قصف أربيل: إبعاد "الحشد" لتفادي الرد الأميركي

قصف أربيل: إبعاد "الحشد" لتفادي الرد الأميركي

18 فبراير 2021
من آثار القصف على المدينة (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الهجوم الصاروخي على أربيل مساء الإثنين، يشغل السلطات العراقية، التي تخشى من رد عسكري أميركي على الهجوم، وتسعى إلى تلافيه من خلال خطوات تقنع واشنطن، وقد تترجم بإبعاد الفصائل المسلحة عن حدود إقليم كردستان العراق. يأتي ذلك فيما لا تزال التساؤلات قائمة حول المسؤول الفعلي عن الهجوم، خصوصاً أن تبني مليشيا تطلق على نفسها اسم "أولياء الدم" المسؤولية، لم يقنع كثيرين، فيما تسعى فصائل "الحشد الشعبي" لإبعاد أي مسؤولية عن نفسها.

وبعد ساعات قليلة من الإعلان عن اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مساء الثلاثاء، بحث الهجوم الصاروخي على أربيل، ونقل خلاله بلينكن "غضب" واشنطن من الهجوم، بحسب تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، كشف مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن وصول وفد عسكري من مكتب القائد العام للقوات المسلحة الذي يشغله الكاظمي، إلى مدينة مخمور في محافظة نينوى المحاذية للحدود مع أربيل، أمس الأربعاء. وبحسب المسؤول نفسه فإن الوفد أجرى "لقاءات مع عدد من قادة الفصائل المسلحة المنتشرة في المنطقة وكذلك قيادات عسكرية في الجيش العراقي". وكشف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن "ضغوط على حكومة الكاظمي من التحالف الدولي، وكذلك أطراف في أربيل، لسحب جميع الفصائل المسلحة ضمن الحشد الشعبي المنتشرة على حدود إقليم كردستان ضمن محافظات نينوى وكركوك، واستبدالها بوحدات من الجيش العراقي حصراً". وأقر بوجود "مخاوف من رد عسكري أميركي على الهجوم، تسعى حكومة الكاظمي إلى تلافيه من خلال اتخاذ خطوات ملموسة تقنع واشنطن". ورجح أن يكون من ضمنها "إعادة نشر الفصائل المسلحة في مناطق ليست على تماس مع حدود كردستان العراق، خصوصاً سنجار ومخمور وزمار"، شمال الموصل مركز محافظة نينوى.

تسعى حكومة الكاظمي لتلافي رد عسكري أميركي من خلال خطوات ملموسة تقنع واشنطن

وفي السياق، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، إن واشنطن تدرس حيثيات هجوم أربيل الذي أدى إلى مقتل متعاقد وإصابة عدد من قوات التحالف، مؤكدة أن "الإدارة تحتفظ بحق الرد على الهجوم بالطريقة والوقت اللذين تختارهما". وطالبت بـ"محاسبة المسؤولين عن هجوم أربيل". كما ندد وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، في بيان مشترك، بالهجوم الصاروخي الذي استهدف أربيل، وأكدوا توفير الدعم اللازم للتحقيق الذي تجريه السلطات العراقية "بنظرة تهدف لمحاسبة المسؤولين".

في هذا الوقت، أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، أن "عدد الصواريخ التي سقطت في أربيل هو 11"، مشيراً إلى أنها "أطلقت من داخل حدود الإقليم". وأضاف أن "الصواريخ أطلقت من منطقتين في أربيل تبعدان أكثر من 5 كيلومترات عن مركز المدينة". وأوضح أن "4 من الصواريخ سقطت داخل حرم مطار أربيل، وأخرى سقطت على مدنيين"، مؤكداً أن العراق "لن يقبل بتحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات".

وتتجه أغلب التسريبات من مدينة أربيل إلى أن المسؤولين عن الهجوم الصاروخي تمكنوا من دخول حدود إقليم كردستان عبر محور بلدة الكوير، التابعة لقضاء مخمور المتنازع عليه بين بغداد وأربيل، وتنفيذ الهجوم الصاروخي. واتهم المتحدث الرسمي باسم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في إقليم كردستان، محمود محمد، أمس الأربعاء، "فصيلاً يعمل تحت مظلة الحشد الشعبي بالوقوف وراء قصف أربيل"، من دون أن يسمي الفصيل، مضيفاً في بيان صدر من أربيل أن "مجموعة مضللة خارجة عن القانون وتعمل في ظل الحشد وبإمكانياته وامتيازاته وزيه" هي من تقف خلف الهجوم.

هذا الاتهام دفع هيئة "الحشد الشعبي" إلى الرد على لسان القيادي فيها محمد البصري، الذي قال إن "هجوم أربيل تم تبنيه من قبل فصيل أولياء الدم، وهو غير معروف ولا ينضوي في هيئة الحشد الشعبي". وأضاف البصري، في بيان نقلته وسائل إعلام محلية، إن "هذا الاتهام غير صحيح والتحقيق لم يكتمل لغاية الآن، ولا توجد أي نتائج عن الجهة التي أطلقت الصواريخ". وأشار إلى أن "الهيئة تحتفظ بحق الرد قضائياً على كل من يتهمه دون أي دليل".

بالتوازي، عقد الرئيس العراقي برهم صالح، اجتماعاً هو الأول من نوعه مع القيادي في "كتائب حزب الله"، رئيس أركان "الحشد الشعبي" عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك". ونقل بيان لـ"الحشد الشعبي" أن اللقاء الذي جمع "أبو فدك" بصالح، تطرق إلى "التحركات الأخيرة للحشد الشعبي لضبط الأمن في كركوك وغرب نينوى وصولاً إلى الحدود العراقية السورية، إضافة إلى شرح طبيعة حركة تبديل القوات ضمن مناطق مسؤولية الحشد الشعبي تنسيق الجهود الأمنية". كما أشار إلى أن "الجانبين تباحثا حول النقاط الحدودية والسيطرات المشتركة بين القوات الاتحادية والبشمركة، كما أكد اللقاء رفض كل الأعمال التخريبية وضرورة العمل على منع تسلل عناصر "داعش" عبر الحدود".

لكن مصدرين في بغداد تحدثا لـ"العربي الجديد"، أحدهما نائب في البرلمان عن تحالف "الفتح" (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، أكدا أن "اللقاء لم يكن هادئاً بين أبو فدك والرئيس برهم صالح"، كاشفين عن نقل الأخير "رسائل غاضبة من أطراف في أربيل وواشنطن حيال الهجوم، واحتمالية أن ترد الولايات المتحدة بضربات جوية على معسكرات للحشد في العراق". وشدد المصدران على أن القيادي في الحشد "نفى أي علاقة للفصائل التابعة للحشد الشعبي بالهجوم واعتبر أنهم غير مسؤولين عن مثل هذه الهجمات، عارضاً المساعدة في التحقيق للتوصل إلى المتورطين".

وحول إمكانية سحب الفصائل المسلحة من المناطق المتنازع عليها، رد المتحدث باسم "الحشد الشعبي" في المحور الشمالي، علي الحسيني، بأن "الحشد جزء من المنظومة الأمنية ويتحرك وفقاً لأوامر القائد العام للقوات المسلحة" (رئيس الوزراء). وأضاف الحسيني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الاتهامات ضد الحشد الشعبي لا أساس لها ولا دليل عليها وتأتي جزء من مؤامرة مستمرة ضده".

مسؤول في "الحشد": الاتهامات ضدنا لا أساس لها ولا دليل عليها وجزء من مؤامرة مستمرة ضدنا

وقال الأمين العام لوزارة البشمركة في إقليم كردستان العراق جبار الياور، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "التحقيقات ما زالت مستمرة وسيتم الإعلان بكل شفافية عما سيتم التوصل إليه"، مضيفاً أن "مليشيا سرايا أولياء الدم وهمية، كالمليشيات التي تتبنّى قصف المنطقة الخضراء واستهداف أرتال التحالف الدولي"، في إشارة إلى ضلوع مليشيا نافذة في الهجوم. ولفت إلى أن "هناك احتمالاً كبيراً بأن العربة التي حملت الصواريخ ووصلت إلى أربيل ونفذت عمليتها، لم تنطلق أصلاً من أربيل، خصوصاً أن الحدود الغربية والجنوبية للمدينة، المحاذية لكركوك ومخمور، تحتوي على عشرات الممرات الترابية التي تفلت أحياناً عن سيطرة الخطوط الدفاعية الكردية، ويحدث تسرب لإرهابيين وهو أمر طبيعي".

في هذا الوقت، أعاد الهجوم على أربيل ملف عودة انتشار قوات البشمركة مجدداً في المناطق المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، والتي تقع ضمن الشريط الحدودي بين محافظات الإقليم الثلاث، دهوك وأربيل والسليمانية، والمحافظات العراقية الأخرى في نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، وذلك بعد بيان لرئيس الإقليم نجيرفان البارزاني لمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بـ"أخذ مخاطر هذا الهجوم على محمل الجد، والعمل على تنفيذ الدستور العراقي وخصوصاً المادة 140"، في إشارة للمناطق المتنازع عليها.

وقال القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" محمود خوشناو، لـ"العربي الجديد"، إن الهجوم أبرز أهمية إنهاء ملف هذه المناطق كونه يمثل ثغرات أمنية كبيرة للإقليم، تستغلها خلايا تنظيم "داعش" وعصابات الجريمة المنظمة وبعض الفصائل المسلحة، التي هي خارج سيطرة الدولة. ولفت إلى أن "حكومة إقليم كردستان والقوى السياسية الكردية، ستصعّد من حراكها لحسم هذا الملف، وهذا الأمر مدعوم من قبل التحالف الدولي، الذي بدأ يشعر بخطورة الثغرات الأمنية في المناطق المتنازع عليها".

في المقابل، قال المتحدث باسم كتلة ائتلاف "دولة القانون"، النائب بهاء الدين النوري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هناك أطرافاً سياسية تستغل الهجوم على أربيل من أجل إعادة قوات البشمركة إلى المناطق المتنازع عليها، التي انسحبت منها عام 2017، معتبراً أن "حسم مثل هذا الملف يحتاج إلى توافقات سياسية، وليس من خلال استغلال أحداث أمنية". وأضاف أن "القوات العراقية قادرة على سد أي ثغرة أمنية في تلك المناطق، وليس هناك أي حاجة لعودة قوات البشمركة لهذه المناطق، خصوصاً أن هذا الأمر يلاقي رفضاً سياسياً وشعبياً كبيراً، وصعب تحقيقه، على الرغم مما حاولت بعض الأطراف تحقيقه".

وانسحبت قوات البشمركة الكردية من المناطق المتنازع عليها، بعد دخول الجيش العراقي إليها عام 2017 بقرار من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، على خلفية استفتاء انفصال إقليم كردستان، الذي شمل كركوك ومناطق أخرى متنازعا عليها.

المساهمون