اختبار جديد للهدنة السياسية بين مصر وتركيا

اختبار جديد للهدنة السياسية بين مصر وتركيا

15 أكتوبر 2021
سيزور المرقبي قبرص اليوم (ميناسي وونديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان وقبرص سيمثل اختباراً كبيراً لمدى إمكانية استمرار التهدئة السياسية الحالية بين القاهرة وأنقرة، والبناء على التفاهمات التي تمت في الأشهر الماضية خلال الاجتماعات الدبلوماسية التي عقدت في البلدين، وأسفرت عن تحسن محدود في العلاقات الثنائية وتفاهمات حول مسألة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية بينهما. ووقّع وزير الكهرباء المصري محمد شاكر المرقبي، أول من أمس الأربعاء، اتفاقاً مبدئياً للربط الكهربائي في أثينا. ومن المقرر أن يزور نيقوسيا اليوم الجمعة، لتوقيع اتفاق آخر. ووفقاً للمصادر، فإن المرحلة الأولى من هذا الاتفاق ستتضمن مد خطين كهربائيين عملاقين، سيكونان الأكبرين من نوعهما في حوض البحر المتوسط بين مصر والدولتين الأوروبيتين، وذلك من خلال المناطق الاقتصادية الثلاث المحددة وفقاً للاتفاقات الثلاثية ذات الصلة.


عادت الحساسية إلى العلاقات المصرية التركية أخيراً

وأضافت المصادر أن المشروع ربما يؤدي إلى عودة الحساسية مع تركيا، في ظل استمرار بعض الخلافات المؤثرة بين البلدين حول وضع قادة جماعة "الإخوان المسلمين" المطلوبين في مصر، وعودة القنوات المعارضة التي تبث من تركيا للهجوم على مصر من دون ظهور الإعلاميين الأكثر شهرة الذين طلبت مصر إبعادهم عن وسائل الإعلام المختلفة.

وذكرت المصادر أن هناك عدداً من المشاكل التي ظهرت خلال التواصل بين البلدين، في أعقاب جولة المباحثات الاستكشافية التي عقدت في أنقرة في سبتمبر/أيلول الماضي، أهمها ذو طبيعة قانونية خاصة ببعض المطلوبين بعينهم. وترى تركيا أنه يكفي للمرحلة الحالية ترحيل عدد محدود من الشبان الذين غادروا مصر بشكل غير شرعي. وأشارت المصادر إلى أن تركيا لم تقدّم مساعدات ملحوظة للأمن المصري، في مجال تتبّع التمويل الوارد من الخارج من أجل تنظيم بعض الأنشطة المعارضة وإعالة ذوي المعتقلين والهاربين، وهو موضوع له أولوية في الرؤية المصرية الآن.

وأوضحت المصادر أن هذه المشاكل أدت إلى إبطاء الاتفاق النهائي على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في القاهرة وأنقرة وتبادل السفراء بشكل اعتيادي، وعقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين في القريب العاجل، والذي كان قاب قوسين منذ ما قبل إجراء المباحثات بالفعل، التي جاءت لتؤكد هذا الاتجاه "خصوصاً بعد الاستقبال التركي الرسمي الدافئ للوفد المصري برئاسة نائب وزير الخارجية حمدي سند لوزا الشهر الماضي".

وبالنسبة إلى ملف الحدود البحرية، فإن الوضع ما زال مجمداً، ولم تعقد اجتماعات هذا الشهر للجنة المشتركة المختصة بالأمر، إذ تم التفاهم فقط على أن النقاط التي سيتم تحديدها تمكن مراجعتها أو إعادة تحديدها، لتصبح نقاطاً ثلاثية تشمل دخول طرف ثالث فيها. وهو الأمر الذي يبدو عنصر طمأنة لكل من قبرص واليونان، اللتين ترفضان بشكل مطلق جميع الحسابات التركية لحدودها البحرية، نتيجة تمسك الأخيرة بنظرية اقتران المناطق الاقتصادية بالجرف القاري، وعدم تمتع الجزر بحدود بحرية مثل المناطق القارية تمنحها إمكانية خلق مناطق اقتصادية خاصة بها. ويخالف هذا الوضع عدداً من الاتفاقات والأحكام الدولية ذات الصلة التي صدرت عن محكمة العدل الدولية وهيئات أخرى، في منازعات سلمية مختلفة لترسيم الحدود.


تجنب الاتفاق المصري اليوناني الصدام المباشر مع تركيا

ومن المقرر أن يتم ترسيم المنطقة الاقتصادية للبلدين في المسافة بين خطي الطول 28 (الحد الشرقي للحدود المصرية اليونانية) و30.05 (الحد الغربي للحدود المصرية القبرصية)، مما يعني تلافي الدخول إلى المناطق التي تم تحديدها سلفاً. ولا تزجّ عمليات الترسيم مستقبلاً بمصر في الأزمة بين تركيا واليونان حول صلاحية جزيرة كريت، باعتبارها جرفاً قارياً يبدأ منه احتساب الحدود بين اليونان وليبيا، وبالتالي استمرار الوضع الهش للاتفاق التركي الليبي، على الرغم من قبول الأمم المتحدة إيداعه بها، في انتظار حسم نهائي لمنازعة اليونان للبلدين عليه.

كما لم يتم إلى الآن حسم التفاوض حول حصول مصر على مساحة إضافية للمنطقة الاقتصادية الخاصة بها، ببدء احتساب حدود تركيا بعد عدة أميال من جرفها القاري، كبرهان على تأكيد حسن النوايا، ولتيسير المناقصات المصرية المقررة في هذه المنطقة، بالتوازي مع مناقصاتها السابقة المعلنة في المنطقتين المرسمتين مع قبرص واليونان. ويتماشى ذلك مع الاتفاق المصري اليوناني، الذي ينص في الفقرة (ه) من المادة الأولى على أن "تخطر كل دولة الأخرى وتتشاور معها، في حال دخولها في مفاوضات لتحديد منطقتها الاقتصادية مع دولة ثالثة تشترك مع الطرفين في مناطق بحرية"، الأمر الذي ينطبق على تركيا وليبيا وحسب. والجدير بالذكر أن الاتفاق المصري اليوناني كان قد تحاشى ضم بعض الجزر الصغيرة التابعة لرودس (الأقرب إلى تركيا من اليونان)، بما فيها جزيرة كاستيلوريزو (ميستي) التي تبعد ميلاً واحداً عن مدينة كاش الساحلية التركية بمحافظة أنطاليا. ومطلع الشهر الحالي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في مداخلة تلفزيونية إن المفاوضات مع قطر تجري بشكل جيد، لكن تركيا عليها اتخاذ خطوات أكثر تأثيرا تلبي مطالب مصر، وإنه يأمل عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها.

المساهمون