كواليس "أزمة التفويض الشعبي" للسيسي بشأن سد النهضة الإثيوبي

كواليس "أزمة التفويض الشعبي" للسيسي بشأن سد النهضة الإثيوبي

17 يوليو 2021
السيسي: قلق المصريين بشأن مياه النيل مشروع (محمد عبدالغني/فرانس برس)
+ الخط -

سيطرت قضية سد النهضة على كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء أول من أمس الخميس، بين أنصاره، في استاد القاهرة الرياضي الدولي، في فاعلية كان قد أعلن مسبقاً أنها مخصصة لتدشين مشروع تطوير الريف المصري ضمن مبادرة "حياة كريمة".

وقال السيسي في كلمته إن القلق بشأن مياه النيل بالنسبة للمصريين هو قلق مشروع، وتابع "مصر لم تسع إلى التهديد أو التدخل في شؤون البلاد، قولنا تعالوا نتعاون ونقبل التنمية لإثيوبيا مع التأكيد أن لا مساس بالمياه الخاصة بمصر... قولنا عايزين اتفاق ملزم قانوناً ينظم هذا الموضوع، في ما يخص عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وتحركنا وما زلنا متحركين فيه، وتحركنا الأخير في مجلس الأمن وضع الموضوع على أجندة الاهتمام الدولي". وقال السيسي إن "المساس بأمن مصر القومي خط أحمر ولا يمكن اجتيازه شاء من شاء وأبى من أبى"، مؤكداً أن "ممارسة الحكمة والجنوح للسلام لا يعني السماح بالمساس بمقدرات هذا الوطن، والذي لن نسمح لأي كان أن يقترب منه، ولدينا في سبيل الحفاظ عليه خيارات متعددة نقررها طبقاً للموقف وطبقاً للظروف". وتوجّه "لكل الأشقاء في إثيوبيا والسودان"، بالقول "تعالوا نعمل اتفاق قانوني ملزم يحقق لنا الخير جميعاً، لنا ولكم، ونعيش كلنا في سلام وأمان".

السيسي: المساس بأمن مصر القومي خط أحمر ولا يمكن اجتيازه

وعلى الرغم من تركيز السيسي على سد النهضة، فإن مصادر مطلعة كشفت لـ"العربي الجديد"، أنّ الهدف الحقيقي للفعالية ظلّ مثار جدل وخلاف داخل أروقة صناعة القرار والدوائر القريبة المحيطة بالسيسي طيلة 15 يوماً قبل الإعلان عنها.

وقال مصدر مطلع على تفاصيل تنظيم المؤتمر الجماهيري، لـ"العربي الجديد"، إنه كان هناك مقترح بتنظيم مؤتمر شعبي حاشد يحضره عشرات آلاف الأشخاص في استاد القاهرة، أو في محيطه، وبالتحديد أمام النصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر (المنصة)، في مدينة نصر، شرق القاهرة، يكون هدفه تفويض السيسي لاتخاذ القرار المناسب في قضية سد النهضة الإثيوبي، مع ترديد هتافات تطالب بالحل العسكري، ضد إثيوبيا، وكان مخططاً لذلك المؤتمر قبيل جلسة مجلس الأمن التي انعقدت في 8 يوليو/ تموز الحالي، بخصوص أزمة السد. وفي الرابع من يوليو، فاجأ اتحاد كرة القدم المصري الجميع بقرار تأجيل مباراة نادي الزمالك وغزل المحلة في الدوري العام، والتي كانت مقررة في الخامس من يوليو على أرض استاد القاهرة، من دون إبداء أي أسباب، على الرغم من وجود تشديدات صارمة قبلها من الاتحاد بعدم تأجيل أي مباراة مهما كانت الظروف، قبل أن يتم الكشف عن السبب الحقيقي والذي جاء بدعوى تنظيم فعالية وطنية ضخمة في الاستاد في اليوم ذاته من دون تحديد تفاصيلها أو أهدافها.

وبحسب المصدر، فإن الهدف الأساسي من وراء تلك الفاعلية التي أرجئت حينها، كان إظهار أن هناك ضغوطاً شعبية على النظام الحاكم في مصر لاتخاذ خطوات تصعيدية بشأن أزمة سد النهضة، في حال لم يتم التوصل لاتفاق دولي حول قرار يحفظ حقوق مصر المائية في مياه النيل. إلا أنّ خلافاً في وجهات النظر دبّ داخل دائرة السيسي المقربة، وتمثّل في رأي مجموعة مدير جهاز المخابرات اللواء عباس كامل، ومعه مساعده أحمد شعبان، ومحمود السيسي، نجل الرئيس والقيادي في جهاز المخابرات العامة، والذي كان يتبنى تنظيم الفاعلية وقتها، في مقابل لجنة التخطيط الاستراتيجي في رئاسة الجمهورية برئاسة الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا، مساعدة الرئيس، والتي ارتأت أن تلك الوسائل لن تكون ذات فائدة أمام المجتمع الدولي، الذي لا يعترف سوى بلغة المصالح، والتشابكات الإقليمية، سواء مع مصر أو مع إثيوبيا. وأكدت هذه اللجنة وقتها، أن مثل تلك الفاعلية ستمثل ضغطاً على الرئيس المصري، خصوصاً في حال إخراجها في صورة تفويض شعبي، على غرار ما جرى في ما عرف بـ"جمعة التفويض" في 27 يوليو 2013، التي دعا إليها السيسي نفسه عندما كان وزيراً للدفاع لفض اعتصامات أنصار الرئيس المصري المنتخب، الراحل محمد مرسي.

الهدف الحقيقي لفعالية الخميس ظلّ مثار جدل وخلاف داخل أروقة صناعة القرار

وتابع المصدر أنه كانت لجنة التخطيط الاستراتيجي برئاسة الجمهورية، التي تترأسها أبو النجا، ترى أنه إذا صدر قرار معاكس من مجلس الأمن أو لم يصدر أي قرارات تكون في صالح مصر والسودان، وقد فوّض الشعب السيسي لاتخاذ قرار رادع لإثيوبيا، فسيكون لزاماً على الرئيس اتخاذ خطوات لن يكون في مقدوره الإقدام عليها، خصوصاً في ظلّ تحذيرات دولية، ورسائل تلقتها القاهرة من أكثر من طرف دولي برفض قاطع لأي أعمال عسكرية مهما كانت أسبابها أو أهدافها أو أشكالها.

وأشار المصدر إلى أن "السيسي حسم الجدل بين الفريقين بحل يرضيهما، بتأجيل الفعالية لما بعد جلسة مجلس الأمن، مع إدخال تعديلات عليها، وألا تكون أزمة سد النهضة شعارها الرئيسي"، وهو ما ظهر خلال الفعالية التي احتضنها استاد القاهرة، مساء أول من أمس الخميس، وجاءت تحت شعار مبادرة "حياة كريمة"، على الرغم من أن السيسي دشن المشروع نفسه قبل فعالية الخميس بخمسة عشر يوماً في احتفالية ضخمة، وبالتحديد في 30 يونيو/ حزيران الماضي.

وفي السياق ذاته، قال مصدر برلماني مطلع، لـ"العربي الجديد"، إنه كان مخططاً تخصيص جلسة مجلس النواب في 12 يوليو الحالي، لإصدار تفويض برلماني للرئيس المصري بشأن أزمة السد، وذلك بتوجيه من جهاز المخابرات العامة، قبل أن يتم التراجع عن صيغة "القرار البرلماني"، والاكتفاء بكلمات نيابية، اختتمها رئيس مجلس النواب حنفي الجبالي بتأكيد "ثقته الكاملة بالقيادة السياسية وقدرتها على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب".

كان مخططاً تخصيص جلسة مجلس النواب في 12 يوليو، لإصدار تفويض برلماني للسيسي بشأن أزمة السد

وعقب انتهاء الجلسة التي كان مقرراً أن تكون الأخيرة خلال الفصل التشريعي الحالي، صدرت تعليمات من الضباط المشرفين على عمل المجلس في جهاز المخابرات العامة لكافة نواب المحافظات البعيدة، بعدم العودة لدوائرهم والبقاء في القاهرة، وذلك لمشاركتهم في فعالية حاشدة، من دون أن يتم إبلاغهم بتفاصيل حول طبيعتها. وقال مصدر برلماني آخر: "تم إخطارنا بالبقاء في القاهرة، وعدم السفر، لحضور مؤتمر ضخم مرجح أن يحضره الرئيس السيسي، ولكن الجميع كانوا يتوقعون أن يكون خاصاً بسد النهضة بعد الجلسة المخيبة لمجلس الأمن، قبل أن نفاجأ بأن المؤتمر تم تحديده وسيكون مخصصاً لمبادرة حياة كريمة".

وعن كلمة السيسي خلال الفعالية في ما يخص أزمة سد النهضة، قال دبلوماسي مصري سابق، لـ"العربي الجديد"، إن إشارة رئيس الجمهورية إلى أن الهدف من الذهاب لمجلس الأمن لم يكن إلا لوضع الأزمة على أجندة الاهتمام الدولي "شيء محزن للغاية لأنه يبدو منه أننا لم نكن مستعدين بالشكل الجيد لتلك الخطوة، على عكس إثيوبيا التي يبدو أنها كانت قد رتبت أوراقها جيداً، عبر تحديد أهدافها وحلفائها، واللعب على مصالحهم بشكل جيد". وتابع أن السيسي تحدث عن أن الخط الأحمر هو عدم نقصان مياه مصر، "وهو أمر في غاية الخطورة ويمثل تراجعاً مصرياً وانهزاماً جديداً، بعد ما كان خطنا الأحمر هو عدم الشروع في الملء بكافة مراحله من دون اتفاق ملزم يضمن عدم تحول السد إلى سيف على رقاب المصريين مستقبلاً، ومن قبل ذلك الخط الأحمر كان عدم استكمال البناء قبل الانتهاء من الدراسات الفنية، وهو ما لم يتحقق أيضاً".