم من المعارضين للنظام الكوبي، إلا أنها تتخطى ذلك، ومن شأنها تعقيد مهمة بايدن لإعادة التطبيع مع هافانا، والذي كان توصل إليه الرئيس السابق باراك أوباما، إثر مفاوضات سرّية ثم علنية مع نظام راوول كاسترو. وكان بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية بالعودة إلى إرخاء العلاقات مع هافانا، فيما ترى إدارة دونالد ترامب، لا سيما جناح الصقور فيها، ضرورة معاقبة كوبا، وذلك في إطار تشددها وحصارها للدول التي لا تزال تتمرد على الانضمام إلى فلكها، في حديقتها الخلفية، أميركا اللاتينية، وخصوصاً فنزويلا.
دعم هافانا لمادورو ومتمردي كولومبيا من أسباب القرار
ولطالما سعى ترامب خلال ولايته، إلى محو إرث أوباما، والتخلي عن سياسة "القوة الناعمة" التي سارت عليها الإدارة الديمقراطية لثمانية أعوام، وتجلت خصوصاً في الملفين الإيراني والكوبي. والحديث هنا ليس عن إنهاء فقط أكثر من نصف قرن من العداوة بين الدولتين الجارتين، كوبا والولايات المتحدة، للتخلص من آخر موروثات الحرب الباردة. بل كانت سياسة أوباما، التي برزت منذ انتخابه في 2008، تقوم على إعادة تجديد مصطلح القوة الناعمة، أو الذكية، الذي كان ابتكره للمرة الأولى الأستاذ الجامعي في أوكسفورد، جوزيف ناي، والذي عمل في إدارة بيل كلينتون، وهي سياسة ابتعد عنها كثيراً جورج بوش الابن، عبر إعادة تموضع بلاده للتأكيد على التفوق والاستثناء الأميركيَين.
وكان مسؤول كبير في إدارة ترامب، قد كشف لـ"رويترز"، في مايو الماضي، عن أن هذه الإدارة تبحث في إعادة كوبا إلى لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وهي خطوة إضافية في إطار جهودها التي تواصلت منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لنسف التقدم الذي كان قد تحقق مع تطبيع العلاقات. وتحدث المسؤول حينها عن "ملف مُقنع" لإعادة كوبا إلى هذه اللائحة، في جزء منه بسبب مواصلة هافانا دعم نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا، وإيوائها قياديين في حركة "جيش التحرير الوطني" المتمردة في كولومبيا، من دون استبعاد أن يحصل ذلك مع نهاية 2020. وتوازياً، أعادت إدارة ترامب في مايو الماضي، الجزيرة الشيوعية، إلى لائحة منفصلة لدول تقول إنها لا تتعاون معها بشكل كامل في جهود مكافحة الإرهاب، وهو ما وصفته هافانا بـ"الاتهامات الزائفة".
وتشكل الخطوة المقترحة، إذا ما وقّع عليها بومبيو، ابتعاداً إضافياً عن الانفراجة التي حقّقها أوباما في العلاقات الأميركية الكوبية، إذ كان قرار الأخير بسحب كوبا من اللائحة عام 2015، أساسياً لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام ذاته. وعبر إعادتها للائحة، التي باتت تضم 3 دول، هي إيران وكوريا الشمالية وسورية، بعد سحب اسم السودان منها أخيراً، ستكون كوبا عرضة للمزيد من العقوبات والقيود التجارية الأميركية، ما سيؤثر سلباً على اقتصادها، ولو أنه لا يزال متضرراً أصلاً من الحظر الأميركي. ويقود توصيف كوبا، أو أي دولة أخرى، كراعية للإرهاب في اللائحة، إلى حرمانها من المساعدات الاقتصادية الأميركية، وفرض حظر على توريد السلاح الأميركي إليها، ومراقبة وتقييد حصولها على مواد أو معدات ثنائية الاستخدام، للمدنيين والعسكر، وأن تمنعها واشنطن من الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية. وفي الحالة الكوبية، فإن معظم هذه القيود هي مفروضة أصلاً، أو تمّ تشديدها من قبل إدارة ترامب، كما ظلّ الحظر الاقتصادي الأميركي مفروضاً على كوبا رغم اتفاق التطبيع، وتخفيف أوباما للعقوبات (تقليل القيود التجارية وتلك المفروضة على تنقل المواطنين بين البلدين ومراجعة التنظيمات المصرفية)، إذ يحتاج رفع الحظر إلى موافقة الكونغرس، وهو ما لم يحصل بعد. وكانت الإدارة الأميركية قد فعّلت منذ مايو الماضي، البند الثالث من قانون "هلمز - بيرتون" (تمّ تمريره عام 1996 دون أن يتبناه أي رئيس أميركي)، الذي يهدد بملاحقة كلّ شخص يقيم أعمالاً مع شركات كوبية أُمّمت بعد الثورة الكوبية في 1959، ما يهدد الشركاء الأجانب لكوبا.
يحتاج بايدن أشهراً عدة للعودة عن قرار تصنيف كوبا
وذكرت "نيويورك تايمز" أمس، أن على بومبيو أن يقرر ما إذا كان سيوقع الاقتراح، وذلك حتى موعد تنصيب بايدن في 20 يناير المقبل، بحسب مسؤولَين أميركيَين أضافا أن الخطوة تعد أيضاً بمثابة شكر للجاليات اللاتينية المناهضة للشيوعية، في فلوريدا، منحت صوتها لترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. من جهتهم، أعرب الديمقراطيون وخبراء أميركيون في السياسية الخارجية عن اعتقادهم، بأن ترامب، الذي تكثف إدارته، من ضغوطها أيضاً على الصين وإيران، يجهد لكبح جماح إدارة بايدن، وتعقيد مهمتها في العودة عن قراراته. ورأى الرئيس الجديد للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، غريغوري ميكس، أنها "ضربة جديدة من ترامب قبل 23 يوماً على رحيله"، مضيفاً أن الأخير "يحاول تقييد الإدارة المقبلة ووضع الأغلال في يديها". وذكرت "نيويورك تايمز" أن الاقتراح الجديد صاغه مكتب "شؤون النصف الغربي"، وليس مكتب "مكافحة الإرهاب"، ما دفع مستشار أوباما السابق، بن رودس، لاعتباره مسيّساً. وذكرت الصحيفة أن بإمكان إدارة بايدن رفع اسم كوبا من اللائحة، لكن ذلك يتطلب مراجعة رسمية من وزارة الخارجية تحتاج أشهراً عدة.
وأضافت إدارة رونالد ريغان، عام 1982، كوبا إلى لائحة الدول الراعية للإرهاب، وذلك للمرة الأولى، لدعمها الحراك اليساري في أميركا اللاتينية. وفي عهد أوباما، صنّفت الخارجية الأميركية كوبا كـ"ملاذ آمن" للانفصاليين الباسك (إسبانيا)، ومتمردي "فارك" في كولومبيا، لكن المسؤولين في هذه الإدارة توصلوا إلى أن "لا خطر" من الباسك، وكذلك من المتمردين الكولومبيين الذين انضموا إلى محادثات سلام مع الحكومة الكولومبية استضافتها ورعتها هافانا في 2016. ويشير الاقتراح الجديد إلى رفض كوبا طلباً من كولومبيا، لتسليمها 10 قياديين من حركة "جيش التحرير الوطني" التي كانت تبنت هجوماً على أكاديمية الشرطة في بوغوتا العام الماضي أدى إلى مقتل 22 شخصاً.