كواليس الاتصالات المصرية التركية لاستعادة العلاقات رسمياً

كواليس الاتصالات المصرية التركية لاستعادة العلاقات رسمياً

11 ابريل 2022
مباحثات تركية مصرية، في سبتمبر الماضي (غوفن يلماز/الأناضول)
+ الخط -

أكد دبلوماسي مصري رفيع المستوى لـ"العربي الجديد"، أن العلاقات المصرية التركية، شهدت أخيراً مرحلة جديدة من التقارب في العديد من الملفات على الصعيد الإقليمي، لكن ملفاً وحيداً لا يزال يشكّل عقبة في طريق استئناف العلاقات الطبيعية بين البلدين، وهو الخاص بطلب القاهرة تسليم مطلوبين لدى أنقرة.

وتعليقاً على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، والتي قال خلالها إن بلاده ستقدم قريباً على خطوات بخصوص تطبيع العلاقات مع مصر، لفت المصدر إلى أن "الحاصل الآن ليس تطبيعاً بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه يُعرف بـ"ترقية العلاقات الدبلوماسية" بين البلدين، أو "رفع درجة التمثيل الدبلوماسي".

وقال المصدر إن الفترة الأخيرة، شهدت تقارباً على مستويات عدة بين البلدين، في ملف ليبيا والبحر المتوسط وتوزيع الطاقة، وغيرها من الأمور، ومن المنتظر أن تتطور العلاقات قريباً في المجال الدبلوماسي، لكن القاهرة لا تزال تصر على تسليم أنقرة مطلوبين مصريين يعيشون في تركيا من المطلوبين لدى الجهات القضائية في البلاد لاتهامهم بجرائم جنائية.

قلق النظام المصري من الإخوان المسلمين

ووصفت مصادر دبلوماسية مصرية، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، الاتصالات الجارية بين البلدين في الوقت الراهن بـ"الاختبارية".

وقالت إن الفترة الماضية "شهدت لقاءات متعددة على المستوى الأمني، بين المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، ونظرائهم من الجانب التركي، تناولت مجموعة من الملفات"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "الاتصالات بين البلدين انحصرت في الجانب الأمني فقط"، وأن القيادة السياسية في مصر أرجأت أكثر من مرة، الرد على مطالب تركية بإعادة القناة السياسية في الاتصالات بين البلدين، إلى حين تحقيق مجموعة من الملاحظات.

وأضافت أن "مصر حددت مجموعة من المطالب في ما يخص ملف المعارضة المصرية الموجودة على الأراضي التركية، وفي المقدمة جماعة الإخوان المسلمين".

وكشفت المصادر أن المطالب المصرية "جاء في مقدمتها، إغلاق القنوات المعارضة بشكل كامل، وعدم الاكتفاء بتجنّب التناول السلبي للأوضاع في مصر"، لافتة إلى أن القاهرة "تخشى من أن تظل تلك القنوات وسيلة في أيدي الجانب التركي، يقوم بتحريكها في أي وقت بحال ساءت العلاقات مجدداً، أو يتم الضغط بها مستقبلاً في أي قضايا مسار تفاوض بين البلدين".

وقالت المصادر إن "الأمر الآخر الذي تعلّق بملف الإخوان في تركيا، تمثل في ملاحظات قدمتها القاهرة لأنقرة، بشأن خروقات في ما يخص منع أي اجتماعات لقيادات الجماعة وأفراد من المعارضة المصرية بالخارج".

وأضافت أن القاهرة "رصدت اجتماعات جرت أخيراً في تركيا تناولت ترتيبات متعلقة بمصر والنظام السياسي، بخلاف هجوم من بعض أعضاء وقيادات الجماعة الموجودين في تركيا، على حساباتهم الخاصة في مواقع السوشال ميديا، غالبيتها تناول شخص الرئيس المصري وأسرته والقوات المسلحة".

وأوضحت المصادر أن "آخر لقاء ضم مسؤولين أمنيين من البلدين، تناول ذلك الملف، وتم التأكيد على المطلب المصري، بشأن الوقف الكامل لأي أنشطة واجتماعات لقيادات الجماعة وحلفائهم على الأراضي التركية".


مصر حددت مجموعة من المطالب في ما يخص ملف المعارضة المصرية في تركيا

وأضافت المصادر أن "الملف الآخر الذي لا يزال أحد البنود الرئيسية على أجندة اللقاءات الأمنية بين الطرفين، هو ملف المطلوبين، وأن مصر لا تزال متمسكة بتسليم بعض الأسماء، وهو الأمر الذي لا تزال تركيا ترفضه بشكل كامل، عارضة إخراج تلك الأسماء من أراضيها، ولكن من دون تسليمها".

وكشفت المصادر عن أن الفترة الماضية "شهدت مشاورات أمنية بين مصر وتركيا على صعيد ملفات الأوضاع في ليبيا وسورية وقطاع غزة، بحكم طبيعة علاقة أنقرة بتلك الملفات".

لا رغبة تركية بتسليم المطلوبين لمصر

في المقابل، قالت مصادر دبلوماسية تركية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن "المطالب المصرية المتعلقة بتطبيع العلاقات كانت تمر بعدة خطوات مطلوبة وإن ببطء، وأهم هذه المطالب إيقاف نشاط الإخوان المسلمين في تركيا وتسليم المطلوبين منهم للسلطات المصرية".

وأضافت "بما أن البلدين يسعيان لتطبيع العلاقات، بحسب القاهرة، طالبت مصر بأن يتم الاعتراف بالرئيس عبد الفتاح السيسي كرئيس شرعي منتخب في بلاده، وذلك من أعلى السلطة في تركيا، أي أن يكون ذلك على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، وإن تأخر تطبيع العلاقات على مستوى الرئيسين أو أخذ وقتاً أطول، في الوقت الذي يستمر التطبيع فيه على مستوى وزراء الخارجية وتعيين السفراء".

وأوضحت المصادر ذاتها أن تركيا ردت على هذه المطالب والخطوات من خلال "إيقاف النشاط الإعلامي المباشر للمعارضة المصرية في تركيا، الموجه ضد النظام في مصر قبل أشهر".

أما في ما يتعلق بتسليم المطلوبين للقاهرة، فأفادت المصادر بأنه "كان هناك حديث عن بدائل تتمثل بالطلب من هذه الشخصيات مغادرة تركيا إلى بلد ثالث على سبيل المثال، من دون رغبة تركية بتسليم المطلوبين بشكل مباشر".

ولم توضح المصادر كيفية رد الفعل التركي حيال "المطالبة بإقرار الرئيس التركي بشرعية السيسي، ولكن أنقرة تعتبر أن تسمية صالح موتلو شن كقائم أعمال في السفارة التركية في القاهرة، وهو برتبة سفير، خطوة من طرفها باتجاه النوايا الحسنة، وتنتظر رد الفعل المصري حيال هذه الخطوة".

في غضون ذلك، قال دبلوماسي مصري سابق لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح والمفهوم تماماً أن هناك الكثير من المصالح المشتركة بين مصر وتركيا، والجميع يعلم ذلك جيداً، لكن الحكومة التركية كانت متحفظة في السابق في التعاون مع النظام المصري الجديد الذي جاء بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، فكانت تعطل ذلك التعاون، لكنها في الفترة الأخيرة أصبحت تتعامل مع النظام المصري بطريقة مختلفة".

وأوضح الدبلوماسي أن ذلك التغير في "التعامل التركي من النظام المصري، يعني أن أنقرة أصبحت شبه مقتنعة بصعوبة حدوث تغيير سياسي من أي نوع في مصر، وهذا يمكن أن يترتب عليه وضع غير جيد بالنسبة للمعارضين المصريين الذين يعيشون في تركيا، وحتى على المعارضين في الداخل، لكن تعامل الحكومة التركية في هذا الملف على أرض الواقع هو الفيصل في النهاية".

وفسر الدبلوماسي التطورات الأخيرة الحاصلة في العلاقات المصرية التركية، بأنها "مسألة طبيعية ومتوقعة في ظل سياسة جديدة تتبناها أنقرة منذ فترة، مع جيرانها في المنطقة".

وقال إن الخطوة "تتسق مع الخطوط العامة للسياسة التركية حالياً، والتي تقوم على إعادة العلاقات القوية مع الدول التي كانت في السابق تعتبر من الخصوم السياسيين الرئيسيين لأنقرة، بما في ذلك مصر والسعودية والإمارات".

عقدة المعارضين المصريين في تركيا

وقال إن "النظام المصري يرغب كما الطرف التركي تماماً، بتحسين العلاقات بين البلدين، ولكن يبدو أن القاهرة، لا تزال متحفظة بعض الشيء، لعدة أسباب، أولها طبيعة الدبلوماسية المصرية بطيئة الحركة، والتي تنظر إلى جميع الآثار المحتملة للخطوة، ومنها تأثير ذلك على العلاقات المصرية اليونانية، إذ إن تحسين العلاقات مع أنقرة قد يؤدي بدوره إلى تراجع العلاقات مع أثينا التي تعتبرها القاهرة حليفاً مهماً في البحر المتوسط، ولذلك فإن القاهرة تسعى إلى تحقيق التوازن".

ولفت الدبلوماسي إلى أنه "من ضمن الأسباب التي تؤخر الوصول بالعلاقات المصرية التركية إلى مستويات أرقى، هو ملف المعارضين المصريين الذين يعيشون في تركيا، وهو أمر على الرغم من أنه من المفترض أن يشكّل عقبة في طريق تحسين العلاقات، بالنظر إلى عدم أهميته بالنسبة للمصالح العليا لمصر، إلا أن النظام المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعتبره أمراً جوهرياً بالنسبة إلى مصلحته الخاصة".

وأوضح أن "النظام المصري يعي جيداً أن وجود أصوات معارضة له وخصوصاً في الخارج، بعيداً عن رقابته وقبضته القوية يشكل خطراً عليه، لا سيما في ظل فشله في إدارة شؤون الحكم داخلياً، وتصاعد حالة السخط الشعبية بسبب الأحوال المعيشية".


تحسين العلاقات مع أنقرة قد يؤدي بدوره إلى تراجع علاقات القاهرة مع أثينا

وبينما ترددت أنباء عن تعيين أنقرة سفيراً لها لدى القاهرة، نفت الخارجية التركية الخطوة، والتزمت وزارة الخارجية المصرية الصمت. وقالت المصادر المصرية لـ"العربي الجديد" إن "أنقرة تنتظر الآن موقف القاهرة من الخطوة، بينما تعلّق مصر موافقتها إلى حين حسم بعض التفاصيل النهائية أهمها ملف المطلوبين".

من جهته، قال مصدر دبلوماسي مسؤول، في ما يتعلق بما أثير بشأن تسمية سفير جديد في مصر: "هي خطوة تركية بالأساس، ولكن هذا لا يعني أنها بالضرورة تعبر عن تقدّم في المشاورات والمباحثات بين البلدين".

وأوضح أن "التوجه المصري حول هذا الملف، هو انتظار ما سيعلنه الجانب التركي بشأن علاقته مع مصر، وبناء على ما سيتخذه من خطوات سندرس الموقف ونعلن موقفنا النهائي".

وقال المصدر إنه "في حال لبّى الجانب التركي كافة الجوانب التي قدمتها مصر خلال الاجتماعات الأمنية، فإن ما يخص عملية تبادل السفراء مجدداً جاهز للتنفيذ"، مشيراً إلى أن "هناك استقراراً داخل وزارة الخارجية على أحد الأسماء البارزة التي شغلت موقع ممثل مصر في إحدى المنظمات الإقليمية، لتكليفه بتولي مهمة سفير مصر في تركيا، لكن الأمر مرهون بخطوات الجانب الآخر".

وفي السياق، كشفت مصادر خاصة، عن أن "أحد دوافع النظام المصري والدائرة المقربة من السيسي، على تسليم المعارضين الذين يعيشون في تركيا، أو ضمان كتم أصواتهم، هو معرفتهم بأن هناك من داخل النظام نفسه من يحاول التعاون مع المعارضين للسيسي في الخارج، واستخدامهم لكشف خبايا السلطة وكواليس الحكم في مصر".

وأضافت: "هذا ما يعتبره النظام المصري تهديداً وجودياً له، لا سيما أنه خبر في السابق كيف يمكن أن تدار المعارضة من الخارج، عندما تمت إطاحة نظام جماعة الإخوان بقيادة الرئيس الراحل محمد مرسي، عبر تعاون بين قيادات في الجيش، ومعارضين في الداخل والخارج".

وقالت المصادر إن السيسي "يعلم جيداً أن تنازله عن طلب تسليم المعارضين، في سبيل إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا، قد يشكل خطراً دائماً عليه، وبالتالي فإن ذلك يمكن أن يكون سبباً في تأخر العودة إلى علاقات قوية بين الطرفين".

تقارير دولية
التحديثات الحية

المساهمون