قيس سعيّد لا يريد منافسين: ملاحقة المرشحين المحتملين وشروط جديدة

قيس سعيّد لا يريد منافسين في الانتخابات الرئاسية: ملاحقة المرشحين المحتملين وشروط جديدة

14 ابريل 2024
خلال الفرز بعد الاستفتاء على الدستور، أريانة، 2022 (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سياسيون ومراقبون في تونس يتوقعون أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون تحت سيطرة شروط يفرضها الرئيس قيس سعيّد، مما يعزز فرصه في إزاحة منافسين محتملين عبر الملاحقات القضائية والسجن لمرشحين.
- الدستور التونسي، حتى بعد التعديلات، لا يمنع المقيمين بالخارج من الترشح، لكن هناك توجه لفرض شروط ترشح إضافية قد تقيد المنافسة وتضع الهيئة العليا للانتخابات تحت ضغط سياسي.
- الأمين العام لحزب العمال يعتبر الظروف الحالية غير مواتية لانتخابات ديمقراطية حقيقية، ويصف الانتخابات المقبلة بأنها "بيعة" لسعيّد، معلنًا موقف حزبه بمقاطعة الانتخابات ودعوة الآخرين للمقاطعة.

يرى سياسيون ومراقبون تونسيون أن الانتخابات الرئاسية، المتوقعة ما بين سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلَين، ستكون مقيّدة بشروط سيفرضها رئيس الجمهورية قيس سعيّد تمكنه من إزاحة كل منافس محتمل له. ويضيف هؤلاء أن الملاحقات المتتالية لمرشّحين محتملين والزج بهم في السجون هي تمهيد لمواصلة الحكم الفردي لسعيّد. وكان الأخير قد شدّد في كلمة ألقاها في مدينة المُنستير، وسط البلاد، بمناسبة الذكرى الـ24 لوفاة الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة في السادس من إبريل/ نيسان الحالي، على "أنه لا يمكن القبول بالرجوع إلى الوراء أو بأن يتم الترشّح من قبل مجموعات ترتمي في أحضان الخارج". وأضاف أن المرشّح "يجب أن يكون مُزكى من قبل التونسيين ومنتخباً من قبلهم وحدهم وليس من قبل أي جهة أخرى".
وكان سعيّد قد قال في المناسبة نفسها، العام الماضي: "لن أسلم وطني لمن لا وطنية له"، ما فُهم حينها بأنه سيكون هناك تضييق على مرشّحين محتملين، بعضهم مقيم بالخارج، مثل منذر الزنايدي، وزير السياحة في عهد الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.

تجاوز للدستور الذي عدّله قيس سعيّد نفسه

وفي السياق، يرى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يوجد في النص الدستوري" ما يفرض على المرشّح للانتخابات الرئاسية الإقامة في تونس، "وبالتالي، من هو مقيم في الخارج ويتمتع ببقية الشروط (للترشّح) في الفصل 89 من الدستور يمكنه الترشح للرئاسة". وتقول المادة 89 من الدستور، الذي أجرى سعيّد استفتاء لتعديله عام 2022، إن "الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي أو تونسية غير حامل لجنسية أخرى، مولود لأب وأم، وجد لأب، وجد لأم تونسيين، وكلّهم تونسيون بدون انقطاع" وهو ما يقصي مزدوجي الجنسية. كما تنص على أنه يجب أن يكون المرشّح أو المرشّحة، "يوم تقديم ترشّحه، بالغاً من العمر 40 سنة على الأقل، ومتمتعاً بجميع حقوقه المدنية والسياسية"، علماً أن السنّ المطلوبة كانت 35 عاماً.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويوضح المختار أن "تقديم الترشّح حسب الشروط المنصوص عليها في القانون الانتخابي سيفرض التوجه إلى هيئة الانتخابات، أي سيكون التقديم شخصياً ومن دون وكالة"، مضيفاً أن "أي منع غير دستوري وغير قانوني، وأي تأويل، سيكون تزيّداً (تجاوزاً) قانونياً". ويلفت إلى أن "هناك تقديرات سياسية وتسويقاً سياسياً في ظل الحديث عن عمالة للخارج"، مبيناً أنه "لا يُتخيل أن تكون هناك إدارة لأي حملة (انتخابية) من خارج البلاد، لأن ذلك سيكون له تأثير في التسويق السياسي للمرشّح".

وبرأي المختار، فإن "الإشكال اليوم أن هناك مناخاً من عدم الثقة، وهناك من يرى أن هيئة الانتخابات (الهيئة العليا المستقلة للانتخابات) قد لا تقف على المسافة نفسها مع كل المرشّحين، ما يعني أن دورها سيكون داخل دائرة الضوء وداخل دائرة التشكيك". يأتي ذلك خصوصاً في ظل "صدور قرارات ترتيبية (تنظيمية) من قبلها (هيئة الانتخابات) قد تكون بديلاً عن القانون الأساسي". ويشدد على أن "المسألة الدستورية واضحة، وهي أنه لا يمكن وضع شروط غير منصوص عليها دستورياً، وإلا فستتحول الهيئة بديلاً عن المشرّع"، مضيفاً أنها "مدعوة لاحترام الدستور".

ظروف غير ملائمة لانتخابات ديمقراطية 

من جهته، يقول الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "حزب العمال يعتبر أن لا ظروف موضوعية لإجراء انتخابات، إذ وضع قيس سعيّد شروطها في دستور كتبه بنفسه، وقواعد حددها لكي يكون هو المرشح الأوحد". ويضيف أن الانتخابات "عبارة عن بيعة أكثر منها انتخابات رئاسية". ويلفت الهمامي إلى أن "حزب العمال لن يشارك في انتخابات بشروط سعيّد، وسيقاطعها وسيدعو إلى مقاطعتها"، مشيراً إلى أنه "في عهد المخلوع زين العابدين بن علي، كان البعض يشارك (كمرشّح) لكي يحصل على نتيجة واحد أو اثنين بالمائة، لأنه وضع هؤلاء كديكور". ويعتبر أن الأمر نفسه يحصل الآن "ولكن ربما بطريقة أكثر مهزلة".

وبرأي الهمامي، فإن من "قاطع الانتخابات التشريعية (بدورتَيها الأولى نهاية 2022، والثانية بداية 2023) والاستفتاء على دستور (عام 2022) ثم يشارك في الانتخابات الرئاسية، فكأنه يعترف ضمنياً بالانقلاب ويعطي مشروعية لصعود قيس سعيّد مجدداً، وبالتالي سيمنحه مبررات لمواصلة الحكم". ويشير إلى أن "كل ما فعله سعيّد منذ الانقلاب كان الهدف منه البقاء في السلطة، ولذلك عمل على الزج بكل من ينوي الترشّح، في السجن". كما "جرى تلفيق القضايا ضد معارضين، إلى جانب وضع شروط للانتخابات بطريقة فردية، لأن الهدف إزاحة كل من يفكر في الترشّح، وإزاحة أي منافس جدي" لسعيّد.

الهمامي: سعيّد وضع شروطاً للانتخابات بطريقة فردية

ويقول الهمامي إن "سعيّد لا يخفي ذلك، بل صرّح علانية بذلك خلال زيارته أخيراً محافظة المنستير، عندما تحدّث عن عدم منح الرئاسة لشخص غير وطني"، لكنه يوضح أنّ "هذا لا يعني فسح المجال لسعيّد لكي يفعل ما يريد، بل تنبغي مقاومة الانقلاب، ورفض ما يحصل من خلال النضال والنزول إلى الشارع بطريقة سلمية وقانونية، وطرح البديل وفرض شروط الانتخابات الديمقراطية"، معتبراً أن "هذه الانتخابات لن تكون ديمقراطية". وكان سعيّد قد قرر، في 25 يوليو/ تموز 2021، تفعيل البند 80 من دستور 2014، واتخذ بموجبه تدابير استثنائية، أقال خلالها حكومة هشام المشيشي وجمد صلاحيات مجلس نواب الشعب، ورفع الحصانة عن نوابه.  كما علّق عمل المحكمة الدستورية المؤقتة، وهي هيئة مراقبة دستورية القوانين، إلى جانب العديد من ممارسات التضييق على الإعلام والمعارضين.

كذلك، فقد أجرى سعيّد، بناء على تعديل الدستور، تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات البرلمانية، من بينها الاقتراع للأفراد بدل القوائم في الانتخابات البرلمانية، وتقليص مقاعد البرلمان من 217 إلى 161، موزعة على 161 دائرة بدلاً من 33 دائرة انتخابية، منها 10 مقاعد عن التونسيين المقيمين بالخارج. كما أقصت التعديلات مزدوجي الجنسية ومنعتهم من الترشحّ، فيما ينطبق هذا الشرط أيضاً على المرشّح للانتخابات الرئاسية، إذ نص الدستور الجديد على ذلك في المادة 89، علماً أن شروط الترشّح للانتخابات الرئاسية تحكمها تعديلات الدستور الجديد. وإلى حد الآن، يبدو كل منافسي سعيّد المحتملين للرئاسة، والذين أعلنوا نيّتهم الترشّح، إما داخل السجن (الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي)، أو مهددين بالملاحقة القضائية خارجه، كالزنايدي، والإعلامي نزار الشعري، والأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي.

النضال من أجل انتخابات نزيهة

وفي هذا الصدد، يقول عضو جبهة الخلاص الوطني القيادي في حركة النهضة رياض الشعبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الإشكال يتمثل "في كيفية تنظيم انتخابات حرة ونزيهة"، مضيفاً أن "السلطة مطالبة بتنظيم الانتخابات وفق المعايير المتفق عليها". ويلفت بالتالي إلى أنه "في ظل منع المرشّحين من تقديم ترشّحهم بوسائل غير قانونية، والضغط على هيئة الانتخابات والهيمنة على قوانين اللعبة، فإن كل هذا يلغي القيمة السياسية للانتخابات". ويشير إلى أن "السلطة إذا حاولت التحكم في الانتخابات، فستكون بذلك قد صادرت نتيجتها، فيما تفقد هذه الانتخابات أي أهمية".

ويعتبر الشعبي أن "الرسائل التي ترسلها السلطة حالياً سلبية، وما لم يحصل ضغط على السلطة لحماية مكسب هام وقع تكريسه خلال 10 سنوات من الانتقال الديمقراطي (منذ ثورة 2010)، فإنها ستلغي آخر ركيزة من هذا الانتقال الديمقراطي"، وذلك "بمنع المرشّحين (من الترشّح) والتحكم في قوانين وقواعد اللعبة". ويضيف أنه "إلى الآن الرسائل لا تزال سلبية".

الشعبي: جبهة الخلاص الوطني ستناضل ميدانياً وسياسياً وإعلامياً للضغط على السلطة

ويقول الشعبي إن "الجبهة ستناضل ميدانياً وسياسياً وإعلامياً للضغط على السلطة، من أجل توفير الشروط الملائمة للانتخابات، واحترام قواعد المنافسة". ويشير إلى أن "الرهان هو كيفية إنقاذ البلاد بالوسائل الديمقراطية، وهو ما تسعى إليه الجبهة، أي الحرص على المشاركة في الانتخابات المقبلة والدفاع عن حق الجميع في التنافس". وينطلق موقف الجبهة "من الإيمان بأن الديمقراطية يمكن أن تدافع عن نفسها وتصمد أمام التسلّط"، لكن الشعبي يستدرك بالقول: "للأسف، السلطة تواصل إغلاق الفضاء العام، ومنع حرية التعبير بالمرسوم 54، ما يدفع بالبلاد نحو مزيد من التأزم والفشل على كل المستويات".

وصدر المرسوم عدد 54 في سبتمبر/أيلول 2022، ويتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية، ويهدف رسمياً إلى "ضبط الأحكام الرامية إلى التوقّي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات". لكن المرسوم أثار الجدل بسبب العديد من فصوله، خصوصاً الفصل 24، الذي يجرّم حرية التعبير، إذ تصل العقوبات فيه إلى السجن 10 سنوات.

من جهته، يرى القيادي في الحزب الجمهوري المولدي الفاهم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سعيّد وضع دستوراً بنفسه ولن يقبل بأي منافس له أو أي مرشح جدي". ويوضح أن "الانتخابات الرئاسية عرس ديمقراطي، وتتطلب مناخاً للمشاركة، والشعوب تفتخر بها"، مستدركاً: "للأسف، نحن الآن تحت وقع المرسوم 54، وتمكن تسمية ما سيحصل بأي شيء، إلا بكونه انتخابات".

ويلفت الفاهم إلى أنهم في الحزب الجمهوري "واكبوا الانتخابات في النظام البورقيبي، إذ كان هناك الحزب الواحد"، وكذلك "في فترة الرئيس المخلوع بن علي، إذ تعددت العناوين، ولكن ويل لكل منافس يتجاوز السلطة". ويضيف أنه بعد ذلك "جاءت الثورة والديمقراطية، لكن حصلت خيبة أمل، وعدنا إلى ما قبل الثورة"، معتبراً بالتالي أن "الظروف غير ملائمة" للانتخابات.

ويبين أن "التهديد والوعيد من قبل بعض الصفحات (على مواقع التواصل) المناصرة لسعيّد يذكران بأجواء الحروب وليس بأجواء الانتخابات". ويضيف من جهة أخرى أنه "للأسف لا وجود لمعارضة موحدة، فالمناخ ككل غير ملائم، خصوصاً في ظل سجن المعارضين". ووفق الفاهم، "فالمطلوب من النخب توحيد الجهود وتوفير مناخ تجرى فيه الانتخابات وفق المقاييس الدولية المعمول بها، وإلا فهنيئاً لسعيّد بفوزه.